محرم شهر الله الحرام
بقلم: لطيفة عدار
محرم من الأشهر الحرم التي ورد ذكرها في كتاب الله قال تعالى: {{إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}}
أربعة أشهر حرم كانوا في الجاهلية يعظمونهن، ويحرِّمون القتال فيهن, حتى لو لقي الرجل فيهن قاتل أبيه لم يؤذه، وهي: رجب و ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم.
عن أبي بكرة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنًى في أوسط أيام التشريق فقال : {{يا أيها الناس, إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر بين جمادى وشعبان}} متفق عليه.
وظلم النفس يكون بٱرتكاب ما نهى الله عنه ، و يكبر الذنب بعظم المكان والزمان الذي ٱرتكب فيه : {{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}}
وروى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن، قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم، وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه، و أخرج النسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه_ قال:” سألت النبي صلى الله عليه وسلم_: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل؟ فقال: “خير الليل جوفه، وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم}}
سماه النبي ﷺ شهر الله تعظيماً له قال ابن رجب: “وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله . وقال الحسن البصري: {{أفضل الأشهر الحرم هو شهر الله المحرم}}.
وفي الصحيحين عن بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم صلى الله عليه وسلم : {{ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، و أغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم_: {{فنحن أحق وأولى بموسى منكم}} فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه}}، متفق عليه،
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: {{من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار}} متفق عليه
يستحب الإكثار فيه من الصيام لقول رسول الله ﷺ : {{أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم}}. وكان صيامه مفروضاً قبل أن يفرض صيام رمضان ، ثم صار مستحبا لقوله ﷺ : {{فمن أحب منكم أن يصوم فليصم ومن أحب أن يفطر فليفطر
عاشوراء هو اليوم العاشر في المحرم ، كانت العرب في الجاهلية تعظمه وكذلك اليهود ولكن التسمية عاشوراء لم تكن تُعرف في الجاهلية، و لأجل مخالفة اليهود أمر رسول الله ﷺ بصيام التاسع والعاشر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده}} ، أخرجه أحمد وابن خزيمة.
وفي فضل صيامه قال ﷺ: {{أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله}}. و هذا من عظيم فضل الله تعالى على أمة سيدنا محمد أن أكرمها سبحانه بفرص و مناسبات كثيرة منها العشر الأولى من ذي الحجة ، و العشر الأواخر من رمضان و عاشوراء و يوم عرفة ، وغيرها كثير ، وهي فرص يحسن بالمسلمة و المسلم أن يغتنمها في التقرب إلى الله تعالى و ٱستمطارحمته و مغفرته . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا}}
العاشر من محرم يوم من أيام الله التي تحيى القلوب بتذكرها و ٱستلهام الدروس و العظات منها ، يقول سبحانه : {{وذكرهم بأيام الله}} ، فهذا اليوم شهد ٱندحار واحد من أعتى طواغيت البشر، هزمه الله شر هزيمة و أغرقه هو و جنوده ، و أبقى سبحانه على بدنه ليكون عبرة و ٱية لكل من تسول له نفسه أن يستكبر في الأرض بغير الحق:“فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك ٱية”
عندما رأى أتباع موسى فرعون و جيشه مقبلا نحوهم خافوا و قالوا : {{إنا لمدركون}} !!! فقال عليه السلام بثقة المؤمن الواثق من نصر الله : {{كلا إن معي ربي سيهدين}} فكانت النتيجة معجزة أكرم الله بها عبده موسى و من معه عندما مهد لهم طريقا ٱمنا وسط البحر و الأمواج العاتية . و عاد البحر إلى وضعه الطبيعي ليغرق في أحشائه فرعون الذي تأله و تجبر ، و هو درس عظيم نتعلم منه حسن الظن بالله و اليقين في نصره سبحانه لعباده المؤمنين مهما طال ليل الظلم و التجبر : عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يمهله}} قال : ثم قرأ : و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد}} متفق عليه *
و لا يسعنا في هذه الذكرى العطرة إلا أن نقبل على الله سبحانه بالدعاء أن ينصر عباده المؤمنين المجاهدين في كل مكان ، و ينجز وعده سبحانه للأمة بالنصر و التمكين كما نصر موسى و من معه ، و أن يهلك طواغيت هذا الزمان المتسلطين على رقاب المسلمين كما أهلك فرعون و من معه.