بيت المقدس ومسجده الأقصى: بوابة العبور من الظلمة إلى النور
إيمان أحمد الحاج
بيت المقدس ومسجده الأقصى: بوابة العبور من الظلمة إلى النور
بقلم: إيمان أحمد الحاج
دراسات بيت المقدس – جامعة ماردين أرتوكلوا
كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم تشقُّ طريقاً مليئاً بالصعوبات، ومرّت بأوقاتٍ عصيبةٍ جداً، فقد اشتدَّ أذى قريشٍ عليه وعلى أصحابه رضي الله عنهم، وتوفيت زوجته خديجة رضي الله عنها، ففقد الداعم الأقرب إليه والناصر الحميم، وتوفي عمه ابو الطالب الذي كان يدافع عنه ويحميه، فكان عاماً للحزنِ ثقيلاً.
فتح عليه الصلاة والسلام آفاقاً جديدة، فانطلق خارج مكة لعلّه يجد من يناصره ويعينه في دعوته، متجهاً نحو الطائف، داعياً للإسلام أهل كلّ قبيلة يمرّ بها، لكنّها محاولاتٌ لم تثمر، حتى وصل إلى الطائف فدعاهم للإيمان بالله وحده، فتطاولوا عليه ورموه بالحجارة حتى سال دمه الشريف، فلجأ الى الله داعياً محتسباً سائلاً لهم الهداية والإيمان، فعاد الى مكة والحزن متعاظمٌ في فؤاده.
ليأتي العون الإلهي، والمواساةُ الربانيّة، ليجيء جبريل عليه السلام آخذاً إيّاهُ في رحلة الاسراء والمعراج، تسليةً لقلبه الحزين، فولّدت تلك الأحزان والآلام في جوفه نوراً أضاء به الدرب لأمته.
على دابة البراق كان الإسراء من مكة المكرمة الى المسجد الاقصى المبارك في بيت المقدس في بلاد الشام، حيث بوابة السماء، ليكون المعراج النبويّ والصعود السماويّ.
صاعداً من سماء لأخرى، مشاهداً مراحل دعوته متمثلة بمن رآهم والتقى بهم.
ففي السماء الأولى التقي بآدم عليه السلام الذي أخرجه الله من الجنة الى الارض وبيّن له أن جعل له طريقاً آخراً بعد أن طلب من الله أن يعود لها.
وفي السماء الثانية التقى بيحيى وعيسى عليهما السلام اللذان نجاهما الله من مكر اليهود وكيدهم.
ثم وصل للسماء الثالثة والتقى بيوسف عليه السلام الذي لاقى الغدر من أقرب الناس إليه لكن الله مكّنه في الارض ونصره.
وفي السماء الرابعة كان اللقاء مع ادريس عليه السلام ثم في السماء الخامسة التقى بهارون عليه السلام الرجل المحبب في قومه بعد شدّة أذى.
وبعدها صعد للسماء السابعة ليلتقي بموسى عليه السلام الذي آذاه من آذاه من بني إسرائيل وقذفوه ببعض المعايب فبرَّأه الله تعالى مما قالوا فيه من الكذب والزور.
ثم التقى بإبراهيم عليه السلام في السماء السابعة عند البيت المعمور كعبة الملائكة.
وكأنّ هذا اللقاء يحكي له ولأمته المراحل التي ستمر بها دعوته.. تبدأ بالهجرة من مكة والعودة إليها وملاقاة العداء والمكر والخداع من اليهود وسيكون الرفعة للدعوة وانتشارها حتى تصل للملوك والامراء، وبشرى أن من عذبوا المسلمين وطردوا النبي صلى الله عليه وسلم سيدخلون الاسلام وينصرونه، ويحذّره أن الأذى سيلحق به وبأزواجه لكن العاقبة براءة ورفعة، وستتوسع الدولة الاسلامية بالغزوات وسينصره الله ويدخل مكة فاتحاً منصوراً بعون الله.
ثم بلغ سدرة المنتهى وحظي بلقاء ملك الملوك و خاطبه ربُّه في أعلى مقاماته ولم يقُاربّه أحداً علُواً ولا رِفعة صلى الله عليه وسلم.
وأثناء الرحلة صافحته الملائكة ورأى الجنة والنار وهناك فرضت الصلاة عليه وعلى أمته وبدأت بخمسين صلاة ثم خففها الله الى خمسة في العمل خمسين في الاجر. ” وأُعطي خواتيمَ سُورةِ البقَرة أي واخِرَ آياتِها، وهذا بَيانٌ لِفضْلِها، وغفَرَ لِأُمَّتِه المُقحِماتِ ما لم يُشرِكوا باللهِ شيئًا”
ونزلت الاية على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الرحلة {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}
كما انه صلى الله عليه وسلم ترأس المؤتمر الوحيد لأنبياء الله في المسجد الاقصى المبارك وصلى بهم إماما وتسلم منهم راية الدفاع وحماية ونصرة المسجد الاقصى المبارك وانتقلت القيادة الى أمة النبي صلى الله عليه وسلم
فكان بيت المقدسِ ومسجِدَهُ الأقصى، بوابةُ العبورِ من الظُلمَةِ إلى النور ومن الباطلِ إلى الحقِّ، ارتبطَ به قُدوتُنَا محمدٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وصحابَتُهُ رضيَ اللهُ عنهم منذُ بدايةِ البَعثةِ، وتُوّجَت علاقتُهُم بحادثةِ الإسراءِ والمعراجِ، تلكَ الحادثةُ التي قالَ عنها البروفيسور عبدُ الفتاحِ العْوَيسِي أنها نْقطةُ تَحوْلٍ جَذريةٍ فاصلةٍ وفتحاً روحياً، مَنحتِ الأملَ للمسلمينَ كافةً وأَرْستِ الرحلةَ إلى بيتِ المقدسِ وخاصةً مسجِدَهُ الأقصىَ ومنهُ إلى السماواتِ العُلا، تلك هي مركَزِيّةُ بيتِ المقدسِ وأهمّيّتُهُ الرُّوحية والدينية.
فقد كان بيت المقدس قبلتهم صلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته اتجاهه منذ بداية البعثة وقبل فرض الصلاة أسوة بمن سبقه من الأنبياء، وبقي قبلة للأمة المحمدية طَوالَ الفترةِ المكيةِ وستةَ عشر أو سبعةَ عشَرَ شهراً بعد الهِجرةِ، وقرؤوُا وتمَعَنُوا الآياتِ القرآنيةَ التي تحدّثَت عنهُ وقِصَصَ الأنبياءِ الذين ذهبُوا إليهِ وهم في مكةَ ثم استمَعُوا وأنصتُوا لأحاديثِ نبِيّهِم وهو يتحدثُ عنهُ، فزادَ شوقُهُم وبدؤوا يُعدّوُا العُدّةَ لنُصْرَتِه، حتى ارتبطُوا بهِ دينياً.
كمَا تابعُوا أخبارَهُ وهم يُعذّبونَ منتظرينَ فرجَ الله بهزيمةِ الفُرسِ المشركين الذين يُؤيّدهم كفار قريش، وصدَقُوا اللهَ فجاءَتهُمُ البِشَارَةُ التي انتظرُوهَا وهذا ما وثق ارتباطَهُم بِه سياسيا.
ثم تجهّزوا على كافةِ الأصعدةِ، وسُيّرَت غزَواتٌ وبَعثَات اتجاهَهُ لفتحِهِ حتى فَتحُوه وطهّروهُ بطريقةٍ عسكَرية بعد توكُّلِهِم على الله وسيْرِهِم على نهجِ قائدِهم عليه الصلاة السلام، فتابع الصديق أبا بكر رضي الله عنه -وهو أول من صدق النبي صلى الله عليه حينما اخبرهم بما حصل معه في الاسراء والمعراج ودافع عنع بعد ان حاولت قريش تشويه صورته مستهزأين بما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم-، وسار على خطى حبيبه ونفذ الخطة التي وضعها لهم قبل وفاته وأرسل جيشا كبيرا بقيادة خالد بن الوليد إلى بلاد الشام وفتحوا أجنادين ومرج الصفر وحاصروا الروم تمهيدا لفتح بيت المقدس، وتوفي أبا بكر وهو يوصي الفاروق بالجهاد فسار على خطاهم وعيّن أبا عبيدة بن الجراح قائدا للجيش الإسلامي في بلاد الشام ثم حضرَ الفاروقُ بنفسِهِ لبيت المقدس وفتحهُ بدونِ قتالٍ وانتشرَ فيه الأمن والأمان والسلامُ وطُبّقتِ العهدةُ العمرية.
فالاسراء والمعراج معجزة و تزكية للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لأمته، أبرزت أهمية المسجد الاقصى المبارك في الاسلام وانه عقيدة وآية في كتاب الله عز وجل، وعلاقته الوثيقة بمكة المكرمة، فالكعبة أول بيت وضع على الارض والاقصى ثاني بيت، فشرف مكة من شرف بيت المقدس التي كانت وما زالت منبع لمحاربة الظالمين وفيها رسالة التوحيد من لدن آدم الى قيام الساعة.
وفيه انتقلت القيادة لأمة النبي صلى الله عليه وسلم لنشر الدين ونصرة المستضعفين وتحرير بيت المقدس من المنافقين والمحتلين. فالمسجد الاقصى المبارك رمز لعزة العرب والمسلمين واصبح تحت مسؤوليتهم، وسيتحقق وعد الله عز وجل بعد ان نحقق شروط هذا النصر ونكون من الله أقرب بإيماننا وعبادتنا ووحدة صفنا، فالله عز وجل لا يخذل أتباعه ولا بد من الابتلاء الذي نعيشه الله ليميز الله بين الخبيث والطيب ولغربلة الصف المؤمن وفضح المنافقين.
فمن المحنة تولد المنحة ومن الالم ينبع الامل، والى المسجد الأقصى ستصل الجيوش الاسلامية ونصلي فيه صلاة التحرير وهو حر عزيز بإذن الله