الدّعاء: فرحةٌ وترياق
بقلم: الأستاذ عبد الهادي المهادي
ينجمعُ المؤمنُ بين يدي ربّه؛ ساجدا أو جاثيا، يجتهدُ صفاءَ قلب، وخُلُوَّ ذهن، وطمأنينة نفْسٍ، متى استطاع إلى ذلك سبيلا؛ رافعا أكفّ البدن والروح، في خضوع عبدٍ وخشوعِ مُحبّ واقفٍ بين يديّ الجليلِ المَـهيب. ينجمعُ ويأتَـلِـفُ يُناجي ويدعو، ويُطيل التّمَرُّغَ في النّجوى والدّعاء، خاصة قُبيل الفجر حيث السكون والهدوء وقلة الازدحام على الباب، لانشغال الخلق أو كسلهم. يُعلّمُ نفسه الانكسار ويقودها إلى الاستسلام؛ خوفا ورجاءً.
يدعو لنفسَه بكلّ ما يرجو مهما كان دنيويّا، ومهما كان بسيطا: شغل، بيت، زواج، صحة، سيارة. ويطلب بحُرقَة لأقاربه: الأجداد، والإخوة، والزوجة، والأبناء، والأحفاد وإن لم يكن قد غدا أبا أو جَـدّا بعد. ويُفردُ الوالدين بحظّ وافر.
سيتذكّر في غمرة الأجواء التي بدأت تصفو أمامه رويدا عَـمًّا لاطفَه، وخالةَ حَـدَبَتْ عليه، وابنةَ أخ تشكو مرضا أو تطلب نجاحا. ستهجمُ عليه ذكرى جميلة لزوجة عمّ أطعمته ـ ذات يوم ـ من جوع أو آمنته من خوف فيبعث لها بأجرٍ مرغوب وإن تأخّر.
ستنبثقُ أمامه صورةُ جارٍ ضاحَكه، جارةٍ أسقته ماء، بقّالٍ أهداه حلوى أو اختطفها في غفلة منه، صديقِ طفولة غادر في غرق أو حادثة سير، أستاذٍ علّمه وربّاه، تاجرٍ يُقرضه، زميلِ عملٍ ظلمه. سينبثق قُدّامه ـ دون استئذان ـ إمامُ مسجد، مؤذنٌ، شيخٌ مُعلّق قبله بالصّف الأوّل، رجلٌ يهتمّ بترتيب الأحذية في الرّفوف.
وسيدقُ بابَه شابٌّ من الحيّ عاطل، وآخر مُبْتَلا بالمخدرات، وثالثٌ مُغرّبٌ دون فائدة.
سيزوره سياسيٌّ فاضل، وفنّان أصيل، وحقوقي شهم، ولاعبٌ بارعُ الأخلاق والحِرفَة.
حينئذ، سيحسّ المؤمن أن قلبَه يتّسع وينبسط ويتنقّى، حتى يجد نفسه ـ في أريحيّة الأنبياء ـ يتسامح ويتسامح ويستهتر في التّسامح. وسيكتشف لحْـظـتَـئِـذٍ أن الخلق ـ يا لهفي ! ـ مساكين، دراويش، و”سينزِفُ” دمعا لأجلهم؛ رحمةً ومعذرةً.
ذِكرُ أسماءِ الناس وحاجاتِهم بين يدي الله تعالى كَـرَمٌ وسُمُـوُّ نفسٍ ونقاءُ معدنٍ وفتلٌّ لحبال المحبّة والوُدّ.
تَـذَكُّـرُ الخلق بين يدي الحقّ ترياقٌ مُداوٍ للأعرابية والأنانية، وما شئت من الذهنيات والنفسيات… الدّعاء للناس تربية.
تذكّرونا في صَفْو الليل واذْكُـرونا.