منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

أنثروبولوجيا الجاهلية والشذوذ الجنسي

أنثروبولوجيا الجاهلية والشذوذ الجنسي/ الأستاذ فؤاد هراجة

0

أنثروبولوجيا الجاهلية والشذوذ الجنسي

بقلم: الأستاذ فؤاد هراجة

عادة ما يُقصَدُ بالجاهلية المرحلة التي سبقت الإسلام في الجزيرة العربية، والتي اتسمت باعتقادات وعادات وتقاليد معينة، جاء الإسلام لتقويمها وإصلاحها وإضفاء الوسطية و الاعتدال عليها. بَيْدَ أن ورود هذا اللفظ في القران الكريم منحه دلالة أوسع، واخرجه من سياج الزمان والمكان والقوم، ليجعل منه معيارا ومقياسا عاما لتقييم حالة اجتماعية وسياسية ما ممتدة في الزمان والمكان؛ وعليه فإن الجاهلية ليست سلوكا فرديا، بل ولا حتى قوميا، وإنما هي حالة من القيم المختلة، ووضع من الأخلاق الذميمة اللذان يسودان ردحا من الزمن في جغرافيا واسعة النطاق، ويشملان كل مناحي الحياة.

ذلك أن لفظ الجاهلية، له بعد انثروبولوجي مرتبط بنشوء معتقدات وعادات معينة يكون الفاعل الأخلاقي فيها هو الإنسان. هكذا، بمقاربتنا لهذه الكلمة أنتربولوجيا، يتسنى لنا أن نتحرر من المعنى التبسيطي الذي اعتبر الجاهلية مرحلة انتهت بمجيء الإسلام. والسؤال الإشكالي الذي يواجهها، هل لفظ الجاهلية انتهت صلاحيته، أم أنه مصطلح متعالي عابر للزمان والمكان والحضارات والمجتمعات؟

يؤكد القرآن الكريم أن صفة الجهل التصقت بالإنسان منذ اللحظة الأولى التي قَبِلَ فيها بتحمل الأمانة ”إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا“، أي أن الانسان كان شديد الجهل بقيمة وثقل أمانة للاستخلاف في الأرض، فضلا عن جهله بقيمته بين المخلوقات وأن هذا الكون كله سخَّره الله من أجله. هذا الجهل الفردي بحقيقة الشيء وقيمة الشيء، عندما يتحول إلى جهل جماعي، ويتجسد في عادات وتقاليد وقيم مختلة ممتدا في الزمان والمكان، يصبح «جاهلية».

والقران الكريم وهو يعالج ظاهرة الجاهلية العابرة لحدود الزمان والمكان والمجتمعات، ينبهنا أنها بين نشوئِها وتطورها تمر بأربع مراحل وسمات جوهرية وهي:

1- مرحلة النشأة، ”ظن الجاهلية“: وهي تمثل حالة جماعية من الزيغ عن الحق تتم على مستوى النفس والعقل، بحيث تتمظهر من خلال ميولات الأفراد النفسية، وأفكارهم العقلية ومنه قوله تعالى: ”يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ “. فالشذوذ الجنسي مثلا كمظهر جلي للجاهلية، انتشر بين الأفراد بداية كميولات نفسية ثم تبلور في أفكار عقلية منحرفة.

إننا في هذه المرحلة الأولية الجاهلية قد نستهين بها، كما قد لا نشعر بخطورتها ما دامت لا تتعدى حدود الميول والأفكار إلى الفعل، وهنا مكمن الخطأ والخطر، إذ من واجب أهل الحق أن يكونوا يقظين اجتماعيا، ويتصدون عن طريق التربية والتعليم والفكر لهذه الظاهرة قبل أن تنتقل إلى مرحلتها الثانية، وهو دور بالغ الأهمية لأنه صراع ومعركة حول الإنسان، أي قيم وأخلاق ستظفر به وتغنمه!

2- مرحلة التوسع والتقوية: ”حمية الجاهلية“: في هذه المرحلة يتحول حاملو الفكر المدفوعون بميولاتهم الجاهلية إلى عصبية وتكتل اجتماعي وقوة فاعلة في محيطها وزمانها، وسبب ذلك أن الافكار والميولات الجاهلية، قد تحولت إلى معتقدات قلبية من شأنها أن تجعل أهل الجاهلية على أفجر قلب رجل واحد، وهذا ما ينقلها إلى مرحلة الحمية التي يقول فيها الحق سبحانه: ”إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ“.

فهذا الانجماع القلبي على قيم الجاهلية يمنح أصحابه قوة التحزب وقوة اختراق منظومة الأخلاق والقيم التي تحول دون تعبيرهم عن جاهليتهم بكل مظاهرها. إن الكتلة الجاهلية وهي تشعر بقوتها وتوسعها النوعي قبل الكمي، ستسعى حتما إلى تحويل هذا التكتل والتحزب إلى سلطة، وهو ما يدفعها إلى التفكير بجدية في الحكم.

3- مرحلة التمكين والسلطة، ”حكم الجاهلية“:

عندما يصل حماة الأهلية إلى الحكم، ويكونوا من الشواذ جنسيا ماذا سينتظر المجتمع منهم غير تشريع القوانين والأنظمة المخالفة لفطرة الله التي فطر الناس عليها.

إن ما لا يدركه كثير من الناس في العالم، أن عدة حكام ونواب وزعماء أحزاب ومفكرين واثرباء أصحاب شركات عابرة القارات…، من الشواذ جنسيا، تسللوا على غفلة واستهانة من الناس إلى أعلى مراتب الدولة، وأصبحت اليوم يشكلون قوة سياسية واقتصادية وفنية وفكريا مؤثرة، جعلتهم يجرؤون على سَنِّ قوانين وإنشاء نظم اجتماعية تحمي كل مظاهر الجاهلية وعلى رأسها الشذوذ الجنسي. إن العالم اليوم ومنه العالم الإسلامي، قد أصبح مهددا في قوانينه ونظمه الاجتماعية والسياسية باسم الكونية التي يتحكم في رسم خطوطها الشواذ الذين يحكمون العالم.

4- مرحلة الظهور والانتشار، ”تبرج الجاهلية“:

إن التسليم بمسار الجاهلية في مراحله الثلاث السالفة الذكر، وترك القائمين عليه يعبثون بفطرة الإنسانية، سيجرنا حتما إلى مرحلة من الجاهلية المتقدمة، لا يقنع فيها الشواذ جنسيا كونهم جزء من المجتمع، بل سيسعون بكل ما أوتوا من أدوات سياسية واقتصادية وإعلامية إلى تحويل الجماعة الإنسانية إلى جماعة شواذ، وسيعملون على الانتصار لعُقَدِهِمْ النفسية بجعل المجتمع الذي كان ينكر عليهم أفعالهم الشنيعة، يتبناها ويدافع عنها، بل ويتظاهر بفعلها وإلا سيكون المصير المستقبلي هو العود لا قدر الله لمقولة قوم لوط لنبيهم عليه أفضل وأزكى الصلاة والسلام: ” وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ“.

إن العالم القرية قد تشكل إعلاميا، وهاهم الحكام الشواذ اليوم، بخيلهم وركبهم وأصواتهم ومعهم كل شياطين الجن والإنس، يسعون إلى تحويل العالم إلى قرية شواذ، لا يجد فيها سليم الفطرة ركنا يأوي إليه.

إن ما تقوم به جاهلية العصر هو إعادة إحياء كل القرى التي دُمِّرَتْ تاريخيا بسبب تبرج جاهليتها، ومنها قرية سَدُوم التي عرفت أبشع صور تبرج الشذوذ الجنسي في تاريخ الإنسانية.

إن حديثنا عن هيمنة الفكر الجاهلي عامة والشذوذ الجنسي خاصة، لا يعني دعوتنا إلى الاستسلام بقوة الجاهلية الضاربة في كل مكان، ولا إلى التسليم بها مقدر محتوم، وإنما هو استنفار لكل غيور على الجنس الإنساني والفطرة الإنسانية والأصالة الإنسانية، إلى ضرورة خوض كل المعارك الفكرية المطلوبة دحضا وتفنيدا لأفكار وظن الجاهلية، ثم إلى وجوب توحيد جهود أخلاقيي العالم من كل الديانات والتوجهات، والعمل على بلورة ميثاق أخلاقي بينهم يُمَكٌّنُ من تكتلهم في وجه حمية الجاهلية وحكمها، قبل أن يفوت الأوان وتدخل جاهلية العصر مرحلة التبرج، حينها ستنقلب كل الموازين، وتصبح قرية العالم عاليها سافلها.

تفاديا لهذا الوضع الخطير يتوجب علينا في العالم الاسلامي ألا نخذل العالم، وأن ننبري لحماية الأخلاق والقيم من هذا الغزو الجاهلي، سيما وأن أهل الدين وأهل الأخلاق والفكر في الغرب قد أصبحوا مكبلين لقوانين تدافع وتحمي الجاهلية بكل مظاهرها. صراعنا اليوم هو صراع قيم، ومعركتنا في عمقها أخلاقية، بلبوس سياسي اقتصادي إعلامي؛ فإما أن نكون أو لا نكون!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.