التوعية الدينية
د. عثمان كضوار
التوعية الدينية من المجالات التي يلزم اقتحامها من منطلق محاربة الأمية الدينية التي تحدثت عنها سلفا، والتي تقتضي طرق عدة أبواب ودق ناقوسها، لعل أبرزها ما يتعلق بمفهوم العبادة الذي يجهله العديد من المسلمين أو يدركه بمعنى مغلوط، فيترتب عنه ما نحن عليه الآن من ممارسات أقل ما يمكن وصفها بجاهلية القرن الواحد و العشرين، فالجهل والأمية وجهان لعلمة واحدة إلا ما شد عن ذلك.
العبادة بمفهومها العام نقلا عن ابن تيمية رحمه الله هي “كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة”، وهو مفهوم يحدد لنا بكل دقة فلسفة الإنسان في الوجود، عبادة الله على الوجه الذي يرضاه، فلا يحق للمرء أن يقول أو يفعل ما يغضبه عز وجل، سواء جهر به ” ظاهرا” أو أسره في نفسه “باطنا” ، وبالتالي نجد شريحة كبيرة تختزل مفهوم العبادة في الشعائر التعبدية ” الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج…” والأصل أن هذه الشعائر هي شعارات ووسائل لتحقيق أشخاص مصلحين، الصلاح وحده غير كاف لنجاة الفرد من الهلاك، ففي الحديث الذي روته زينب بنت جحش، وتبثت روايته كذلك عن أمنا عائشة رضي الله عنها “يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثر الخبث” ، بينما ورد في سورة هود ” وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” – الآية 117، فصلاح النفس لا يشفع لصاحبها من منطلق تأدية الحقوق العينية الفردية مالم يكن مصلحا ، بحيث تظهر آثار ممارسته التعبدية على المجتمع من خلال علاقاته الإيجابية مع الناس، بدءا من أهله وأقاربه وجيرانه ومحيطه القريب والبعيد، ومن خلال أدائه المهني وإخلاصه فيه، وكل ممارساته وأنشطته التجارية والحرفية… ولذلك وضع الفقهاء عدة قواعد أساسها ضبط الجانب المعاملاتي الذي يعد فرعا عن أصل العبادات، وذلك مثل قولهم ” حقوق الله مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاححة”، فالله يسامح ويسمح في حقه، أما حقوق العباد تبنى على الطلب والسد في الحال بدون تأخير، وإلا ترتبت عليها مظالم لا ترفع إلا بتنفيذ العدالة الإلهية، لذلك دعا الحق سبحانه إلى أن ينتبه المرء بأن يكون يقظا أثناء ممارساته فهي جزء من العبادة، قال تعالى ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” سورة الأنعام الآية 162.
فالآية الكريمة تدعو بأن يستشعر المرء مفهوم العبادة العام وهو أن تعيش لله ومع الله ، فلا يراك فيما يكره، ويحب رؤيتك فيما يحب، والأمكنة مرتبطة بالأفعال، والأفعال متصلة بالنوايا والمقاصد، وهذا ما يوضح علاقة الباطن بالظاهر من خلال معنى العبادة سالف الذكر، وللأسف يظن البعض أن بمجرد حرصه على تأدية شعائره – طقوسه- التي لا تتجاوز حدود تأدية شروط العبادة قد استوفى العبادة حقها، في حين تغيب عنه شروط قبول العبادة التي تحتاج إلى ضبط المفاهيم ، بالتمييز بين شروط العبادة وبين أركانها من جهة، وبين شروط القبول من جهة، لذلك وجه ربنا خطابا غاية في الدقة لا ينتبه إليه إلا من وفق إلى الرشد، قال تعالى ” وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ” الفرقان الآية 23، قد يعمل المرء في الدنيا ما يعتقد فلاحه في الآخرة، ليفاجأ بعدم قبوله ” فجعلناه هباء منثورا” فالعمل المخالف للإخلاص، وتأدية الشعائر بمنأى عن ما يحقق الإصلاح ويدفع ويرفع البلوى، كل ذلك يدفعنا جميعا إلى إعادة النظر في معنى العبادة الذي نظنه .
ومن التوعية الدينية استصغار الذنوب، وهي دعوة إلى تصحيح المفاهيم التي تدفع العبد الوقوع في أسوء المراتب، فينال غضب الله، فالكثير لا يميز بين معنى الفحشاء والضلال والإسراف والفسوق، وبين المغفرة والتوبة والعفو.
فالفحشاء ما عظم قبحه من الأقوال، والضلال هو العدول عن الطريق المستقيم، والإسراف بمعنى الخروج عن الطاعة.
أما المغفرة هي ستر الذنب، والتوبة ترك الذنب، والعفو ترك العقوبة، فهذه الاختلافات كفيلة بأن يدرك المرء درجة ارتكابه للمخالفات الشرعية، وكيفية التخلص منها، فالمغفرة مرتبطة بالخالق تلزم التوبة بشروطها كاملة، لتنال بعد ذلك عفو الله. يتبع….
وفقك الله أستاذي
التوعية الدينية تقتضي الإخلاص في العمل والإخلاص يقتضي استحضار البعد الأخروي في إنجاز العمل
زادك الله علما وتوفيقا سي عثمان