طهارة الحدث
الدكتور محمد جعواني
تعريفها:
الحَدَث في اللغة: بفتحتين يعني وجود الشّيء بعد أن لم يكن. ويطلق في الشّرع ويراد به معان أربعة، وهي:
- الأول: الخارج المعتاد من المَخرج المعتاد على وجه العادة.
- الثاني: نَفْسُ الخروج، كما في قولهم: آداب الحدث.
- الثالث: الوصف الحكمي المقدّر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية، كقولهم: يمنع الحدث كذا وكذا.
- الرابع: المنعُ المرتّب على الثّلاثة، كقولهم: يرفع الحدث، أي: المنع المرتب على أعضاء الوضوء أو الغسل. ويصح أن يراد بالحدث المعنى الثابت الذي هو الوصف لأنهما متلازمان، فإذا ارتفع أحدهما ارتفع الآخر . ومنه فطهارة الحدث يقصد بها: رَفْعُ الوصف الحكمي المقدّر قيامه بالأعضاء.
أقسام طهارة الحدث:
تنقسم طهارة الحدث إلى: طهارة كُبرى من الحدث الأكبر وهي الغسل. وصُغرى من الحدث الأصغر، وهي الوضوء. وبدَل منهما وهو التيمّم. وباعتبار آخر، تنقسم إلى: مائية، وهي الوضوء والغسل، وتُرابية، وهي التيمّم.
ويُقدم الفقهاء الحديث عن المائية لأنها الأصل، ويؤخرون الترابية لأنها بدل عن الأصل. والطهارة المائية وسيلتها وآلتها الماء، لذلك يفتتح الفقهاء كتاب الطهارة بباب المياه وأحكامها.
أقسام المياه:
قال ابن عاشر رحمه :
فَصْلٌ وتَحصُل الطَّهارة بِمَا من التغيُّر بشيءٍ سلِـما
إذا تَغيّرَ بنجْس طُـــرِحا أو طاهرٍ لِعادة قد صَلَحا
إلاّ إذا لازَمَـهُ في الغالـبِ كمَغرة فمُطلقٌ كالذّائب
ينقسم الماء بالنظر إلى جواز أو عدم جواز استعماله في الطهارة إلى أقسام أربعة، وهي: الطَّهور، والطّاهر، والنّجِس، والمكروه.
الطَّهور:
وكلُّ ماءٍ نازلٍ من السَّمـا أو نابِعٍ من أرْضٍ أو جارٍ نَما
باقٍ على أوصافه أو غُيـِّرا من أرضِه أو ما عليه قدْ جَرا
أو مكثِه فمُطلـقٌ طَهـورُ يَصِحُّ منه الشُّرْبُ والتّطهيـرُ
قال البشار رحمه الله :
فالطَّهور هو الماء المطلق الباقي على أصل خِلقته، أو الذي تغيّر أحدُ أوصافه بما لا ينفك عنه غالبا، أو بمَجراه، أو بمُتولد منه. وحكمه: أنه طاهِرٌ في نفسه مُطَهِّرٌ لغيره. وهو الذي يستعمل في العادة والعبادة. ومن أنواعه:
ماء المطر، لقوله تعالى: ﴿ وأنزلنا من السَّماء ماءً طَهُورا ﴾ و قوله تعالى: ﴿ويُنزِّل عليكم من السّماء ماءً لِيُطهّركم به﴾ .
مياه الآبار والعيون والبحار، لقوله تعالى: ﴿ ألم ترَ أن الله أنزل من السّماء ماءً فسلَكه ينابيعَ في الأرض ﴾ . وقوله تعالى: ﴿ وأنزلنا من السماء ماءً بقَدَرٍ فأسكنَّاه في الأرض﴾ . ولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: هل نتوضأ من بِئْرِ بُضاعَة وهي بئر يُلقى فيها لحوم الكلاب والمحايض وعُذَر الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماءَ طَهورٌ لا يُنَجّسُه شيء” . ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: “إنّا نركبُ البحرَ ونحمِل معنا القليلَ من الماء، فإذا توضأنا به عطِشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطَّهور ماؤه الحِلُّ مَيتَتُه ” .
الطّاهر:
هو الماءُ الذي تغيّر أحدُ أوصافه بطاهر مما ينفَكُّ عنه غالبا، كالزّيت والصّابون… وحُكمُه: أنه طاهر في نفسه غيرُ مُطهّرٍ لغيره.
وهذا الماء يستعمل في العادة، ولا يستعمل في العبادة.
النّجِس:
هو الماء الذي تغيّر أحد أوصافه بنجاسة قليلا كان أم كثيرا. وحكمه: أنه نجِس. وهذا الماء لا يستعمل في العادة ولا في العبادة.
المكروه:
هو الماء الذي اختلف الفقهاء في طهارته، ومراعاة للخلاف قال المالكية بكراهة استعماله عند وجود غيره. ومنه ما يلي:
الماء القليل الذي خالطته نجاسة ولم تُغيّر أحد أوصافه. وهذا الماء نجس عند الجمهور، واختلف الفقهاء في حَدِّ الكثرة والقِلّة على أقوال ليس لها دليل صحيح صريح.
الماء الذي وَلَغَ فيه الكلب.
فَضْلَةُ شارب الخمر أو ما أدخل يده فيه.
الماء المستعمل في رفع حدث في العبادات.
الماء الرّاكد غير المتجدّد إذا لم يكن كثيرا مستبْحِرا، يكره الاغتسال فيه.
فهذه الأنواع من الماء يُكره استعمالها في المذهب عند وجود غيرها من المياه الصّالحة للطهارة مراعاة للخلاف، أما عند عدم وجود غيرها فلا كراهة في استعمالها.