منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مباحات رمضان بين لصوص الأوقات وتتبع المَاجَرَيات

مباحات رمضان بين لصوص الأوقات وتتبع المَاجَرَيات/حسن القرشي

0

مباحات رمضان بين لصوص الأوقات وتتبع المَاجَرَيات

بقلم: حسن القرشي

رمضان منة ومنحة إلهية وهدية ربانية لسائر الخلق، تتنزل فيه الرحمات وتتعطّر له كل أفلاك الأرض والسماء، فينعم ببركتها كل خلق الله، فأما من جدد نيته وجاهد واقتصد فحقيق على الله ووعد منه سبحانه أن يغفر له ويرفع مقامه، وأما من جحده وقصّر فيه فيكفيه دعاء سيد الخلق ونبي الرحمة عليه السلام وتأمين أمين الوحي جبريل عليه السلام: ” مَن أدرَك رمضانَ فلم يُغفَرْ له فأبعَده اللهُ، قُلْتُ: آمينَ”[1]، فإن تساويا في المظهر فشتان شتان تفاوتهما في الرفعة والمخبر.

فالكيس من اغتنم أنفاسه تقربا إلى الله، وتترس بدراع الافتقار إليه سبحانه من مكائد شياطين الجن والإنس، فسهامها لا تهدأ ولا تفتر، دائمة الترقب كلما بدا لها مقتل نفذت منه وإليه، فمن إلهاء عن الفرائض إلى تسويف في اجتناب الصغائر، ومن ترك السنن إلى استمراء للمكروهات، ومن انشغال بالمفضول عن الفاضل إلى تقديم المندوب عن المفروض.

لا تَجْعلنْ رمضان شهرَ فكاهةٍ        يلهيك فيه من القبيح فنونُه

واعـلم بـأنّك لا تنالُ قبولَه   حـتَّى تـكـونَ تـصـومـه وتصونُه

فإذا أيس الشيطان من كل ما سبق طرق باب الانشغال فيما يلهي ولا يغني، وهي ما سماها علماؤنا  بالماجَرَيَات، و” يراد به الأمور التي يسأل عنها بما جري[2]، والتي عنى بها قوله تعالى” ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم” ( سورة لقمان  الآية 6)، “{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ} هو محروم مخذول {يَشْتَرِي} أي: يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء. {لَهْوَ الْحَدِيثِ} أي: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو، وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر، والفسوق، والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة، ونميمة، وكذب، وشتم، وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا.”[3]

فإن كانت الماجريات في زمن من سبقنا مقتصرة على ما  ذكر ابن الجوزي رحمه الله في” من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر إلى الناس، وكم تمر به من آفة ومنكر، ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج؛ ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحوادث من السلاطين والغلاء والرخص إلى غير ذلك”[4]، غير أنها في زماننا أضافت إلى ما سبق أبوابا ملفوفة بصبغة شرعيةٍ الإصلاحُ مقصدُها، ومنها:

  • المجالس المرتجلة والمطولة بغير جدول أعمال، والزيارات المفاجئة غير القاصدة.
  • الإدمان والتصفح غير المبرمج زمانا ومكانا لشبكات التواصل الاجتماعية.
  • الانغماس المفرط بالأحداث السياسية والفكرية والرياضية.
  • الجدال والحجاج المباشر أو عبر الوسائط، والاسترسال في التعاليق على الخبر، والرد عليها.
  • التوسع في الاسترواح قبل وبعد العبادات.

تلكم إخواني بعض الماجريات المعتادة والتي أصلها الإباحة، لكن الاستغراق فيها في أزمنة الخير مشغلة عن القصد منتقصة للأجر، وهي على لسان ابن القيم ” تمحق البركة..فإنه يضيع الوقت في الماجريات ويفسد القلب، وكل آفة تدخل على العبد فسببها ضياع الوقت وفساد القلب وتعود بضياع حظه من الله ونقصان درجته ومنزلته عنده”[5].

إخواني ليس الشأن في بلوغ رمضان، وإن كان بلوغه منحة إلهية إن تجددت النية، وإنما الشأن اغتنام أنفاسه إقبالا على الله وطَرقا لكل أبواب الطاعات، ولنا في هديه عليه السلام إسوة حسنة، فهي أعلى درجات الكمال وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس ولا يزيغُ عنها إلا هالِكٌ.


 [1]   المعجم الكبير،  سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم  الموصل، ط 2، 1404ه 1983م، باب العين، أحاديث عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف

[2] معجم متن اللغة، أحمد رضا، دار مكتبة الحياة بيروت، جـ 1 1377 هـ 1958 م، مادة ج ز أ

[3] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق،  مؤسسة الرسالة، ط 1، 1420هـ 2000 م، ج1 ص646

[4] صيد الخاطر، ابن الجوزي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية بيروت ط 1، 1412ه  1992م، ص 75

[5] رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه، أبو بكر عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي، مكتبة الملك فهد الوطنية  الرياض، ط 1 ، 1420ه، تحقيق عبدالله بن محمد المديفر، ج1 ص5

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.