منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مقاصد الصـــلاة 

0

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حين تقف بين يدي الرب الرحيم، وأنت منكسر الجناحين، دامع العينين خاشع القلب، تسال ربك الوهاب أن يسقي قلبك برحيق الحب والشوق للقائه، طالبا رضاه والجنة شاكرا لأنعمه تقول: يا رب يا رب !!تسأل الله بعد أن تقطع الصلة مع جميع خلق الله، مكبرا الله أكبر وبعدها تسلم عن يمينك وقد تحللت بعد ذلك من كل الأعمال التي كانت حراما… تسأل عن هذه العبادة ما القصد منها وما القصد من تلك الحركات وقوف وركوع وسجود…فاعلم أيها المقبل على الله بهذه العبادة أن أعمال العباد منها معقولة المعنى واضحة القصد ومنها غير معقولة المعنى واضحة القصد وإليك بعض هذه المقاصد…..حتى تعبد الله عن علم فإنه لا يعبد عن جهل .

-المقصد الأسمى تحقيق العبودية لله وحده لا شريك له

يقول الله عز وجل في سورة الذاريات } وَمَا خَلَقْتُ اُ۬لْجِنَّ وَالِانسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِۖ {[1] يقول الطاهر ابن عاشور (ت  1393 هـ)  في تفسيره “قصرُ علةِ خلق الله الإِنسَ والجنَّ على إرادته أن يعبدوه، والظاهر أنه قصر إضافي وأنه من قبيل قصر الموصوف على الصفة، وأنه قصر قلب باعتبار مفعول { يَعْبُدُونِۖ} ، أي إلا ليعبدوني وحدي، أي لا ليشركوا غيري في العبادة، فهو ردّ للِشرك وليس هو قصراً حقيقياً فإنا وإن لم نطلع على مقادير حِكَم الله تعالى من خَلق الخلائق، لكنَّا نعلم أن الحكمة من خلقهم ليست مُجردَ أن يعبدوه، لأن حِكَم الله تعالى من أفعاله كثيرة لا نُحيط بها،.”[2] والصلاة هي أم العبادات ……

-المقصد الثاني ذكر الله

هي ذكر الله الذي هو أكبر مصلحة. ولذلك جاء التعليل به وحده في آية أخرى، هي قوله تعالى 🙁 وَأَقِمِ اِ۬لصَّلَوٰةَ لِذِكْرِيَۖ ) [3] يقول الدكتور المقاصدي أحمد الريسوني: “قد يقال: إن ذكر الله مصلحة تعبدية أخروية خالصة، وقد جعل هو المقصد الأعظم للصلاة؟ فأقول: إن ذكر الله عز وجل من أعظم المصالح الدنيوية. أو ليس أسمى ما يرغب الناس فيه في حياتهم ويبحثون عنه ليلهم ونهارهم هو السعادة؟ وهل السعادة سوى الشعور بالارتياح والابتهاج والطمأنينة والمتعة؟ وإذا كان الأمر كذلك – وهو لا شك كذلك – فإن أعلى درجات السعادة الدنيوية وأسمى مقاماتها، هي تلك التي يتحصلها الذاكرون لله، الخاشعون في كنفه، يملؤهم اليقين، ويغمرهم الرضى والطمأنينة يقول تعالى ” ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ “[4].

يقول الإمام الطاهر بن عاشور “والعبادة تجمع معنى العمل الدالّ على التعظيم من قول وفعل وإخلاصٍ بالقلب. ووجه التفريع أن انفراده تعالى بالإلهية يقتضي استحقاقه أن يُعبد. وخصّ من العبادات بالذكر إقامة الصلاة لأنّ الصلاة تجمع أحوال العبادة. وإقامة الصلاة إدامتها، أي عدم الغفلة عنها. والذكر يجوز أن يكون بمعنى التذكر بالعقل، ويجوز أن يكون الذكر باللّسان. واللاّم في { لِذِكْرِيَۖ } للتّعليل، أي أقم الصلاة لأجل أن تذْكُرني، لأنّ الصلاة تذكّر العبد بخالقه. إذ يستشعر أنه واقف بين يدي الله لمناجاته. ففي هذا الكلام إيماء إلى حكمة مشروعية الصلاة “[5]

-المقصد الثالث النهي عن الفحشاء والمنكر الله

 يقول الدكتور الريسوني “هي كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر. ولا يخفى على أحد أن النهي عن الفحشاء والمنكر، والإبعاد عنهما، والتخفيف منهما، إنما هي مصالح فردية وجماعية في هذه الحياة الدنيا، مصالح تعود على الناس بالنفع في أبدانهم وعقولهم وأموالهم وأحوالهم النفسية والاجتماعية… ثم هي بعد ذلك سبب لنيل ثواب الله تعالى في الدار الآخرة.” اَ۟تْلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ اَ۬لْكِتَٰبِ وَأَقِمِ اِ۬لصَّلَوٰةَۖ إِنَّ اَ۬لصَّلَوٰةَ تَنْه۪يٰ عَنِ اِ۬لْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِۖ وَلَذِكْرُ اُ۬للَّهِ أَكْبَرُۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَۖ “[6] والمقصود أن الصلاة تيسر للمصلي ترك الفحشاء والمنكر. وليس المعنى أن الصلاة صارفة المصلي عن أن يرتكب الفحشاء والمنكر فإن المشاهد يخالفه إذ كم من مصلّ يقيم صلاته ويقترف بعض الفحشاء والمنكر. كما أنه ليس يصح أن يكون المراد أنها تصرف المصلي عن الفحشاء والمنكر ما دام متلبساً بأداء الصلاة لقلة جدوى هذا المعنى. فإن أكثر الأعمال يصرف المشتغل به عن الاشتغال بغيره. وإذ كانت الآية مسوقة للتنويه بالصلاة وبيان مزيتها في الدين تعين أن يكون المراد أن الصلاة تُحذر من الفحشاء والمنكر تحذيراً هو من خصائصها..[7]

المقصد الرابع ملاذ الخائفين وملجأ المومنين

عن حذيفةَ بن اليمان قالَ كانَ النَّبيُّ إذا حزبَهُ أمرٌ صلّى[8] الصَّلاةُ صِلةٌ بين العبدِ وربِّه، وهي عبادةٌ جليلةٌ فيها تَصْفو الرُّوحُ مِن الكَدَرِ والمُنغِّصاتِ النَّفسيَّةِ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يدَيْ ربِّه ويَدْعوه لِتَفريجِ هُمومِه؛ فهو وحْدَه القادِرُ على إزالةِ الهمِّ والحزنِ وتسهيلِ الصِّعابِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ حذيفةُ رَضِي اللهُ عنه: »كان النَّبيُّ إذا حزَبَه أمرٌ صلّى«، أي: إذا أحزَنَه أمرٌ أو أصابه بالهمِّ لجَأ إلى الصَّلاةِ، سواءٌ كانتْ فرضًا أو نافلةً؛ لأنَّ في الصَّلاة راحةً وقُرَّةَ عينٍ له، وهذا مِصداقُ قولِه تعالى(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوٰةِۖ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ اِلَّا عَلَى اَ۬لْخَٰاشِعِينَ) [9] وهذا مِن تعليمِ النَّبيِّ لأمَّتِه، فإنَّه يُعلِّمُنا حُسْن التَّوكُّلِ على اللهِ واللُّجوءَ إليه في كلِّ الأمورِ.وفي الحديثِ: الحثُّ على اللُّجوءِ إلى الصَّلاةِ عِندَ النَّوائبِ. [10]

المقصد الخامس التشبه بالملائكة

وفي حديث طويل لرسول الله صلى الله عليه وسلم…ثمَّ خرَج علينا مرَّةً أخرى، فقال» مُعلِّمًا إيّاهم كيف يَقِفون في الصَّلاةِ: «ألا تَصُفُّون كما تصُفُّ الملائكةُ عندَ ربِّها؟ فقلنا: يا رسولَ الله، وكيف تَصُفُّ الملائكةُ عند ربِّها؟ قال: يُتِمُّون الصُّفوفَ المُقدَّمةَ، ويتَراصُّون في الصَّفِّ»، أي: تَتراصُّون في الصُّفوفِ بعضُكم بجِوارِ بعضٍ، وتُتِمُّونها صفًّا صفًّا الأوَّلَ ثمَّ الثّانيَ ثمَّ الثّالثَ، وهكذا في كلِّ الصُّفوفِ.[عن جابر بن سمرة:] دخَل رسولُ اللهِ ﷺ المسجدَ فقال) ألا تصُفُّون كما تصُفُّ الملائكةُ عند ربِّهم؟( قالوا) يا رسولَ اللهِ وكيف تصُفُّ الملائكةُ عند ربِّهم؟ قال: يُتمُّون الصُّفوفَ الأُوَلَ ويتراصُّونَ في الصَّفِّ(

تبقى الصلاة ونختم بها قوله الإمام عبدالسلام ياسين والصلاة طاعة يطيعها الجسم والعقل . الصلاة وقفة العبد أمام ربه يناجيه ويدعوه ويتضرع إليه. نداء المؤذن إليها نفير إلى الفلاح. الصلاة فلاح. من أضاعها وأخل بشرط من شروط اعتدالها واطمئنانها وخشوعها نقص دينه، وسقط على أم رأسه ولو ناضل بكل ماله وقواه ليقيم في زعمه الخلافة الإسلامية[11].…..


[1]  سورة الذاريات الآية 56

2تفسير التحرير والتنوير الطاهر بن عاشور ت 1973م

3سورة طه الآية 13

4تفسير التحرير والتنوير  الطاهر بن عاشور

5 أحمد الريسوني الفكر المقاصدي قواعده وأهدافه

6 سورة العنكبوت الآية 45

7  الطاهر بن عاشور التحرير والتنوير  .

8 • الألباني (1420 هـ)، صحيح أبي داود 1319• حسن

9  سورة البقرة الآية 44

10 شعيب الأرنؤوط (1438هـ)، تخريج صحيح ابن حبان ٢١٥٤ • إسناده صحيح على شرط مسلم 29

11 عبدالسلام ياسين محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى ص 44 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.