منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الحرية شرط أساسي وجوهري لكل كتابة؛ حوار مع الأديب والروائي محمد عناني

الحرية شرط أساسي وجوهري لكل كتابة؛ حوار مع الأديب والروائي محمد عناني /حاوره الأستاذ محمد فاضيلي

0

الحرية شرط أساسي وجوهري لكل كتابة

حوار مع الأديب والروائي محمد عناني

حاوره الأستاذ محمد فاضيلي

كاتب وأديب وروائي متميز متألق، استطاع برهافة حسه، وسمو ذوقه، ورقة مشاعره، وجميل عباراته، وطول نفَسه، وبليغ أسلوبه…أن يبدع خمس إشراقات روائية، تغري القارئ بالولوج والاقتحام، وتوحي له بالسفر والإبحار على متن قارب المتعة  والرقي والنجاة مع شخصياتها الآسرة، التي تخوض بحر الرواية الصاخب ولا تعود إليه أبدا، وأحداثها المشوقة التي تشد اللباب، وتنصر الغلاب، وبيانها الرفيع الذي يبهر القارئ، و يمتع السميع..

من فوق” الهضبة” المطلة على الجهة الشمالية الغربية للمدينة القروية المهمشة، يستعيد الذكريات الأليمة التي سببها قدر الإنسان الذي لا يرحم..

وعلى الشاطئ يقف ليكتب رواية عن الوطن المسلوب وسط الراغبين في الهجرة السرية، وهم يحرقون المركب الذي سينقلهم إلى جنة الشمال، لكن” الشمس لن ترحل” ليعود الراوي المثقف إلى الصفوف الأمامية مناضلا من أجل الغد الأفضل..

وهو في طريقه إلى القرية/ مسقط الرأس بعد رحلة دراسة طويلة، يقف أمام “كرمة الصبار” وكله شوق وحنين إلى الجد الصوفي بطل الحب والحرب، الباحث عن الحقيقة/ السر/ سر الوجود في الوجود..

ثم يروي عشقه حتى الثمالة للحرية/ حرية الفكر، والحياة الكريمة، في “حب بحجم الألم” و”فوق الصفر بقليل”…

يسرنا في موقع منار الإسلام أن نستضيف الأديب المغربي الفنان المبدع، الأستاذ محمد عناني للحوار حول تجربته الأدبية الفريدة وواقع وقضايا الادب عموما..

1 أستاذ محمد عناني، أهلا وسهلا بكم ضيفا عزيزا على موقع منار الإسلام، هلا قدمتم لرواد الموقع في البداية تعريفا عن شخصكم الكريم وعن أهم المحطات في حياتكم الشخصية.

السلام عليكم.  شكراً لموقع منار الإسلام على هذه الاِستضافة الكريمة.

من مواليد آواخر خمسينيات القرن الماضي. فتحت عيني على اِمتداد البادية وشساعتها. ثم اِنتقلت مع أسرتي إلى ( ابن أحمد) وقد كانت مدينة صغيرة ورائعة الجمال. فضاء الله الرحب. الهضاب العليا للشاوية. الأشجار.. حنان الأم.. كل هذا صقل أسلوبي في الحياة والكتابة. وتبقى الموهبة هبةً إلهية.

حفظت أحزابا من القرآن الكريم قبل ولوج المدرسة. بعد حصولي على البكالوريا في الآداب العصرية، اِخترت شعبة الفلسفة، واخترت السوسيولوجيا كتخصص. وقد كانت شعبة غنيةً بموادها وأساتذتها.

من حظي أني كلفت بتدريس اللغة العربية بالإعدادي، قبل تدريس الفلسفة..

2- بعد هذا التعريف نرجو ان تحدثونا عن تجربتكم الأدبية، وعن علاقتكم بالأدب عموما والرواية خصوصا.

شدني الأدب منذ صغري.. وهذه نعمة إلهية، هذبت روحي ووجداني. نشرت أول نص لي في عمر 16 سنة بمجلة أقلام التي كانت تصدرها ثانوية ولي العهد. ” رجل هز الدنيا وقلب التاريخ”. تناولت فيه شخصية نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.. ونشرت نصوصا أخرى.

علاقتي بالرواية كتابة ونشراً بدأتها سنة1998 ” الهضبة” ثم الروايات الأخرى.. وآخرها ” كرمة الصبار” 2017.. وهي الأقرب إلى وجداني. وحجمها جاء في 437 ص. دون أن أقرر.. تركت الأمور تمضي على حالها..

الرواية مجال رحب.. ولابد أن تستمد قيمتها الفنية، من أبعادها الكونية و الإنسانية..

تشدني الكتابات الأدبية الشذرية.. الإشراقات.. وحضور الروح الشعرية في الأدب..

3- ما هي أهم الشخصيات والمدارس الأدبية التي أثرت في شخصية الأديب والروائي محمد عناني؟

على روح أحمد بوكماخ الرحمة الواسعة.. لقد حبب الأدب لأجيال وأجيال.. وكما تعرفون، كانت البداية مع جورجي زيدان.. المنفلوطي.. وكان لأسلوب جبران جاذبية لا تقاوم في فترة المراهقة.. ثم نجيب محفوظ.. وكثيرٍ من الأدباء المشارقة. لكن اِكتشاف الأدب الغربي، كان حاسما، بدءا من ” دون كيشوط”

والأدب الألماني والفرنسي.. والروسي بامتياز.. تولستوي ودوستويفسكي بصفة أخص، حتى لأكاد أقول إن رواية   “الإخوة كارامازوف” هي أحسن رواية في تاريخ الرواية..

4- ما أهمية الثالوث: الفلسفة، السياسة، التحرر  في كتابات الأستاذ الأديب محمد عناني؟

الفلسفة هي جزء من الأديب العظيم.. وقد أتيح لى أن أقرأ بإصرار وصبر ” علم ظهور العقل” لهيجل. ” نقد العقل الخالص” ل كانط.. سبينوزا.. هوسرل.. بريجسون.. وبالرغم من اطلاعي على أفلاطون.. سقراط.. أرسطو..

فإني بقيت مشدوداً إلى فلاسفة الطبيعة، ما قبل سقراط، خاصة بارميندس..

السياسة تحضر في أي عمل أدبي بشكل تلقائي.. لكن الاِنطلاق من إيديولوجيا سياسية معينة، في الكتابة، يؤدي إلى الفشل.. وهذا كان حال ما سمي بالأدب الاِشتراكي أو الشيوعي.

لذلك تعتبر الحرية شرطا أساسيا وجوهريا لكل كتابة، حتى غير الأدبية..

والحمد لله أنعمت بتحرري من كل القيود المؤسساتية، وحافظت على مبدإ التسامح واِحترامِ الآخر في فكره وعقيدته..

5- بعد هذا الثالوث المركزي في كتابات الأستاذ محمد عناني، والذي أثمر أربع روايات متتالية، نجده ينحى منحى آخر، ويستدعي دعامة أخرى طورت كتابات أديبنا المبجل ورفعته إلى مستوى الاحترافية والتميز: التصوف، في رواية كرمة الصبار التي صدرت سنة 2017 . حدثنا أستاذ محمد عن هذه التجربة.

رواية ” كرمة الصبار” كتبتها في العقد السادس من عمري. روح التصوف التي تسودها إلى جانب معارف أخرى في الفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية وتاريخ منطقة امزاب، في فترة السيبة والاِستعمار.. حضر بتلقائية أكثر من القصد.

وأقول صراحةً إن الرواية بحث فكري.. الموهبة عليها أن تصقل بالجهد والبحث، وإلا ظلت نزوات طائشة. لهذا أقر كانط أن الفن عموما يقتضي الموهبة والجهد..

فشل البعض في الكتابة الروائية، يكون نتيجة لاِقتحام الميدان بدون موهبة.. أو الاِكتفاء  بمحكي الحياة.. قيمة أي عمل أدبي، تأتي من بعده الفكري والإنساني …  قضيت أجمل فترة في الكتابة مع ” كرمة الصبار” لثلاثة أعوام..

كانت فترة سمو عن الواقع.. حكي.. والحمد لله على نعمةِ الخيال. ولا أخفي عنكم، كنت أكتبها وكأني أحدس أنها آخر روايةٍ لي.. والحمد لله أن فسح أمامي مجالاً آخر للكتابة الأدبية..  الشذرات والإشراقات والنصوص الأدبية القصيرة.. وهي عودة إلى الأصل.. إلى البداية..

6- ما هي مشاريع الأستاذ محمد عناني المستقبلية في مجال الكتابة والتأليف؟

ماذا أقول لكم عن مشاريعي المستقبلية!؟.. أنا الآن حالة شعرية خاصة، في مرحلة من العمر.. إن أمد الله في عمري، قد أعيد صقل نصوصي النثرية وأنشرها..    أقرأ وأكتب.. ومراسيها في يد الله..

7 _  ما تقييمكم أستاذي للأدب المغربي عموما والرواية المغربية  خصوصا، وماذا عن الرواية الشبابية؟

عرف الأدب المغربي اِجتهادات مهمة.. الأسماء لا تهم، لأن بعض الأساتذة الأكادميين، اِقتحموا مجال الكتابة، تحت تأثير مدارس نقدية معينة، بينما يقتضي الأمر الإكثار من الاِطلاع على الأعمال الروائية مباشرة. ومنهم من كان يفتقد الموهبة..

الذي تشبع بروايات دوستويفسكي أفضل بكثير من الذي تشبع بقراءة باحثين لأعمال دوستويفسكي..

لكن هناك مواهب وأقلام وازنة، غير معروفة إلا في حدود.

اِسمحوا لي أن أقول لكم إن التقدم  شامل والتخلف شامل..  وطننا يزخر بالمواهب الأدبية.. لكن يجب اِكتشافها منذ الصغر، والأخذ بيدها. وهذا شيء منعدم.. وطال حتى اللعبة الشعبية ( كرة القدم).. الوساطة تقتل.. وهذه مأساة..

8- هل يؤمن الأستاذ محمد عناني برسالية الأدب؟، وكيف نجعل من الأدب رساليا يساهم في التغيير وبناء الحضارة وغرس القيم النبيلة في المجتمع؟

الأدب تواصل عظيم بين بني البشر بالدرجة الأولى. وحتى من ينكر الرسالة، يمرر رسالة.. يحلم الأديب دائما بوطن أجمل.. بإنسانية أفضل.. لكنه لا يستطيع بناء الإنسانية في عالمٍ يقوده رجال الأعمال.. أما القيم النبيلة التي تحدثتم عنها فهي غاية كل فن أصيل.. قد يبكي الشاعر وينوح مثلا على خراب مدينة أو وطن.. أو الإنسانية برمتها.. لكن ماذا بإمكانه أن يفعل!   ومع ذلك للأدب أهداف وجدانية.. ومثل هذه الأهداف قد تتحقق على المستوى البعيد..

9- كيف يستحضر الأديب الأستاذ محمد المتلقي في مكتوباته على مستوى الموضوع والسرد والبناء الروائي عموما؟

لا بد من استحضار القارئ.. صحيح أنه تفاجئني لحظات وجودية صعبة.. قلق بسبب غياب من راحوا إلى ربهم.. قلق من تناهينا في الزمن.. ألجأ إلى الكتابة كمخدر يطير بي عن عفن الواقع المريض.. لكنني أعرف أن قراءً سيطلعون على ما أكتب.. أستحضرهم وأحترمهم وأحبهم.. كما لا يزول الشر، لا يزول الخير.. وقدر الأدب منذ نشأته، أن ينحصر في نخبة من الكتاب ومن القراء.. إذ ” ليس لأي كان أن يطرق بابنا”

10– حدثنا أستاذ عن حضوركم في العالم الرقمي، وهل استطاع هذا الأخير تعويض الأدب الورقي في ظل العزوف الملحوظ عن القراءة؟

هناك أدب وكفى رقميا أو ورقيا.. لكن لا شيء يعوض الكتاب.. فتاريخه عريق جدا. مشكلة وسائل التواصل الرقمية، أنها شغلت وستشغل الجيل الحالي والأجيال الآتية، عن الكتاب. وهذه نكبة من نكبات تقدم التقنية.. ربما يقل أفراد النخبة المبدعة، والنخبة القارئة.

لكن اِطمئنوا؛ سينتهي آخر شاعرٍ على الأرض، عندما ينتهي آخر إنسانٍ على الأرض.. ومن طبيعة الإنسان الحكي. لكن لا أعتقد أن الإنسانية يمكن أن تجود علينا بروايةٍ تتفوق على روايات القرن التاسع عشر.. كما أن التجريب وسقوط المثل الكلاسيكية، جعل الكثيرين يقتحمون عالم الأدب، حتى بدون موهبة..

11- من خلال تجربتكم في التأليف والنشر والتوزيع، هلا صورتم لنا ظروف ومعاناة المؤلفين إزاء تقاعس وزارة الثقافة عن النشر؟

النشر مأساة.. والتوزيع مأساة. بينما كانت تصلنا المؤلفات الشرقية، لم يكن التوزيع عندنا يغطي إلا بعض المدن المغربية.. ولا زال.. إن وقفت أمامَ ناشر، يسألك؛ من أي جهة!!

12  في كل رواياتكم الأستاذ محمد، نلمح حضور مسقط الرأس/ مدينة ابن أحمد..هل للنوسطالجيا دور في رقي الإبداع وجماليته؟

مسقط الرأس.. الأرض هي أمنا بالولادة.. حبها حب للوطن وللإنسان.. هي الذات في تشابكاتها.. ومن الذات ( الغول) كما سماها أحد الروائين الكبار، يستمد الكاتب معطياتها.. فالخيال ليس مَلَكة إنتاج الصور، بل ملكة تحريفها جماليا.. المهم ألا تنحصر الكتابة في ” الأنا”.. وإنما ينفتح الحدث ليأخذ بعداً إنسانيا.. وهذا ما يشدنا إلى دوستويفسكي مثلاً.. ليس أحداث روسيا في تلك الحقبة، وإنما القدرة على الغوص في النفس البشرية.. صراع الفرد مع الآخر.. و الصراع الذي يجري داخله بين الرحماني والشيطاني.

13- في الختام نود منكم كلمة ختامية واختيارا أدبيا من إبداعاتكم.

شكراً لكم على تفاعلكم وانفتاحكم.. سيبقى الأدب دائما تواصلاً عظيماً بين بني الإنسان..

ويسعدني أن أهدي لكم هذا المقطع من رواية الشمس لن ترحل ص 7\8:

إن السؤال – يقول أستاذ التاريخ- طالما عجل بمصائر وأعمار كثيرة قبل الأوان في الزمن الذي خلا ، وهو يفتح أبواب الجحيم في الزمن الآخر ..إلا أن أستاذ التاريخ ذاك بدا وكأنه يخفي حقيقة ما .الطفل حدس ذلك .وحين ألح عليه عند نهاية إحدى الحصص ، صرخ فيه الأستاذ :

– ماذا تريد أن تعرف أيها الشقي ؟

– كل شيء ممكن يا أستاذ .

– مثلا.

– ماذا نفعل هنا ..في هذا العالم يا أستاذ ؟

– كما الناس يفعلون ، أي سؤال أحمق هذا ؟

– نولد ونحيى ونموت .

– نعم ، الأمر كذلك ، وهو بديهي .

– إذن علينا أن نحيا على شكل أفضل

– نعم.

لكن لماذا يبدو الأغراب أحسن حالا منا؟

آنها سيبدأ الأستاذ في الاهتياج:

– لأننا ضيعنا المكتسبات .

– ولماذا حصل ذلك؟

– قصة طويلة ، لا يمكن أن تحيط بتفاصيلها إلا مع مرور الأيام و السنين.

– وماذا يجب أن نفعل كي نستعيد ما ضيعناه ؟

– إن مكتسباتنا القديمة لم تعد تساير ، ومع ذلك فتضييعنا لها أفاد الآخرين وأضر بنا .

– كيف ؟

– إنها مجرد غزو وفتوحات عسكرية ، وتقصير في الليالي ونساء وجواري ، والعالم الآن تغير ، ومجاراة الآخر  أصبحت تحتاج إلى وسائل أخرى …

– لكن ، إذا كان العالم تغير، فكيف نستفيد نحن من رياح التغيير هذه ؟

– نحيا أحرارا ، ونبني حياتنا من جديد ، نجد ونبحث ونسأل حين لا نعرف …

حتى هذا الحد ، انفجر الصبي :

– لكنهم لا يرغبون في ذلك . إن إجاباتهم غامضة وغير مقنعة ..إن عائقا ما ، يا أستاذ  ، يحول بينهم وبين الحياة الحرة والتفكير السليم ..

– من تقصد ؟

– أبي والفقيه وأستاذ العلوم ..وكل الناس الآخرين ، إنهم يقولون : العالم هكذا . والأطفال لا شأن لهم بالسؤال والتفكير . آباؤهم وأولياء أمورهم هم الذين يفكرون لهم ، ويرسمون مستقبل حياتهم على النحو الذي يرونه مناسبا . إلا أنني أشعر أن تفكيرهم عقيم ، وأن ما يرونه مناسبا، هو ليس كذلك، بل هو على العكس من ذلك تماما.

وحاول الأستاذ أن يخفي دمعتين ترقرقتا في عينيه.

– لكن لماذا تبكي يا أستاذ ؟

– لأن مثل هذه الأسئلة لم يحن وقتها على هذه الأرض، أو لأن أمثالك لم يأت زمنهم بعد، لذلك سيتعذبون كثيرا قبل أن يتكلموا، وأغلب الظن أنهم سيموتون على نحو بئيس أو فظيع ..

– وانصرف الأستاذ وصوته الجهوري يتردد في الكولوار الطويل :

– -لكن موتهم ضروري لكي يعيشوا ويعانقوا الحياة الحقيقية، تلك التي كان ينبغي عليها أن تكون، لكنها تعرضت للاغتصاب ! ..

ثم لا تنس :

*إن الكلمة الحرة الأصيلة تحتاج وقتا طويلا جدا لتثمر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.