منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

ميزان حسن أخلاق العباد احترامهم للوقت والميعاد | سلسلة خطبة الجمعة

ميزان حسن أخلاق العباد احترامهم للوقت والميعاد | سلسلة خطبة الجمعة/ الأستاذ بن سالم باهشام

0

ميزان حسن أخلاق العباد احترامهم للوقت والميعاد | سلسلة خطبة الجمعة

بقلم: الأستاذ بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

عباد الله، هذه الخطبة تسلط الضوء على خلق كان المجتمع الإسلامي رائدا فيه ردحا من الزمن، يوم كان سيد العالم وقائده، إلا أنه نتيجة تخليه عن روح الإسلام، ورضا أهله بالشكل الذي لا يمت إلى الدين الإسلامي إلا بالاسم والرسم؛ بدل المضمون والعمل، مما جعل المسلمين في الذنب بعد أن كانوا الرأس المسير، وأصبح الكفار مضرب المثل في هذا الخلق الذي يمارسونه بنظرة مادية وليست أخلاقية، لأنه يرفع لهم من الإنتاج، ويحافظ لهم على الاقتصاد، فرغم استعمارهم لبلداننا، وأكلهم لثرواتنا، ومسخهم لهويتنا، فإنا نضرب بهم المثل في الانضباط بالوقت، والوفاء بالمواعيد.

عباد الله، إن العالم الإسلامي اليوم، يعيش أزمة مواعيد في الإدارات والمؤسسات الخاصة والعامة، وأزمة وقت، في الأسر ومع أنفسنا، والجهل بأن احترام الوقت والانضباط بالمواعيد من صميم الأخلاق الإسلامية، ويدخل ضمن الخلق الجامع للأخلاق الذي هو الصدق.

عباد الله، إن للأخلاق في الإسلام فضلٌ كبير، ومكانة عظيمة، وهذا يظهر من وجوه كثيرة، منها:

1 – تعليل الرسالة الإسلامية كلها، والبعثة المحمدية بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها، والعمل على إصلاح ما أفسدته الجاهلية منها، فقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه أحمد ، وسنده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصحَّح العجلوني سندَه في كشْف الخفاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بُعِثت لأُتمم صالح الأخلاق)
[ أخرجه أحمد (8595)، وسنده صحيح، قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصحَّح العجلوني سندَه في كشْف الخفاء]. وهذا يعني أن حُسْن الخُلُق رُكْن الإسلام العظيم الذي لا قيام للدين بدونه.

2 – أن حُسْن الخُلُق من أكثر ما يُرجِّح كِفَّة الحسنات، ويُثقل به موازين الأعمال يوم الحساب.

روى أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وجوَّد المنذري سنده،عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من شيء يُوضَع في الميزان أثقل من حُسْن الخلق، وإن صاحب حُسْن الخُلُق لَيَبلُغُ به درجة صاحب الصوم والصلاة)
[ أبو داود (4166)، والترمذي (1925) وقال: حسن صحيح، وجوَّد المنذري سنده،].

3 – إن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم، ولكن أفضل المؤمنين في إيمانهم هم أحسنهم أخلاقًا.

روى أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا، أحسنهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خُلُقًا)

[ أحمد (7095)، والترمذي (1082) وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: فيه محمد بن عمرو، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح]. بل إن من أهم عناصر الخيرية المُطلَقة بين المؤمنين، هو تحليهم بالأخلاق الفاضلة، والخِصال الحميدة، روى البخاري، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أخيركم أحسنكم خلقًا)[ البخاري (5569)].

4 – إن كل المؤمنين يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتمنَّون قُربَهم منه يوم القيامة، وأكثر المسلمين ظَفَرًا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرب منه مجلسًا يوم القيامة، هم الذين حَسُنت أخلاقُهم، حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم، روى أحمد، وسنده صحيح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أُخبِركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟، فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: أحسنكم خُلُقًا)
[ أحمد (6447) وسنده صحيح، قال الهيثمي: إسناده جيد].

5 – كثرة الآيات القرآنية المتعلِّقة بموضوع الأخلاق، أمرًا بالحسَن منها، ومدحًا للمتَّصِفين به، ومع المدح الثواب، ونهيًا عن القبيح منها، وذم المتصفين به، ومع الذمِّ العقاب، ولا شك أن كثرة الآيات في موضوع الأخلاق يَدُل على أهميتها،ففي القرآن الكريم 6236 آية.. وآيات العبادات في القرآن كله لا تزيد عن 130 آية فقط، أي بنسبة 2٪ من القرآن.. في حين أن آيات الأخلاق 1504 آية، أي ما نسبته 24٪ من القرآن تقريبا، أو ربع القرآن.. ومع ذلك يركز عدد كبير من المسلمين على العبادات ، ويترك الجزء الأكبر من المعاملات وحُسن الخلق، وفي ذلك يقول الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله: «الدّين كله خُلق ، فمن فاقَك في الخلق ،فاقَك في الدّين»، فلاشك أن مصيبة المصائب الكبرى، هي غفلة المسلمين في أغلب عصورهم عن التأسي بخلق رسولهم الأكرم صلى الله عليه وسلم، والذي كان قرآنا يمشي على الأرض، ومما يزيد هذه الأهميةَ للأخلاق، أن هذه الآيات منها ما نزل في مكة قبل الهجرة، ومنها ما نزل في المدينة بعد الهجرة، مما يدل على أن الأخلاق أمر مهم جدًّا، لا يستغني عنه المسلم في أي وقت، وأن مراعاة الأخلاق تَلزَم المسلمَ في جميع الأحوال؛ فهي تُشبِه أمور العقيدة من جِهة عناية القرآن بها في السور المكيَّة والمدنيَّة على حد سواء.

6 – لم يدَع الإسلام خُلُقًا صالحًا إلا ودعا إليه وأمر به، ونهى عن ضده من الأخلاق، فمثلاً أمر بالصدق وهو من جوامع الأخلاق، وصاحبه يحتل الدرجة الثانية بعد النبوة، ونهى عن الكذب، روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) [ أخرجه البخاري (5629) مسلم (4718).].
واحترام المواعيد وعدم الإخلال بها – إلا بعذر قاهر – يعتبر من علامات صدق الشخص، وبهذا النوع من الصدق، يطمئن الناس بعضهم إلى بعض، وتتربى الثقة في عهودهم والتزاماتهم، وقد مدح الله تعالى نبيا كريما بالصدق في الوعد فقال عز وجل في سورة مريم: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾. [مريم : 54]،

وعلق عليها الإمام القرطبي بقوله: (صدقُ الوعد من خُلق النبيين والمرسلين، وخلافه: من أخلاق الفاسقين والمنافقين). كما حث صلى الله عليه وسلم على الوفاء بالوعد، وجعل من يخلف الوعد متصفا بإحدى صفات المنافق، روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعْدَ أَخْلَفَ)، [متفق عليه، رواه البخاري ( 33 و 2682 و 2749 و 6095 ) ومسلم ( 59 )] عباد الله، إن احترام المواعيد صفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، والالتزام بها، يحفظ الحقوق والأوقات، فتحصل بها المصالح والمنافع، فكيف تتحقق المصلحة لمن يأخذ موعدا بالساعة والدقيقة.. وينتظر الساعات؟ كيف تتحقق مصلحة طلاب علم ينتظرون محاضرة بموعد لا يأتي فيه المحاضر إلا بعد ساعة أو أكثر؟ كيف يمكن أن نطالب الناس بالثقة في من تعودوا منه إهانتهم وتضييع أوقاتهم، وعدم التزامه بالمواعيد؟ كيف نرجع ثقة الناس في البنائين والكهربائيين و سائر الصناع غير المنضبطين بالقوت؟

عباد الله، إنه يجب علينا ترسيخ احترام المواعيد بيننا، وتربية أبنائنا عليها، كما علينا أن نسترد ما ضاع منا من القيم، ليسود الصدق والوفاء، وتعود الثقة إلى النفوس التي لن يتغير حالها إلا بجهد وعزيمة، قال تعالى في سورة الرعد: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
عباد الله، علينا أن نعلم جميعا أن الوقت غال وثمين. وهو العمر، فكما لا تحب أن يُضيِّع أحد وقتك، فلا تُضيِّع أوقات الآخرين – إذ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، إن احترام المواعيد يربي الاحترام لوقت بعضنا البعض، ويربي فينا النظام والانضباط، ويجعل لنا مكانا بين الناس، ونكون مأجورين على ذلك … وقد ربى نبينا صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم على احترام المواعيد والوفاء بالوعود – وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان ( إذا وعد فقال : إن شاء الله، لم يخلف ) – وكان عمر رضي الله عنه يرتب أموره ليلا ونهارا ويقول : ( إن نمت الليل ضيعت نفسي، وإن نمت النهار ضيعت رعيتي )، هكذا كانوا، فبارك الله أعمارهم وأوقاتهم – وقاموا بأعمال عظيمة في أزمان يسيرة، وعَلمُوا أن سلعة الله غالية، وسلعة الله الجنة، فعملُوا لها وتاجروا وربحوا البيع.

عباد الله، لترسيخ أهمية الوقت، والوفاء بالمواعيد، شرع الإسلام ما يثبت هذا الخلق اللصيق بالصدق، فحدد سبحانه وتعالى لنا مواعيد معه في كل يوم خمسة مرات، فقال في سورة النساء: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، وموعد مع الله في عيد أسبوعي ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9]. من هنا يتبين لنا أن الحياة ليست عبثا، والمواعيد عهود وأمانات، قال تعالى في سورة المؤمنون ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]….فكيف نتعامل مع احترام المواعيد فيما بيننا؟ وكيف نريد ممن لا يلتزم بمواعيد خالقه أن يحترم مواعيد المخلوقات؟

عباد الله، إن حسن أخلاق العباد، رهين باحترام الوقت والميعاد، وإن احترام المواعيد، سمة مميزة للمسلم الملتزم، وإن احترام المواعيد من أهم عوامل النجاح في حياة البشر، وللمواعيد المضبوطة أهمية كبرى، وربما توقفت عليها حياة أشخاص ومستقبلهم، فلو أن طبيبا تخلف عن موعد مريضه !، ولو أن الأستاذ تخلف عن موعد طلبته أو محاضرته !، ولو أن سائق الناقلات تخلف عن موعد السفر !، وتخلف قائد الطائرة عن موعد الرحلة ! الخ، لسادت الفوضى وضاع الكثير من الخير. فهل أنت أيها المسلم ممن يلتزم باحترام المواعيد بدقة ؟

عباد الله، إن عدم الالتزام باحترام المواعيد يشجع العابثين وأصحاب الأهواء، ويثبط عزائم الجادين، ويساهم في تخلف المجتمع بأسره. وبذلك يعتبر إخلاف المواعيد مرضا خطيرا يتطلب من المخلصين لدينهم التفكير في علاج ناجع بوسائل منها:

أ- التربية الإيمانية.

ب- المصارحة وعدم المداهنة للذين يخالفون الوعود ويتخلفون.

ج- تشجيع الملتزمين بالوقت ماديا ومعنويا.

د- عدم انتظار المتأخرين وإنجاز الأعمال في مواعيدها المحددة.

ه- تحديد المواعيد بدقة.،

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.