منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

العلم أساس العمران (1) 

العلم أساس العمران (1) / ذة. نادية بلغازي

0

العلم أساس العمران (1) 

بقلم: ذة. نادية بلغازي

باحثة في قضايا الفكر والمرأة

️️️قامت دعوة الله تعالى على إخراج الناس من ظلمات الجهالة والتظالم والبعد عن الله تعالى، إلى أنوار الإيمان وإقامة العدل وتأمين المكلفين على حقوقهم، والدعوة إلى العلم الذي يتصدر العلم بالله أول مراقيه، وأية دعوة تقصد انبعاث الأمة وإحياءها تتصدر هذه المعاني أولوياتها. ولم تشذ أي من دعوات التجديد عن هذه المطالب اعتبارا لمحوريته في كل حركة فاعلة داخل الأمة.

️ تحديدات مفاهمية:

  • ️ العلم:

العلم “الاعتقاد الجازم المطابق للواقع”، “وصفة راسخة تدرك بها الكليات والجزئيات، وهو وصول النّفس إلى معنى الشّيء” ، وإذا أطلق بصيغة الإفراد أريد به العلم بالله وبالإنسان وبمآلاته.

من هنا يتبين أن العلم نشاط إنساني متقن يعتمد على إعمال الوحي والعقل والحسّ والتّجربة لبلوغ المعاني، فضلا عن التّطلّع لإدراك تراكم معرفي غايته العمل، به يتميّز الإنسان عن غيره، ويؤثّر في محيطه، ويصحّح سلوكياته حتّى توافق مراد الله من خلقه.

إن العلم الذي يورّث الخشية والتقوى والمعرفة بالله تعالى، هو أشرف العلم وأزكاه وأكرمه؛ علم بالله تعالى هو، علم الحق بالحق، علم بكل مقتضيات الإيمان وبالفرائض والأحكام… لا يسع الطالب الصادق أن يغفل عنه لأنه فريضة متعينة على كل المسلمين؛ ذكرانهم وإناثهم، به يقيمون دينهم ويتعلمون عقيدتهم الناصعة الواضحة، ويتقربون إلى ربهم بفرضهم ونفلهم، ويتحببون إلى رسول الله إليهم بالاستنان بسنته والسير على منهجه، وتأتي العلوم الكونية باختراعاتها ونتاجاتها المتفوّقة من أجل أن تخدم مقاصده وغاياته؛ علم لا يقتصر على أمور الدنيا أو الآخرة، بل هما معا في انسياب وانسجام، إذ الأوّل بشروطه يُنجح لنا الدّنيا التي هي دارنا، ويسدّد جهود الاستخلاف والإعمار بما يحقّق الإصلاح وعدم الإفساد، ويجعل لأمّتنا مقاما بين الأمم، تنافسها في دنياها ولا تظل في الذّيل تابعة لها ذليلة منكسرة، تنتظر صدقاتها المغلّفة بأغطية التّدجين والاستيلاب والاستصغار والاستعمار، أمّا الثاني ففيه صلاح معادنا الذي هو عاقبة أمرنا، به نتعلّم الوقوف المتذلّل بين أعتاب شريعة الله تعالى وعند حدوده وأحكامه لا نخالفها، به نتمكّن من معرفة ربّنا خالقنا وعبادته على النّحو الذي يريد، به نتعلّم تزكية نفوسنا وتطبيب أدوائها لتخلص لربّها وتستجيب لنداء العبودية له سبحانه، به نفقه خطاب الله لخلقه، ونحسن تدبّر كتابيه المسطور والمنظور، به نتعلّم محبّة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحابّهما، به نتعلّم الاقتداء والاتّباع للحضرة الشّريفة ولمن تربّى في حجرها من الصّحابة والصّحابيات رضي الله عنهم منارات الهدى والصّلاح، به نتعلّم اليقين والخشية، يقول الحق سبحانه: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ “.

يشمل العلم النافع المقصود المرغوب العلم بالله تعالى، والعلم بشرعه سبحانه، والعلوم الكونية، نبحث عنها بصبر ونتعلّمها ونغرسها في أرضنا، تعلّمها قضية وجود أو عدم، قضية حياة أو موت لأمّتنا التي حملت لواءها ووضعت أسسها منذ دهور ثمّ تراجعت لتترك المجال للحضارة الغربية لتستفيد ممّا أثّله العقل المسلم، ولتتغوّل وتستبدّ وتمتلك مفاتيح تسخير مقدّرات الكون لتحقيق طموحها الجشع المنبثّ عن العلم الغائي، عن معرفة الله. علمها مولده فوق الأرض ومقبرته فيها.

وغني عن البيان أنّ العلم الكلي الجامع المستلهم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحده بإمكانه أن يجمع شتات العلوم المفرّقة اليوم في واقع المسلمين بتجزّئ سلطانهم ودويلاتهم التي أثّر على وحدتها سلبا انكسار عروة الحكم ثم استبداد الاستعمار وتغوّله، الاستعمار الذي وإن فارق الدّيار بقوّة المقاومة، ترك فينا أذنابه يعيثون فينا فسادا، خلّف من تربّوا في حجره ليركّزوا في أرضنا دعائم استيلاب بائس، مظاهر انبهار بثقافة معزولة عن الله واليوم الآخر، أصول استعمار ثقافي مقيت، بعدما كان العلم واحدا زمن النبوّة الشريف يجمع علم الكتاب الكريم والسّنّة المشرّفة كما يجمع سائر العلوم المتعلّقة بطب القلوب، فتجزّأ مزعا وأشلاء متفرّقة، وكان من آثار ذلك انتشار المذهبية وظهور التّخصّص وجمود الفقه بعدما سدّ باب الاجتهاد.

  • العمران الأخوي:

إذا كان لفظ الحضارة الشائع في الدّلالة على وضعية التّمدّن والتّفوّق في مجالات العلوم والفنون والصّناعات والأخلاق وغيرها، فإن كثيرين يستعيضون عنه بألفاظ مجاورة مثل التّنمية، إلا أن المقاربة التأصيلية تسِمه بالعمران الأخوي ارتباطا بقول الله تعالى: “هُوَ أَنْشَأكُمْ مِنَ الارْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثـُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إنَّ رَبِّي قريبٌ مُجِيبٌ”.

مشروع عمران أخوي، يتلاءم مع التصوّر الإسلامي للوجود الإنساني، ذلك الإنسان المشرف المكلف الذي خلقه الله تعالى لغاية سامية، خلقه ليعمر الكون بما يحقّق فلاحه الأخروي، وسعادته الدّنيوية الموصولة بالله تعالى حينما ينهض، مقتحما كلّ الصعاب، ليحقّق مهمّته الاستخلافية تحت لواء التّوحيد وعلى قواعد الحرّية والكرامة والحب والعدل والإحسان والتكافل والمواساة والسلام والأخوة الإنسانية، تغمره، وتسدّد رميه وتظلله روح المسجد: “إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسـٰـجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأقَامَ الصّلوٰة وآتَى الزَّكوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إلاّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أنْ يَكُوْنُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ”.

إن مفهوم العمران الأخوي أساس المشروع المجتمعي الذي يمزج في تناغم بين حركية الفرد وحركية الأمّة، وهو رسم لسبل تحقيق سعادة الإنسان من خلال حثه على التعلق بالسماء لتطويع الأرض، وتحريره من سلطان النفس والهوى ليخضع لسلطان الله تعالى، وتوجيهه الوجهة القاصدة إلى تلمس سبل سعادة الدنيا وفلاح الآخرة مصداقا لقوله عز من قائل: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

وللبشرية مثال الاحتذاء من النّموذج الإنساني الكامل زمن النّبوّة الشريفة والخلافة الراشدة الذي أدى بتوازن وتناغم مهامه، فملأ الأرض عدلا بعد جور، وسعة بعد ضيق، وضمن كرامة الإنسان وحقوقه التي يأتي في مقدمتها حقه في معرفة ربه سبحانه، وحرره من استعباد القرون واستغلال قوى الشر إلى المواطنة القلبية الإيمانية بين المسلمـين التي من سماتها التحرر من الدنيا ومن سلطان الهوى، ومن المِلكية الأنانية لمتاع الدنيا، إلى فساحة الحب والتعاون والتكافل واعتبار الصالح العام.

من صفحة نبراس:

https://www.facebook.com/Nibras63

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.