منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الغَيْرَةُ السياسية: مقاربة سوسيو – أخلاقية (ج1) 

الغَيْرَةُ السياسية: مقاربة سوسيو - أخلاقية (ج1) /  د. فؤاد هراجة

0

الغَيْرَةُ السياسية: مقاربة سوسيو – أخلاقية (ج1) 
 د. فؤاد هراجة
باحث في الفلسفة والأخلاق

من أهم الدروس التي تعلمناها في فلسفة مابعد الحداثة، الحَفْرُ في كل المجالات على ما سماه الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر ”اللامفكر فيه“. في هذا السياق سوف يبسط هذا المقال موضوعا لم يسبق للعلوم السياسية ولا للفلسفة السياسية تناوله وفق مناهج البحث المتبعة فيهما. صحيح أننا عندما نُشَغّل محركات البحث في الموضوع سنجد بعض الكتب الأمريكية والمقالات المترجمة حول الحسد السياسي، إلا أن موضوع الحسد السياسي مخالف تماما لموضوع الغَيْرة السياسية، وهذا يتطلب منا ضرورة التمييز بين المصطلحين باستحضارهما في السياق السياسي. لكن، وقبل الخوض في تحليل الموضوع يجدر بنا أن نتساءل، ما الجدوى من معالجة موضوع الغيرة السياسية؟ وهل الغيرة السياسية فعل فردي أم سلوك جماعي؟ ثم ما هي تمظهرات الغيرة في مجال السياسية؟ وما هي مخلفاتها على العلاقات داخل التنظيمات السياسية؟ اتخلص إلى السؤال الأكثر أهمية: هل هناك وعي عند الأفراد داخل التنظيمات والهيئات والمؤسسات السياسية بخطورة الغيرة على إصدار المواقف واتخاذ القرارات وتحديد مصير ومكانة الأفراد داخل هذه التنظيمات؟

تركز العلوم السياسية على الطرق والوسائل والآليات التي تتم من خلالها المنافسة بين الطبقات والمنظمات والهيئات السياسية. ومن فرط هذا التركيز أضحى تحليل سلوك هذه المجموعات أمرا سهلا للغاية، لكن هذه العلوم لم تولي اهتماما مماثلا للنظر في الكيفية التي تتم بها المنافسة بين الأفراد داخل التنظيم الواحد، وكيف تدبر هذه المنافسة، وما أثر «سلوك الغيرة» على حرب المواقع الخفية، وتحديد مكانة الأفراد، وإعطائهم الحضوة وسلطة القول داخل المجموعة السياسية؟

تقر الأكاديمية في جامعة هارفارد ماكليندون عبر كتابها ”الحسد في السياسة“ أن علماء السياسة تجاهلوا كثيرا ما أدركه علماء النفس قبل زمن طويل، بأن الأفراد داخل المجموعات التي ينتمون إليها، يهتمون غاية الاهتمام بالحفاظ على مكانتهم الاجتماعية وتحسينها ، أي أن نزعة الحسد مهمة في تفسير السلوك السياسي لهؤلاء الأفراد، سواء كانوا قادة أم من جمهور المنتمين ، وكذلك تعتبر نزعتا الحقد والرضا مهمتين باعتبارهما من النزعات المتعلقة بالمكانة الاجتماعية. ما يهمني في استدعاء هذه الأكاديمية المعتبرة، ليس هو التركيز على مضمون النص، وإنما التنويه إلى أهمية التحليل النفسي والاجتماعي لتحديد العلاقات بين أفراد التنظيم السياسي الواحد وما يعتريها من منافسة قد تخرج من دائرة الأخلاقي إلى غير الأخلاقي مع حضور فيروس الغيرة السياسية.

عادة ما يستعمل لفظ الغيرة في مجال الحب والعلاقات بين شخصين، بحيث تكون أطراف المعادلة ثلاث: الغيور والموضوع والغريم. وكثيرا ما اعتقد الناس ولا يزالون أن الغيرة أنصع مظهر للحب؛ معتبرين أن الغيور من فرط حبه لا يريد لشخص آخر وهو ”الغريم“ أن يتقاسم معه الشخص ”موضوع“ الحب. هذا ما يبدو في الظاهر، لكن في عمق الظاهرة ليس الحب هو المحرك ل «هوى الغيرة» وإنما حب التملك وحب التسلط والإستمتاع الحصري بالموضوع، ما يدفع في العلاقات الاجتماعية بين هذا المثلث( غيور/موضوع/غريم) إلى حالة من التدافع تبدأ بالمنافسة وتنتهي بالصراع الصفري، وتخيير الشخص ”موضوع الغيرة“ إما بالانحياز إلى الغيور أو سيتم إدخاله دون إذنه في دائرة الريبة والشك والحيطة والحذر، خاصة وأن الغيور تَتَلبَّسُهُ حالة من القلق والتوتر على مكانته. انطلاقا من هذا التحليل سنحتفظ إذن بأهم عناصر الغيرة الاجتماعية متنقلة في:

▪️حب التملك
▪️حب التسلط
▪️ المتعة الحصرية
▪️ المنافسة والتنفسية
▪️الصراع الصفري
▪️ المكانة الاجتماعية
▪️الريبة والشك
▪️ الحيطة والحذر
▪️القلق والتوتر
▪️ الحضوة
▪️ سلطةالقول

من خلال هذه البنية السلوكية الأخلاقية سوف نحلل في الجزء 2 من هذا المقال كيف تتمظهر الغيرة السياسية بين الأفراد ونجيب عن جملة الأسئلة التي أوردناها في مقدمة المقالة. (…يتبع)

 هام جدا: هذا المقال علمي لا يستهدف أي تنظيم بعينه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.