رجالٌ وليسوا [عيال]
بقلم: الدكتور وائل الزرد من فلسطين
دخلت جامعةً كبرى في مصر عام 2007 فرأيت فيها الطلاب يجلسون مع الطالبات، دون أدنى حرج، يتكلمون ويتمازحون، لا حسيب ولا رقيب، قد رُفع بين الطلاب والطالبات كثير من الحواجز الشرعية، التي تكفل للطرفين حياة الطهر والعفاف، فذهلتُ مما رأيتُ، وكانت هذه ربما هي المرة الوحيدة التي أرى مثل هذا المنظر في حرمٍ جامعي، إذ لم أعهد أن رأيتُ مثله في غزة، وخاصة في الجامعة الإسلامية التي درست فيها، والمهم في الأمر:
دخلتُ على مشرفي في الدكتوراه آنذاك، وبعد أن رحَّب بي وشربت شيئًا من الشاي، بادرتُ فسألت حضرة الدكتور قائلًا: يا دكتور ما هذا الاختلاط الموجود في الجامعة ؟
فقال لي: يا دكتور وائل [دُول عِيال] إشارة إلى أنهم صغار كما هو الدارج في اللهجة المصرية!
قلت: يا دكتور -غفر الله لك- مثل هؤلاء وأصغر عندنا في غزة، حفظوا القرآن، وحملوا السلاح، واقتحموا المستوطنات، وقتلوا المحتلين، وعادوا من معركتهم بالبنادق.
فقال باستغراب: [معقول، مثل من؟ حَدِّثنِي] وكانت عملية اقتحام المجاهد محمد فرحات للمستوطنات لا زالت حديثة العهد، ولا زال صداها يتردد بين جنبات أزقة وشوارع غزة، فقلت له: المجاهد البطل: محمد فرحات، ابن الأم الكريمة: أم نضال -رحم الله الجميع- وشرعت في الكلام قليلًا، وإذا به يوقفني ثم يستأذن قليلًا ويخرج من الغرفة مسرعًا ثم يعود ومعه الطاقم التدريسي، قريبٌ من 12 مدرس ومدرسة، ويقول لي أمامهم: يا دكتور وائل، حدِّثهم عن الشهيد: محمد فرحات.
فشرعتُ أتكلم عن أم نضال وأولادها وبناتها، واحتضان بيتهم للقائد عماد عقل، وأخبرتهم بأن القائد عماد لم يكن ابن الأربعين والخمسين، بل هو لم يتجاوز ال22 من العمر، وكان قد دوَّخ الاحتلال، وهم في حالة من الذهول والدهشة، وكلما توقفتُ قالوا: أكمل أكمل، وكأنهم يسمعون قصص الأولين!
تذكرتُ هذا الكلام اليوم، لأن بعض الغوغائيين يتندرون على إقدام هذا البطل ابن الثالثة عشرة من عمره [محمد عليوات] من مدينة #القدس على إطلاق النار على قوات الاحتلال، مما أسفر عن قتل وجرح عدد من المُحتلين، ثم استُشهد -رحمه الله- واشتغل في هذه الجلبةِ بعضُ الذباب الالكتروني، يرفعون راية الرحمة والطفولة والبراءة، وهم -قاتلهم الله- الذين بصواريخهم المجرمة قتلوا الإنسان في اليمن وغيرها، صواريخ ما عرفت لا الرحمة ولا الرأفة ولا البراءة ولا الطفولة، ثم يجيئون ليسحوا دموع التماسيح حزنًا بكذبٍ على ما يرفع الرأس وينصب القامة!
إنَّ اعتقادَ بعض الأهالي من الآباء والأمهات، بصغر أولادهم وبناتهم، يسحب من هؤلاء الأولاد والبنات الشعور بالمسؤولية، بل وأحيانًا يغريهم بفعل ما لا ينبغي لأنهم في نظر الأهل لا زالوا صغارًا، ولذا على الأهل أن يذكروا أولادهم وبناتهم دومًا، بمن حفر اسمَه في سجِل التاريخ، ويذكروا لهم من القدامى والمعاصرين، من لم يتجاوز الرابعة عشرة من العمر، ومع ذلك تسابق المؤلفون على كتابة سيرهم ومناقبهم -صغارًا وكبارًا-.
فيا أيها الناس أصيخوا بسمعكم لنا: أطفالنا ينشأون كبارًا، ومصلطح [الصبيان والعيال] لا نعترف به، ولا نقره، ولا نرضاه لنا ولغيرنا، فلتربوا أبناءكم لزمن غير زمانكم، وعلموهم أن فلسطين لا زالت محتلة، وأنه لا خير في الحياة ما لم نحرر بلادنا من دنس اليهود المحتلين.