منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

العلم أساس العمران (2)

ذة. نادية بلغازي

0

العلم أساس العمران (2)
ذة. نادية بلغازي
باحثة في قضايا الفكر والمرأة

العلم أساس العمران (1) 

توصيف الواقع:

بعيدا عن نظرة التيئيس، ويقينا أن خير هذه الأمة لا ينقطع، فإن توصيف حالها حاضرا بمنظار النبوة يجعلنا نجزم أنها تصدق فيها نبوءة المصطفي المختار صلى الله عليه وسلم الذي روى عنه ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهْن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حبّ الدّنيا وكراهية الموت” (سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد).

وهن وضعف على مستويات عدة، وافتقاد للكثير من مقومات الفاعلية وأبعاد التكليف، وضعف في التّبصّر بحركة التّاريخ في تداول العمران، وتباطؤ عن مستوى الفاعلية والتّأثير، وتراجع عام عن حمل مسؤولية الأمة التّاريخية في الشّهادة والقيادة، مع انتكاسة العلوم والبحث العلمي والابتكار في أوطاننا، وكأننا بالاستبداد لا يتوافق مع انتشار العلوم وتقدمها وما يرافق ذلك من بث للوعي، وارتفاع سقف المطالب الشعبية.

حتمية العناية بالعلم:

ولما كانت إمكانية النهوض يقينا نستشرفه، فإن من مؤسساته حتما العناية بالعلم طلبا وبذلا، إذ لا مجد يرجى لأمة تكالبت عليها الأمم، إن لم تشجع الحركة العلمية فيها، وتفعل مختبرات البحث العلمي، وتولي العناية للتربية بمفهومها الشامل التي لا تقف عند تزكية الروح بل تتجاوزها لتنور العقل بالعلم النافع للفرد في ارتقائه الفردي وللأمة في سيرورتها التاريخية، لا انبعاث لأمتنا إن لم تسمع صوتها في عالم تحضّر ماديا في غفلة عن الرّوح والقيم، إلى مرقى القيادة ينبغي أن تتشوّف أمّتنا، ولا صوت سيسمع لها ويستجاب إلاّ إذا رسمت بقوّة السّاعد المنتج كينونتها وانتزعت حقوقها، وجمّلت بأصالتها المستمدة من عقيدتها الواقع، واسترجعت عزتها، وأثّلت لمجدها، وأثّرت بعمق روحانيتها على مجرى التّاريخ، وصارت مأوى الفارّين من تسلّط العالم المادّي البارد الغُلف من القيم.

ولعل من مداخل تحقيق هذا المطلب النفيس العناية بالتّعليم، والتجديد في مناهجه.

العناية بالتّعليم، والتجديد في مناهجه حتم لازم:

إن العناية بالتعليم، والتجديد في مناهجه، وإصلاح مناهج التّربية أساس لإعداد أجيال قوية، مقتنعة بالتغيير وضرورة بعث الأمة من ركام التخلف والتبعية، جديرة بحمل لواء الاسلام والنّهوض من جديد، مع القضاء على الأمية وتعميم التّعليم للاستفادة من كل طاقات الأمّة الراكدة، ورصد الميزانيات الحقيقية للبحث العلمي وللتعليم، وجعله في كنف الشعب بأن يدخل في رعاينهم الصالحة، وعنايتهم المحتضنة بذلا ورعاية وتطوعا، وإعادة صياغة العقل المسلم لينشط في مجالات الابتكار والإبداع، محصّنا بالقيم، من تدفّقات الحضارة المادّية، مستفيدا من إنتاجاتها بما يتلاءم مع خصوصية أمتنا وهويتها، وبما يسهم في تحقيق المشروع الحضاري الإسلامي.

كما لا بدّ من إعادة النّظر في مناهج التّعليم حتّى ينمي في الفرد قيم المواطنة، ويربطه بالأخلاق المجتمعية الرّاقية، ويغرس فيه هوية الانتماء لهذا الدّين والاعتزاز بلغة القرآن، ويقوي طاقاته الفكرية والعلمية والعملية، فضلا عن ضرورة إعادة النّظر في المناهج التّعليمية وطرائق التّدريس؛ لتكون قادرة على توجيه المتعلم سلوكيا وتربويا وتعليميا وقيميا، وقادرة على تخريج أجيال تستطيع بكفاءة وفاعلية أن تنخرط في سوق الشّغل والإنتاج، وفي جهود التّعبئة والبناء والإعمار.

التركيز على الكم دون الكيف، وتضخيم المناهج على حساب جودة المحتويات، فضلا عن ضعف الوسائل والاكتظاظ المخل بالفاعلية من الإشكالات العميقة التي تواجه واقعنا التعليمي.

التّشجيع على الابتكار والبحث العلمي:

إن من شأن التّشجيع على الابتكار والبحث العلمي وتخصيص أعلى الميزانيات له، تحويل الأمّة من حالة التلقي للعلوم والتقنيات، إلى حالة الاختراع والابتكار والإنتاج لكل مستلزمات التطوّر العلميِّ والصناعي، وكل ذلك يفتل في التأسيس المتين لمجتمعات العمران الأخوي، ولا يخفى على ذي لبّ أنّ “أوائل المسلمين رجالا ونساء، من رياضيين وفلكيين وكيميائيين وأطبّاء ومعماريين ومهندسين واقتصاديين وعلماء اجتماع وفنّانين وحرفيين ومربّين، عبّروا عن تديّنهم من خلال المثابرة في تقديم إسهامات نافعة للمجتمع وللإنسانية جمعاء، وهم فعلوا ذلك بعقول منفتحة” (ألف اختراع واختراع، التراث الإسلامي في عالمنا، تحرير سليم الحسني).

فكما عبر سلفنا إذن، برجالهم ونسائهم، عن انتمائهم لهذا الدين الحنيف بعلمهم النافع وعملهم الصالح، فلتعبر أجيالنا عن هذا الانتماء بذات القوة والفاعلية، وفي كل مجالات العلوم.

ربط العلم بروح المسجد:

من الضروري ربط العلم بروح المسجد وبأنوار كتاب الله تعالى لتخريج أجيال من الرجال والنساء على سليم الفطرة؛ المسجد الذي تخلف واقعا عن أدواره التي كان عليها زمن النبوة باعتباره مكانا للتعبّد، وبرلمانا للتشاور، ومنطلقا للبعوث، ومؤسسة للتّعلم، ومركزا إشعاعيا مهمّا للتّربية والتّثقيف والتّهذيب. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من بعض حُجراته فدخل المسجد، فإذا هو بحلقتين إحداهما أفرادها يقرؤون القرآن ويدعون الله، والأخرى يتعلمون ويُعلمون، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “كلّ على خير، هؤلاء يقرؤون القرآن ويدعون الله فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون، وإنما بعثت معلما، فجلس معهم” (سنن ابن ماجة).

أسلمة العلوم:

لا مناص من أسلمة العلوم بإبعادها عن معترك الإلحاد والتصوّرات التي اعتبرت الإنسان قردا، لابدّ من تحرير العلوم لترتبط بغايتها العظمى، ولإعمال نتائجها في تحقيق سعادة الإنسان وتعضيد التكافل بين الناس كل الناس وتحقيق التراحم بينهم.

ولا يتنافى هذا المطلب مع التّفاعل مع إنتاجات الأمم، والاستفادة مما وصلت إليه من حيث هو مشترك إنساني مفيد لتحقيق التّقدّم العلمي والمعرفي والتّكنولوجي، دون أن نسمح للحداثة بأن تكون سببا في قطيعتنا مع مقوّمات نهوضنا التي نستقيها من معطياتنا الفكرية ومن تراثنا الأصيل وهويّتنا وعقيدتنا. وإنه لمن العبث إعلان القطيعة مع الموروث الحضاري الأممي تحت أيّ مبرر قد يقول به من لا يميز بين حدّي الاعتراف بالآخر واتباعه.

من صفحة نبراس:

https://www.facebook.com/Nibras63

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.