تقديم لكتاب: «النزعة الفلسفية في الفكر النقدي والبلاغي العربي القديم رؤية معرفية» للدكتور علي صديقي
ذ. محمد أيت حمو
نشرت المقالة بمجلة ذخائر العدد السابع
1- المؤلَّف:
البيانات الببليوغرافية للكتاب:
- العنوان: النزعة الفلسفية في الفكر النقدي والبلاغي العربي القديم رؤية معرفية.
- عدد الصفحات: 126.
- المطبعة: عالم الكتب الحديث، الأردن.
- تاريخ الصدور: الطبعة الأولى
المؤلِّف:
علي صديقي، من مواليد 1978 بإقليم الناظور، حاصل شهادة الدكتوراه من كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الأول وجدة سنة 2010 في موضوع” إشكالية التحيز في النقد الأدبي العربي المعاصر، ويعمل حاليا أستاذا بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور جامعة محمد الأول. وأستاذا باحثا بمختبر المجتمع والخطاب وتكامل المعارف بنفس الكلية، ومنسق ماستر “الفكر النقدي العربي: الأصول والمرجعيات”، وعمل كذلك أستاذا زائرا بكلية الآداب بمارتيل جامعة عبد المالك السعدي.
صدر له عن دار كنوز للمعرفة عام 2016 كتاب “إشكالية التحيز في النقد العربي المعاصر”، وهو في الأصل أطروحة نال بها درجة الدكتوراه، ونشرت له عالم الكتب الحديث بالأردن كتابا تحت عنوان “النزعة الفلسفية في الفكر النقدي والبلاغي العربي القديم رؤية معرفية”.
شارك الباحث أيضا في مجموعة من الندوات العلمية، ونشر عددا من المقالات العلمية في مجلات علمية محكمة.
تقديم الكتاب:
يشتمل الكتاب على ثلاثة مقالات تعالج موضوعات تشكل وحدة عضوية ولبنة من لبنات مشروع الباحث، ويسعى من خلالها إلى مقاصد وغايات محددة تشكل في النهاية كلا لا يتجزأ.
هذه المقالات تروم إعادة النظر في العلاقة بين الفكر النقدي البلاغي والفلسفة والمنطق، وهي علاقة قيل في حقها: إنها تركت أثرا سلبيا، وأصبحت حينها بلاغة عربية جافة وعقيمة ومتحجرة. لكن الباحث يرى أن هذه الأحكام تفتقر إلى نظرة شمولية، حيث سار الدرس البلاغي العربي في اتجاه (النهج الصناعي) الذي يهتم بالكليات، ولم يكن المنهج الذي سلكه البلاغيون ذوو الاتجاه الفلسفي المنطقي الكلامي هو البحث في “الحسن القولي” بحثا ذوقيا فنيا.
أمام هذا التباين في الآراء والأحكام، تأتي أهمية تخصيص هذا الكتاب بالقراءة قصد إطلاع القارئ على موضوعاته وإشكالاته التي تميزه في هذا الموضوع.
محتويات الكتاب:
تحمل المقالة الأولى عنوان: “النزعة الفلسفية في الفكر البلاغي العربي من خلال مقدمات علم البلاغة”. تطرق فيها الباحث إلى مفهوم مقدمات علم البلاغة ومصادرها، وتوصل إلى أن “المصدر الأصولي[1] لفكرة المقدمات عند البلاغيين هو الأقوى والأوضح”[2]؛ لأن فكرة المقدمات لم تكن أصيلة في المصنفات البلاغية العربية المتقدمة.
بعد هذا الاستنتاج، انتقل المؤلف إلى البحث في هذه المقدمات (مقدمات علم البلاغة) عن تجليات النزوع الفلسفي فيها، وقد ظهر ذلك من خلال القضايا التي عالجتها تلك المقدمات؛ كقضية أقسام العلم، وهي من أهم القضايا التي ترد في مقدمات علم البلاغة، وقد استوحاها البلاغيون من التصور الفلسفي والكلامي. أما قضية الدلالة، فإن المؤلفات البلاغية لم تخرج عمّا أورده الغزالي وغيره من الأصوليين في هذه المسألة. القضية الثالثة هي التي تتناول مراتب الأشياء في الوجود، وقد اختلف البلاغيون في عددها ومراتبها، ومرد هذا الاختلاف إلى تنوع قراءاتهم للتراث الأرسطي الفلسفي، وقد انعكس هذا التباين أيضا على مستوى أسلوب الكتابة الذي يتسم بالتعقيد والجدل والحجاج، وما صاحبه من التفريعات والتقسيمات، ويتميز أيضا بالاتساق والبعد عن الاستطراد الذي طبع أسلوب المتقدمين، وظهر كذلك على مستوى المصطلح المستعمل، حيث وظف البلاغيون المتأخرون المصطلحات الفلسفية الأصولية إلى جانب المصطلحات البلاغية الأدبية، ثم اهتدوا بعد التوظيف إلى التعريف بها وتحديدها، ثم ضبط حدودها سيرا على نهج الأصوليين.
وارتباطا بالموضوع السابق تأتي المقالة الثانية بعنوان “الأسس الفلسفية لمنهج البحث البلاغي عند المتأخرين: منهج ترتيب المادة البلاغية نموذجا”. بعد تحديد بعض المفاهيم الأساس؛ كالتقديم والتأخير، ومفهوم منهج البحث البلاغي والأسس الفلسفية، تناول الباحث بوضوح منهج البلاغيين المتأخرين في تجنيس المادة البلاغية وترتيبها؛ أي منهجهم في ترتيب مقاصد البلاغة دون المقدمات واللواحق، وهذا الترتيب استقاه البلاغيون من أصول فلسفية. ولم يكن همّ الباحث النظر في المنهج العام للتأليف البلاغي عند المتأخرين، بل اقتصر نظره على منهج خاص يعنى بالأساليب التي اتبعها أولئك البلاغيون في تجنيس مباحث البلاغة وترتيبها عند المتأخرين. وقد حصر المؤلف الأسس الفلسفية المعتمدة في ثلاثة أمور، وهي: أسبقية المفرد على المؤلف، واستثمار منطق المقولات الأرسطي، ثم القسمة المنطقية، ومثّلَ لكل أساس بمجموعة من المؤلفات البلاغية المتأخرة التي ظهرت فيها تلك الأسس بشكل بارز.
وردت المقالة الأخيرة موسومة بـ”فلسفة الأخلاق الأرسطية في الفكر النقدي والبلاغي العربي القديم”. وكان الهدف من هذا البحث هو تجاوز النظرة الضيقة التي تحكمت في تصور بعض الدارسين المحدثين لمفهوم الأخلاق، حيث أخرجوه من الإطار الديني، فأغلب “الباحثين انشغلوا عن البحث في الأثر الأخلاقي الأرسطي في التفكير النقدي العربي القديم. ومن مظاهر هذا الانشغال، تركيزهم على الأثر المنطقي وإغفالهم الأثر الأخلاقي، وإهمال واضعي معاجم المصطلحات النقدية والبلاغية العربية كثيرا من المصطلحات ذات الأصول الأخلاقية”[3]. وعليه، فإن الباحث حاول تصويب بعض الأحكام غير الدقيقة حول قضية الحضور الأخلاقي اليوناني في الفكر البلاغي العربي؛ فقسم متن هذه المقالة إلى مبحثين: الأول نظري، اكتفى فيه باستعراض العناصر التي ستمكنه من الوقوف على طبيعة الأثر الذي تركته فلسفة الأخلاق الأرسطية في التراث النقدي العربي، وذلك من خلال توضيحه لمعنى الأخلاق عند أرسطو، والأخلاق الأرسطية في الفلسفة الإسلامية. أما المبحث الثاني فهو ذو طبيعة تطبيقية؛ بين فيه الباحث أهم مظاهر هذا التأثر في التراث البلاغي العربي القديم. وبعد مناقشته لأحكام بعض الدارسين[4] في هذه المسألة، انتقل إلى الحديث عن تجليات الفكر الأخلاقي الأرسطي في مصنفات النقاد والبلاغيين العرب، وهي على الترتيب؛ كتاب نقد الشعر لقدامة بن جعفر، وكتابا المثل السائر، وكفاية الطالب لابن الأثير، ثم كتاب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني.
هدف الكتاب:
يهدف هذا الكتاب إلى الكشف عن مرجعيات الفكر النقدي والبلاغي العربي القديم، والمتمثلة في حضور التراث الفلسفي، اليوناني والإسلامي، وبيان مظاهر هذا التأثر وتجلياته، إنْ على مستوى المنهج والمادة أو الفكرة والأسلوب والوسائل الحجاجية. كما يروم أيضا التنبيه على أن الأحكام الصادرة في هذا الموضوع لا زالت في أمس الحاجة إلى الدراسة وإعادة النظر فيها.
مزايا الكتاب:
يتميز هذا الكتاب بمجموعة من المميزات، أبرزها ما يلي:
- تسليط الضوء على جانب مهم من جوانب النقد العربي الذي ظل مركونا إلى دراسات اعتبرت البلاغة والنقد عند بعض المتأخرين درسا جامدا، وهو ما يحتاج إلى التدقيق في هذه الأحكام بعد الدراسة والتمحيص، فكان هذا البحث محركا لذاك الركود الحكمي.
- فتح آفاق بحثية ومجالات معرفية للباحثين عبر ما تثيره هذه الأحكام من إشكالات وملحوظات على مستوى المنهج والأسلوب والقضايا.
- بَلْوَرَة العديد من المقترحات اللازمة، التي تُسهم بدورها في رَسْم ملامح أفق تطوير واقع البحث في الدراسات النقدية والبلاغية، وبخاصة الأصول والمرجعيات الفكرية والفلسفية.
- فتح الباب أمام عمل دراسات تقويمية أكثر توسعًا وعمقًا في المنجز البلاغي والنقدي الحديث والمعاصر حول المؤلفات البلاغية المتأخرة عبر ما تُثيره هذه القراءات من إشكالات وملحوظات.
- إثراء حركة النقد المنهجي في الساحات العلمية وتنميتها في الفضاء البحثي بصورة عامة؛ لأهميتها وضرورتها في النهوض بالواقع البحثي والارتقاء به.
وفي الختام، يعتبر ما أثاره الباحث في كتابه من إشكالات وقضايا مجهودا علميا بناء؛ حيث يفتح آفاقا رحبة للبحث في هذا المشروع الفكري النقدي.
[1] – (علم الكلام وأصول الفقه).
[2] – صدّيقي، علي. النزعة الفلسفية في الفكر النقدي والبلاغي العربي القديم رؤية معرفية. عالم الكتب الحديث، الأردن، 2020، ص 19.
[3] – النزعة الفلسفية في الفكر النقدي والبلاغي العربي القديم رؤية معرفية، م س، ص 80، 81.
[4] – ناقش الأحكام التي أوردها إبراهيم سلامة في كتابه (بلاغة أرسطو بين العرب واليونان)، وجابر عصفور من خلال كتابه (مفهوم الشعر، دراسة في التراث النقدي).