حوار مع الدكتورة خديجة توفيقي طبيبة و معالجة نفسية ومعالجة إدمان
حوار مع الدكتورة خديجة توفيقي طبيبة و معالجة نفسية ومعالجة إدمان/ أجراه الأستاذ عثمان غفاري
حوار مع الدكتورة خديجة توفيقي طبيبة و معالجة نفسية ومعالجة إدمان
أجراه الأستاذ عثمان غفاري
في إطار الفعاليات التحسيسية التوعوية التي قررها موقع منار الإسلام تخليدا لليوم العالمي للصحة النفسية الذي يوافق العاشر من أكتوبر من كل سنة، وبعد محاورة الطالب في سلك الدكتواره والأخصائي النفسي الحسين آيت حدو، يأتي هذا الحوار العلمي الثاني مع قامة علمية متميزة في هذا المجال ألا وهي:
“الدكتورة خديجة توفيقي” وهي طبيبة ومعالجة نفسية ومعالجة إدمان بالبيضاء، حوار يتوخى توضيح مجموعة من المفاهيم وتصحيح مجموعة من التمثلات عن المرض النفسي والمرضى النفسانيين من قبل متخصصين ومن زوايا متعددة، فأهلا وسهلا بضيفتنا الكريمة
- السؤال الأول: مفاهيم وتمثلات
المريض النفسي مريض لا اختلاف بينه وبين من يعاني من أي مرض عضوي، وزيارة الأخصائي النفسي، أو الطبيب النفسي ليس بشيء مخجل بل إن الطب النفسي، وعلم النفس، وغيرها من التخصصات النفسية أحدثت لتقديم المساعدات للإنسان المريض، ولا تقتصر فقط على المجانين كما هو شائع
فهلا بسطت سيدي لنا بعض مفاهيم هذا المجال، فماهو المرض النفسي؟ وما الحدود الفاصلة بينه وبين المرض العقلي؟ والأزمة الروحية؟
- جواب الدكتورة
الاضطراب النفسي هو عبارة عن اختلالات وتغيرات تطرأ على الشخص في تفكيره وسلوكه وشعوره، مما يؤثر سلبا على أدائه الاجتماعي (العمل ،العلاقات..) ويسبب له معاناة شديدة، وهو يصيب كل الأفراد بغض النظر عن الجنس أو المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي ،ويصيب الكبار والصغار بل حتى الرضع يمكن أن يصابوا بالمرض النفسي.
والتمييز بين المرض العقلي و النفسي، بين ما هو عصابي و ذهاني لم يعد معمولا به نظرا لغياب حدود فاصلة بينهما، فيمكن لأحدهما أن يتضمن عناصر الآخر .
ويفضل أهل الاختصاص لفظ *الاضطرابات النفسية* التي تحمل معنى الأمراض النفسية والعقلية، أي كل ما من شأنه أن يؤثر سلبا على صحة الإنسان النفسية.
ويقصد بالصحة النفسية *حالة من الارتياح يتمكن من خلالها الشخص من العمل على تحقيق ذاته و المشاركة في مجتمعه و مجابهة العقبات الحياتية التي تواجهه*
أما الخلط الواقع في أذهان الناس بين المرض النفسي والعقلي والأزمة الروحية فهو مجرد لبس حاصل يحمل آثار سلبية على صحة المجتمع النفسية.
تتمثل أهم خصائص المرض العقلي في كونه *اضطرابا في كيمياء الدماغ بالأساس*، حيث يكون المريض في أغلب الأحيان غير مدرك لمرضه، مع حضور هلوسات وتهيأت،
على عكس المرض النفسي الذي هو اضطراب في السلوك والتفكير وضبط المشاعر، و يكون المريض مدركا لمعاناته طالبا للعلاج في أغلب الحالات .
أما الأزمة الروحية فهي شأن آخر على اعتبار أنها أزمة مرتبطة بروحانية الشخص لا بنفسيته، مرتبطة بإشكالات وجودية تحتاج الى فهم وتوضيح لا إلى علاج وأدوية. إنها إيقاظ لأسئلة فطرية وجودية كامنة في أعماق كل إنسان، أسئلة المعنى والمآل، “من أنا وإلى أين أسير”، مرتبطة بالموت وبالتصورات حوله.
“الأزمة الروحية موجودة في كل الحضارات ،وتعبر عن استنجاد الروح بوعي الإنسان وإدراكه”، ويختلف التعاطي معها حسب الثقافات والأشخاص .يمكن أن تمر هذه الأزمة بسلام حين يجد الشخص معناه، كما يمكن أن تتطور الى أمراض نفسية تحتاج إلى علاج .
- السؤال الثاني: أنواع وأعراض
إذن لا بنبغي أن يُعير الإنسان بإضطراباته النفسية بل هو في حاجة لأن يُعانق، فالطبيب النفسي، والمرشد النفسي،.. يخيطون جراحاََ نفسية لا يراها أحد
فهلا حدثنا عن سؤال الكيف، أي كيف يتم تشخيص المرض النفسي؟ وماهي أهم أنواعه؟ وأعراضه؟
- جواب الدكتورة
تعتبر الاضطرابات النفسية من أكثر الأمراض شيوعا في العالم ، “فالإحصائيات الحديثة تشير إلى أن أكثر من 970 مليون شخص في العالم مصاب بهذا النوع من الأمراض، أي واحد من بين كل ثمانية أشخاص.” و تنقسم إلى أنواع كثيرة صنفتها المنظمة الأمريكية للصحة النفسية إلى خمسة محاور، كل محور يشمل مجموعة من الاضطرابات.
نذكر على سبيل المثال الاكتئاب، اضطرابات القلق، اضطراب الثنائي القطبي، التوحد، اضطراب الأكل، انفصام الشخصية، اضطراب ما بعد الصدمة، اضطرابات الشخصية التأخرالذهني، اضطراب الوسواس القهري و الإدمان وغيرها من الاضطرابات التي يتم تشخيصها بواسطة الطبيب.
ويبقى الاكتئاب أكثر هذه الأمراض شيوعا بنسبة عالية تفوق 25% من عامة المواطنين. ومن أهم أعراض الاكتئاب : الإحساس بالضيق والحزن، عدم الرغبة في فعل الأشياء المعتادة، الأرق أو الإكثار في النوم ، صعوبة التركيز، اضطراب في الأكل، سرعة أو بطؤ في الكلام والحركة.
و من أهم أعراض انفصام الشخصية وجود الهلوسة والتخيلات، اما الثنائي القطبي فهو اضطراب دماغي يسبب تقلبات في المزاج حيث يتأرجح من حالة مرتفعة جدا (هوس) إلى مزاج منخفض جدا (اكتئاب) أو يجمع بينهما.
- السؤال الثالث: أسباب وعوامل
العالم اليوم صار مدركا لأهمية الصحة النفسية، إذ صرنا نعيش جميعاََ في أجواء أقل ما يقال عنها أنها مُتعبة بما فيها من ضغوطات، وقلق ومخاوف
فما هي أهم أسباب الأمراض النفسية؟
- جواب الدكتورة
لا يوجد سبب واحد للأمراض النفسية بل عوامل متعددة تتفاعل فيما بينها لتؤدي إلى اضطراب في وظيفة الدماغ و ظهور المرض النفسي. وأهم هذه العوامل تتمثل في الوراثة و البيولوجيا والعوامل النفسية والاجتماعية، فهناك مثلا خصائص جينية وراثية تجعل بعض العائلات والأشخاص معرضين أكثر من غيرهم للإصابة، وغالبا لا يبرز المرض إلا بعد أن تأتي عوامل أخرى كالصدمات القوية أو المتكررة فتتفاعل مع طبيعة الشخص لتعطي الاضطراب النفسي .
- السؤال الرابع: تدابير وإجراءات
في إطار نفس السياق يطرح السؤال التالي، ما هي العلامات التحذيرية للمرض النفسي؟
- جواب الدكتورة
من المفيد أن نعرف متى يجب أن نلجأ إلى الطبيب، فليس كل معاناة هي بمثابة مرض. فالجهاز النفسي للإنسان مزود بأنظمة دقيقة تهذف إلى تنبيه وعيه إلى ما فيه مصلحته، و من أهم هذه الأنظمة نجد المشاعر، فكل شعور أصليإالا وله وظيفة وغاية
فحين يشعر الإنسان بالقلق والضيق مثلا ، لا بد أن يسائل نفسه عن السبب، فقد يوجد مشكل يتوجب حله، أو احتياج فرط فيه، أو خطر لا بد من اتقائه أو أمور اخرى تتطلب منا بدل الجهد لإيجاد حل فنستريح و نريح ذواتنا.
في حالة كون الضجر أو المعاناة تفتقر لأسباب واضحة ،و تطول مدتها لأكثر من أسبوعين مع وجود تأثير سلبي على حياة الشخص وأدائه، فلا بد من زيارة الطبيب الذي يمكنه لوحده تشخيص وجود مرض من عدمه. أما في حال وجود علامات الخطر مثل وجود أفكار انتحارية أو هلوسات وتخيلات، فيتوجب زيارة الطبيب بصفة استعجالية
- السؤال الخامس: مرض مزمن مقيم أم مؤقت عابر؟
في الغالب يضع كثير من الناس المرض النفسي تحت مظلة “الفشوش” أو “ضعف الشخصية” أو “المس والسحر”، بل يعتقد البعض أنه لا شفاء منه البتة، فهل يمكن أن يتعافى المصابون بأمراض نفسية؟
- جواب الدكتورة
بالطبع يمكن التعافي من الاضطرابات النفسية، سواء معافاة تامة بالنسبة لبعضها، خصوصا إذا عولج المرض بالأدوية وبالعلاج النفسي السلوكي المعرفي بحيث يتجنب المريض الانتكاسة بعد توقيف الدواء، أو معافاة نسبية بالنسبة للبعض الآخر، حيث يتطلب أخذ الأدوية مدى الحياة تماما كما هو معمول به في الأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع الضغط الدموي وغيرها من الأمراض التي تتطلب التداوي بشكل مستمر .
- السؤال السادس: العلاقة بين التخصصات النفسية
بناء على ما تقدم ذكره، ما هو الفرق بين المتخصصين في مجال الصحة النفسية؟ ولماذا نجد متطفلين على هذا الميدان بدعوى التدريب والتنمية البشرية؟
- جواب الدكتورة
العاملون في المجال النفسي هم قلة قليلة مقارنة مع عدد المرضى والمصابين، وحتى هذه القلة غير مستثمرة بشكل جيد في كثير من البلدان. الأصل في عمل مختلف الفاعلين في المجال هو التعاون والتكامل، فالطبيب المختص أول معني بالعلاج فهو الذي يشخص ويعطي الأدوية ثم يأتي بعده المعالج النفسي الذي يعالج بالكلام ويمكن أن يكون طبيبا أو أخصائيا نفسيا . *والفرق بين الطبيب النفسي والأخصائي النفسي أن الاول درس الطب و الأمراض فهو يشخص المرض ويصف الدواء، أما الأخصائي النفسي فقد درس علم النفس بفروعه الكثيرة من ضمنها علم النفس السريري الذي يخول له إجراء حصص التتبع والعلاج النفسي ولكنه لا يصف الأدوية وإنما يعالج بالحوار، ليس كبديل عن الدواء ولكن كتكملة له*
فالشخص الذي يعاني من اضطرابات نفسية يجب عليه الالتجاء إلى الطبيب أولا حتى يتعرف على نوعية المرض وأسلوب العلاج ،ثم بعد ذلك يمكنه متابعة حصص وجلسات العلاج النفسي مع المعالج النفسي طبيبا كان أو اخصائيا نفسيا. ثم إن الاثنين ( الطبيب والأخصائي) يتعاونان بحيث أن الطبيب يمكنه توجيه المريض للأخصائي النفسي في حالات كثيرة لا تستوجب الدواء، أو تحتاج إلى اختبارات نفسية لا يقوم بها إلا الأخصائي النفسي، وهذا الأخير كذلك يوجه المرضى للطبيب حين يحتاجون للدواء .
- السؤال السابع: الأدوية والإدمان
من الإشكالات الرائجة في مجال الصحة النفسية، والتي يتعين على المتخصصين أمثالك أن يزيلوا اللثام عنها لأنه زلت فيها أقلام وأقدام، وأسهم في انتشارها أن الموضوع يعد من الطابوهات المسكوت عنها رغم أهميته
نجد سؤال هل الأدوية التي يصفها الأطباء النفسانيون يمكن أن تسبب للمريض الإدمان؟
- جواب الدكتورة
فكرة كون هذا النوع من الأدوية يسبب الإدمان هي فكرة رائجة ومغلوطة، وهي سبب عدم تداوي كثير من المرضى وتفاقم مرضهم. والحقيقة أن جل هذه الأدوية لا تسبب الادمان بتاتا، وربما اللبس الذي يحصل للبعض أنه و في أحيان كثيرة يكون المريض بحاجة إلى مدة طويلة للعلاج بالأدوية أو بحاجة إلى علاج دائم، لكن حين يوقف الدواء تنتكس حالته فيظن أنه أصبح مدمنا على الدواء لا يستطيع إيقافه، في حين أن الحقيقة ليست في كونه مدمنا بل في كون مرضه يستوجب التداوي بصفة دائمة أو لمدة طويلة .
وتوجد أدوية فعلا تسبب الإدمان لكنها قليلا ما تستعمل، وإن استعملت فإنها تخضع لقواعد طبية تضمن أمان المريض وتتفادى السقوط في الإدمان..
ختاما
كانت تلكم أهم الأسئلة التي من خلالها توخينا تسليط الضوء الكاشف على موضوع من الأهمية بما كان مع فضيلة الدكتورة خديجة توفيقي الطبيبة والمعالجة النفسية ومعالجة الإدمان لسنوات فجزاها الله خيرا على ما أجراه الله على لسانها من معارف وتوجيهات، وجزى الله جنود الخفاء وملائكة الرحمة على جهودهم في حفظ الصحة البدنية والنفسية، والله نسأل أن يعجل بشفاء المرضى شفاء لا يغادر سقما، وأن يلهم ذويهم ومجتمعاتنا رجوعا لله وارتباطا بكتابه العزيز وإكثارا من ذكره سبحانه فهو السبيل الأول والأخير لاطمئنان القلوب وسكينة النفوس دون إغفال للأخذ بالأسباب المشروعة.
شكرا دكتورتنا وعلى أمل اللقاء بكم في مناسبة أخرى دمتم في رحاب المولى.