منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

من دروس معجزة الإسراء والمعراج؛اليقين والثبات على الحق طريق الارتقاء

الدكتور أحمد الإدريسي

0

من دروس معجزة الإسراء والمعراج؛

اليقين والثبات على الحق طريق الارتقاء

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

مقدمة:

       الإسراء والمعراج من أكبر المعجزات الحسيّة التي حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أسرى به الله تعالى ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بروحه وجسده معا راكبا على البراق، بصحبة جبريل عليه السلام، وهناك صلى إماما بالأنبياء عليهم السلام. والمعراج هو ما أعقب رحلة الإسراء من الصعود بالنبي محمد إلى السماء، وظل يصعد فيها حتى وصل إلى السماء السابعة، وهناك رُفع إلى سدرة المنتهى وبعدها إلى البيت المعمور.

       فكانت رحلة مباركة طيبة، بدأت بأقدس بقاع الأرض، وانتهت بأعلى طبقات السماء. وكشفت مكانة النبي التي لم يحظَ بها أحد من أهل السماوات والأرض.

       فما هي أهم الدروس المستفادة من سياق هذه المعجزة؟ وكيف نستثمر ذكرى الإسراء والمعراج لنغرس اليقين في القلوب في زمننا، وكيف زرعت الأمل في زمن اليأس؟

أولا: الثبات على الحق درب الصالحين.

       الابتلاء سنة الله في الحياة، وقد بيّن العلماء الحكمة من وجود الابتلاءات، وأنّ المؤمن الصادق، يرى بعين البصيرة من وراء الشدة فرجا، وبعد العسر يُسرا. وقد اشتدت الشدائد برسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لم ييأس، ولم ينس أنَّ الله قادر، وأنه قد جعل لكل شيء قدرا، وأنه سبحانه يأذن بفرجه في الوقت الذي يريد.

       وحثنا الله سبحانه وتعالى على الثبات في أحلك الظروف وأصعب المواقف؛ إذ يقول عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(الأنفال:45)، يقول العلامة السعدي رحمه الله (فاثبتوا: لقتالها، واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة، التي عاقبتُـها العز والنصر). ويقول العلامة الشنقيطي رحمه الله في “أضواء البيان”: (أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة بالثبات عند لقاء العدو، وبذكر الله كثيراً، مشيراً إلى أن ذلك سبب للفلاح. والأمر بالشيء نهي عن ضده، أو مستلزم للنهي عن ضده، كما علم في الأصول، فتدل الآية الكريمة على النهي عن عدم الثبات أمام الكفار).

       والثبات هو دواء الفتن وسبيل النجاح لتجاوز الصعاب والابتلاء، وسنة الله عز وجل ماضية فما علينا إلا الثبات والحذر من الانهزام النفسي من الداخل.

       وإذا تأملنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة العلماء والمصلحين من السلف الصالح، نجدها مليئة بالمواقف الشجاعة وحسن الثبات، ونجد بأنهم كانوا ثلةً قليلة من الصادقين فتح الله بهم الدنيا لأنهم ثبتوا وصبروا وصدقوا، فالثبات يؤدي إلى النصر، ومن لم يثبت فليحمل نفسه على الثبات، ومن الأمثلة على ثبات النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، أنه؛ قام النبي صلى الله عليه وسلم بأمره لوحده. وكان عليه السلام يعرض نفسه بالموقف فقال “ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي”. رواه الإمام الترمذي.

       ومما كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والخور”، فالعجز هو الضعف والهوان وضد العجز هو الثبات، الخور هو الاستسلام والخنوع والرضى بالواقع بعجر وضعف، من غير أن يكون للمؤمن صاحب المبدأ موقف وكلمة.

ثانيا: حادثة الإسراء والمعراج زرعت الأمل في زمن اليأس.

       انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف محزوناً مهموماً، يمشي ولا يشعر بنفسه، حتى استفاق في قرن الثعالب فأخذ يناجي ربه بالدعاء المشهور: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل على غضبك أو ينزل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك”. ثم يعود صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فلم يستطع دخولها إلا تحت جوار المطعم بن عدي وهو رجل مشرك.

        في ظل هذه الظروف الحرجة، والتي يمكن أن تكون سببا لليأس أو التخلي عن الدعوة، في ثنايا هذه الظروف يشاء الله أن يسلي رسوله، ويثبته على الحق، ويمـنّ عليه برحلة تاريخية لم ينل شرفها قبله نبي مرسل ولا ملك مقرب.

       لقد أراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء. قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(الإسراء: 1)، وقال تعالى في سورة النجم التي أشار فيها إلى المعراج: ﴿ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ﴾(النجم:18). انتقل النبي من مكة إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماء، ورأى ما رأى من آيات الله تعالى ومشاهد القدرة والعظمة.

       أراد الله تعالى أن يريه من هذه الآيات الكبرى حتى يقوي قلبه ويصلب عوده، ويزيده أملا ويقينا أن الله معه وناصرٌ دعوته، وحتى تشتد إرادته في مواجهة الكفار والجاحدين، وليستعد لمرحلة قادمة من مراحل الدعوة. كما فعل الله تعالى مع موسى عليه السلام، عندما أراد الله أن يبعث موسى إلى فرعون، أراه من آياته ليُـقوي قلبه، فلا يخاف فرعون ولا يتزلزل أمامه، حينما ناجى الله عز وجل، وقال: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى* قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى* وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى* لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾(طـه:17-22). هذا هو السر، لنريك من آياتنا الكبرى، فإذا علمت أنك تركن إلى ركن ركين، وتتمسك بحبل متين؛ فلا تخاف ولا تحزن، ولكن تزداد يقينا وعزيمة.

      كانت الإسراء والمعراج منحة، جاءت بعد آلام الاضطهاد والتعذيب والحصار، فيأتي الفرج بنداء النبي صلى الله عليه وسلم لرؤية مظاهر قدرة الله تعالى. وهي أيضا دعم نفسي للنبي بعد وفاة زوجته خديجة، وعمه أبو طالب، وتثبيتا له عليه السلام. وكانت من جهة أخرى اختبارًا لصبر المؤمنين وصدقهم في اتباعهم لدعوة الإسلامية، لأنها فوق مستوى العقل البشري.

      لقد أراد الله سبحانه أن يتهيأ صلى الله عليه وسلم لهذه المرحلة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات، بالعدد القليل الذي كان معه، وبالعدة الضئيلة التي كانت لديه، فكان الإسراء والمعراج تهيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء مهم جديد في حياة المسلمين وله أثره في حياتهم المستقبلية، وهو فرض الصلاة، فرض الله الصلاة في السماوات العلى، إيذاناً بأهمية هذه الفريضة في حياة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم، هذه الفريضة التي تجعل المرء على موعد مع ربه أبدا، فيثبت ويزداد يقينا.

      فمعجزة الإسراء والمعراج كانت منحة لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل، لتزرع فيه الأمل من جديد في زمن كاد اليأس يدب في نفوس من آمن معه، وليثبته على الحق الذي بُعث من أجله. وهي بمثابة تربية ربانية رفيعة المستوى لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلّم.

ثالثا: ذكرى الإسراء والمعراج تغرس اليقين والأمل في القلوب في زمننا.

       معجزة الإسراء والمعراج فاقت ما كان لكل الانبياء والمرسلين، فقد أراد الله سبحانه وتعالى ان يسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى فأسرى به، ورأى عليه السلام من آيات ربه ما رأى، فما زاغ البصر وما طغى فالسموات والأرض كانتا أثناء رحلته تحت إمرته بقدرة ربه وعزته وجلاله.

       من خلال هذه المعجزة نسعى بالحكمة والموعظة الحسنة لغرس اليقين في القلوب بعد أن كثُـر المشككون في زماننا، ونؤكد على الثبات على الحق حين يتخلف الناس، وحين يجتهد أعداء الدين لزرع اليأس في صفوف المسلمين، فقد كانت كما قلنا بدرة أمل للنبي صلى الله عليه وسلم، وستبقى دفقة أمل في زمن اليأس. فرحلة الإسراء والمعراج دعوة للعروج إلى الله بأرواحنا وقلوبنا ودعوة للخروج من الشك إلى اليقين ومن الفرقة والخلاف إلى الوحدة والائتلاف. إننا في هذا الزمان؛

– بحاجة إلى فقه هذا الحدث العظيم، لنبث الأمل في الأمة، ونذكرها بمعنى الإسلام وسموه وارتقائه بارتقاء صاحب الإسراء والمعراج، ولتسير على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

– بحاجة إلى إعادة الصلة مع الله تعالى؛ من خلال هذا الحدث العظيم، لعل الله تعالى يكشف عن الأمة الهم والغم، ويعود الأمل للمسلمين. ويتذكروا التكريم الذي منحهم الله وما خصهم به من نعم وفضائل لم تكن عند الأمم السالفة.

– بحاجة إلى تعلّـم اليقين، فعن خالد بن معدان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَلَّمُوا الْيَقِينَ كَمَا تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ حَتَّى تَعْرِفُوهُ فَإِنِّي أَتَعَلَّمُهُ).

بحاجة إلى الدعاء: فشهر رجب هو شهر الصلاة والتضرع والدعاء، ونحن موقنون بالإجابة، فهو سبحانه يسمع ويرى، ويجيب دعاء المضطر المفتقر إليه، قال تعالى: “أمن يجيب المضطر إذا دعاه”. وهو القائل سبحانه: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله”.

خــاتمة:

       وختاما نقول: لقد كانت هذه الرحلة الميمونة نتاجا عن ثبات من النبي صلى الله عليه وسلم وصبره مما لاقاه أثناء رحلته إلى الطائف حين توجه إلى ربه قائلا: “إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي”، فكانت رحلة تكريم له على صبره على البلاء والمحن والأذى، وحين ردوا دعوته وسلطوا عليه الصبيان السفهاء، حتى خرج من مدينة الطائف وهو يقول بثبات ويقين: “اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”.

– كانت الإسراء والمعراج منحة، جاءت بعد آلام الاضطهاد والتعذيب والحصار، يأتي الفرج بنداء النبي صلى الله عليه وسلم لرؤية مظاهر قدرة الله تعالى.

– كانت بمثابة تربية ربانية رفيعة المستوى لنبينا صلى الله عليه وسلّم.

– كانت تكريما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسلية له عليه السلام عما أصابه من قومه في مكة وفي الطائف. وحتى يعود الأمل إلى القلوب من جديد علينا بالآتي:

1- الإيمان واليقين بقدرة الله، وانتظار فرجه فانتظار الفرج عبادة، مع العمل والأخذ بالأسباب.

2- الهُرُوع إلى الصلاة والسكن إلى المولى عز وجل.

3- الدعاء واللجوء إليه واليقين بالاستجابة. ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ [النمل: 62].

4- التركيز على الإيجابيات، لا على السلبيات من المحن.

5- القراءة في سِيَر التاريخ، والنظر في نهاية الابتلاءات، لنستفيد ونأخذ الدروس والعبر.

6- صُحبة أهل الأمل والتفاؤل.

7- توثيق الصلة بالله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.