مقاصد حفظ المصلحة: انطلاقا من منظومة “مراصد المقاصد” لمحمد ﺿﻴﺎء اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪﻛﺎﻟﻲ
أمينة الجابري
مقاصد حفظ المصلحة:
انطلاقا من منظومة “مراصد المقاصد” لمحمد ﺿﻴﺎء اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪﻛﺎﻟﻲ
بقلم: أمينة الجابري
مقدمة:
استهل الناظم هذه المنظومة كعادة العلماء بالحمد والشكر لله سبحانه والثناء عليه أن هداه لجمع أهم مراكز مباحث الشريعة، خاصة المذكورة في كتاب الموافقات للإمام الشاطبي، وذلك من باب تسهيلها على كل قارء وباحث، ثم ثنّى بالصّلاة والسّلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى الصحب والآل وبها يوفق للوصول إلى المقصد الذي هو نظم هذه الأبيات والتي سماها “مراصد المقاصد”. يستفيد منها المبتدء وغير المبتدئ بتعريف المقاصد ثم تعليل الأحكام مرورا بقصد الشارع إلى نفع العباد وقد تظافرت نصوص الشرع للتعرف على طرق المقاصد، فذكر الناظم خمسة قواصد إلى أن وصل إلى مقاصد حفظ المصلحة فقال :
مقاصد حفظ المصلحة
فصل وقد جاءت لحفظ المصلحة مـقـاصــد ثـلاثــة مـوضـحــة.
كــمــل كـل واحــد مـا قــــــبـلــه من أجل هذا لم يعارض أصله.
الضروريات وأقسامها
فـما يـؤدي فـقـده إلى الضـــرر فهو الضروري الذي قد اشتهر .
أقـسامها على مـجـيها اجـمعـوا وهـي خـمـسـة لـديـهـم تـتـبـع.
تـوحـيــد ربـنـا فـنـفـس عــقـل نسـل فـمـال زيـد عـرض يـتـلـوا
1- مقاصد حفظ المصلحة
قبل شرح الأبيات لابد من شرح العنوان الذي ركب من ثلاث كلمات “مقاصد” و” حفظ”
و” المصلحة”. فما معنى المقاصد؟ وما معنى حفظ؟ وما معنى المصلحة؟
- مقاصد: ما يصلح به الإنسان حياته المادية.
- حفظ : نقول حفظ، يحفظ، حفظا، وحفظ أي صان وضدها ضيع. ونقول حفظ الشيء يعني صانه ورعاه.
- المصلحة: المنفعة، وضدها المفسدة.
ويمكننا أن نقول إن المصلحة: هي ما يصلح الإنسان في روحه وجسده وحياته الاجتماعية على الطريق الذي رسمته شريعة الله عز وجل . وقد عبر سبحانه في كتابه العزيز عن المصلحة بالخير والبر والحسنات. (المحرر في مقصد الشريعة ص27)
ضدها المفسدة: هي ما يكون مآله فاسدا ماديا أو معنويا بأن يدخل على الإنسان الفساد في دينه أو في جسده أو في جانبه النفسي أو في حياته الاجتماعية. وقد عبر سبحانه في كتابه العزيز عن المفسدة بالإثم والشر والضر والسيئات. (المحرر في مقصد الشريعة ص27)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها”.
وقد صدق من قال: شرع الله مصلحة كله، فحيثما كانت المصلحة فثَم شرع الله.
يقول الناظم :
فصـل و قد جاءت لحفظ المصلحة مقاصــد ثــلاثــة مـــوضحــة
كــمـــل كـــل واحد مـــا قــبــلـــه من أجل هذا لم يعارض أصله
إن لحفظ المصلحة ثلاثة مقاصد موضحة وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات إحداها مكملة للأخرى لا تعارض بينها. ويعتبر هذا التقسيم الثلاثي لمقاصد الشريعة العمود الفقري لمقاصد الشريعة وهو أهم تقسيم.
- فما هي الضروريات ؟
- وما هي الحاجيات ؟
- وما هي التحسينيات؟
الضروريات: وهي الأمور التي لا قيام لحياة الناس إلا بحفظها، وإذا فاتت حل الفساد وعمت الفوضى واختل نظام الحياة.
ويمكننا أن نعرفها كذلك على أنها هي المصالح التي لابد منها لإستقامة نظام العالم وصلاح أحواله، بحيث إذا فقدت هذه المصالح أدى ذلك إلى اختلال نظام العالم في الحياة الدنيا وضلال الناس وحصول الخسران المبين في الآخرة، وأصبح حال الناس أشبه ما يكون بحال البهائم والأنعام.
الحاجيات: وهي ما يحتاجه الناس لتحقيق اليسر والسعة في عيشهم، وإذا فاتتهم لم يختل نظام الحياة، ولكن يصيب الناس ضيق وحرج.
ومن أجلها شرعت الرخص عند المشقة، كأكل الميتة عند الضرورة، وكفطر الصائم المسافر في رمضان، وكذلك تشريع الطلاق عند تعذر استمرار الحياة الزوجية.
الفرق بين الضروريات والحاجيات:
ـ إذا فقدت هذه المصالح أدى ذلك إلى اختلال نظام العالم واضطرابه.
ـ يترتب على فقدها وقوع الناس في الحرج والمشقة.
التحسينيات: وهي الأمور التي ترجع إلى محاسن العادات ومكارم الأخلاق، وإذا فاتت خرجت حياة الناس عن النهج القويم الذي تقتضيه الفطرة السليمة والعادات الكريمة. ومن أجل حفظها شرعت الطهارة في البدن والثوب، وستر العورة، والنهي عن بيع الإنسان على بيع أخيه…
ومنه فإن فقدها لا يترتب عنه:
- اختلال نظام العالم واضطرابه.
- وقوع الناس في الحرج والمشقة.
وإنما يقع الناس في منافاة مكارم الأخلاق ومحاسن الطباع والشيم.
الضروريات وأقسامها
يتابع الناظم كلامه معنونا هذه الأبيات : الضروريات وأقسامها فيقول :
فـما يـؤدي فـقـده إلى الضرر فهو الضروري الذي قد اشتهر
أقـسامها على مـجـيها اجـمعـوا وهـي خـمـسـة لـديـهـم تـتـبـع.
تـوحـيــد ربـنـا فـنـفـس عــقـل نسـل فـمـال زيـد عـرض يـتـلـوا
أما بالنسبة لأقسام المقاصد الضرورية، ، فإنها خمسة، وتعرف بالكليات الخمس، وهي: حفظ الدين، و حفظ النفس، و حفظ العقل، و حفظ النسل، و حفظ المال.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: “اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على هذه الضروريات الخمس،وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل”(موافقات: 1/31)
حفظ الدين :
وحفظ الدين هوأكبر الكليات الخمس وأرقاها، لأن الغاية التي خلق الإنسان من أجلها هي العبادة ، والدليل على ذلك قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وضياعه ضياع بقية المقاصد. وخراب الدنيا بأسرها، وقد شبه الله حال الأمم التي خلت من الدين الصحيح بالأموات، وشبه الدين بالحياة للأمم، قال تعالى: ” أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (الأنعام، 122)
لذا فقد شرع الله من الوسائل ما يتمم به حفظ الدين، ومن ذلك: تعلمه، والعمل به، والدعوة إليه، والحكم به، والجهاد من أجله، ورد ما يخالفه، والصبر على الأذى في سبيل تحقيق ذلك، دون أن تتزعزع العقيدة خاصة إذا كان الداعية عالما، فقيها أو حاكما.
فلحفظ الدين شرع الله أركان الإيمان وأركان الإسلام. فإذن لو قلت: حفظ الدين بإقامته، ومنع زواله واختلاله، كيف تكون الإقامة؟ بإقامة الشرائع، وأداء العبادات.
ويقام الدين أيضاً بالدعوة إليه، لأننا لا يمكن أن نتصور قيام الدين وانتشار الدين، وحفظ الدين في نفوس الخلق بدون دعوة إليه، وبيان محاسنه، وتوضيح أحكامه وآدابه، وكشف الشبهات عنه، وفي ترك الدعوة تهديد لوجود الدين، وتشويه لحقائقه، وطمس لمعالمه.
فإذاً الدعوة مهمة جداً في حفظ الدين، لأنها تثبته، وترسي قواعده، وتبين حقائقه، وفيها حماية له ودفاع عنه، يعني فيها رد الشبهات. فالدعوة إلى الله من أعظم الوسائل وأنفعها لحفظه واستمراره، ولهذا جاء الأمر بها، ورتب عن القيام بها أجر عظيم، والتفريط فيها فيه وزر كبير، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران، 104)
حفظ النفس
هي كلية تتميز ببعديها المادي والمعنوي :
- البعد المادي: وهو ما يتعلق بصيانة الجسد والأعضاء وتحقيق الهدف الرباني الذي خلق من أجله الإنسان وهو عمارة الأرض والذي يتنافى مع قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ومنها:
- لقد نهى الله تعالى عن قتل الإنسان لنفسه، بما يُسمَّى (الانتحار) فقال تعالى:” وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ” (النساء،29)
- وجاءت الشريعة بحفظ روح الإنسان، وألاَّ يلقي بنفسه إلى التهلكة، فقال تعالى:”وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (البقرة،195)
- ونهانا عزَّ وجلَّ عن قتل الآخرين إلاَّ بالحق، فقال تعالى “وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ” (الأنعام،151)
- ونهى تعالى على قتل المسلم لأخيه المسلم، فقال تعالى: “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً” (النساء،92)
- وكتب الله القصاص على كلِّ من قتل المسلم قاصداً فقال تعالى:” يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى” (البقرة،178)
- وبيَّن تعالى أنَّ من قتل نفساً بغير حق فكأنَما قتل الناس جميعا ؛ لما في ذلك من الاعتداء على كرامة الإنسان، فقال تعالى:”مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” (المائدة،32)
- ويدخل في هذا الباب كذلك ما يسمى في وقتنا الحاضر بعملية الإجهاد خشية الفقر”وقوله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُم” (الأنعام،151)
- وبيَّن تعالى أنَّه قد حرَّم على الناس بعض الأطعمة لما فيها من ضرر بالغ على أنفسهم، وقياماً منهم بعبوديّة الله والامتثال لأوامره، والابتعاد عن نواهيه، وفتح للناس مخرجاً شرعياً في ذلك بجواز الطعام منها إلا في حالة الاضطرار، وقال تعالى: “وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ” (الأنعام، 119)
- وحثَّ تعالى على حفظ الأنفس وعدم الإسراف بالطعام لئلاً يختل بنيان الإنسان، فقال:”وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” ( الأعراف،31)
- وقد حثَّ تعالى عباده على حفظ ألسنتهم من الاعتداء على الآخرين بقولهم وكلامهم، قال تعالى: “وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِينًا” (الإسراء،53)
- وليعلم كل إنسان أن جسده ليس ملكا له ليتصرف فيه كيف يشاء فيظيف وينقص منه أي بعبارة أدق يغير خلق الله كما جاء في الآية الكريمة “وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ” (النساء،119)
- أما بالنسبة للبعد المعنوي فهو كل ما يخصّ الإنسان بعيداً عن الجسد، ونقصد بذلك كل مايخصه في حياته من كرامة وعزة وسلامة من أي أذى حتى يتسنى له القيام بما فرضه الله عليه من عبادات ولا يحيد عن الأصل الذي خلق من أجله، قال تعالى “وما خلقت الجن والإنس إلّا ليعبدون”
حفظ العقل
حفظ العقل هي الكلية الثالثة من كليات الضروريات بعد حفظ الدين وحفظ النفس وهي كلية مستقلة بنفسها ووسيلة لحفظ الكليات الأخرى.
للعقل في الإسلام أهمية كبرى فهو مناط المسؤولية، وبه كرم الإنسان وفضل على سائر المخلوقات، وتهيأ للقيام بالخلافة في الأرض وحمل الأمانة من عند الله ولهذه الأهمية الخاصة حافظ الإسلام على العقل وسن من التشريعات ما يضمن سلامته وحيويته ومن ذلك:
أنه حرم كل ما من شأنه أن يؤثر على العقل ويضر به أو يعطل طاقته كالخمر والحشيش وغيرها قال تعالى “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.
كما شرع العقوبة الرادعة على تناول المسكرات وذلك لخطورتها وأثرها البالغ الضرر على الفرد والمجتمع
تبرز أهمية العقل الكبرى في الإسلام في جميع المجالات إذ ترتبط التكاليف الشرعية به ارتباطًا وثيقًا، ولا تخفى أهميته في فهم النصوص واستنباط الأحكام من قبل المجتهد، الذي اشترط له الشاطبي أن يتصف بوصفين أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها.
حفظ النسل
يُعَدّ حِفظ النسل أو ما يُسمّى بـ(حفظ النَّسب) رابعَ الضرورات الخمس، ويُقصَد به: التوالُد، والتناسُل الشرعيّ عن طريق العلاقة الزوجيّة الشرعيّة بين الذكر والأنثى، والتي تكون بعيدة عن العلاقات المُحرَّمة؛ لتحقيق غاية إعمار الكون.
ومن حِفظ النسل من جانب الأداء تشريع الزواج والحَثّ عليه وتكوين أسرة متماسكة يشعر أطرافها بالمسؤولية اتجاه بعضهم البعض فيتعاونوا على تحقيق مصالحهم والوفاء بينهم فتتحقق المودة والرحمة بينهم.
فإذا تحققت الشروط الموجودة في الآية الكريمة “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون” (الروم،21)
أي السكن والمودة والرحمة بين الزوجين انتفت العزلة والوحدة والحرمان وحلت محلها السعادة وأدرك كل منهما المهمة الموكولة إليه :قوامة للرجل وحافظية للمرأة.
من الواجبات التي تحفظ النسل:
- إيجاب نفقة المولود على الوالد وهو في بطن أمه، وتأمين نفقة إرضاعه، وحضانته.
- تنشئته تنشئة صالحة، أي الرعاية وحسن التربية وهذا لا يتحقق على الوجه المطلوب إلا إذا كان بتعاون من الطرفين الأم والأب معا، يشعران بروح المسؤولية فينتجان أجيالا تفتخر بها الأمة لا غثاء كغثاء السيل.
أمّا حفظ النَّسل من جانب التَّرك، فمن صُوَرِه تحريم الزنا بجميع صوره (زنا العين، الأذن،….، التبرج) يقول سبحانه “ولا تقربوا الزنا” الإسراء32
حفظ المال
حفظ المال هو الكلية الخامسة من كليات ضروريات الشريعة ووسيلة لتحقيق الضروريات الأخرى. وقد أولى الإسلام أهمية كبرى لما اعتبره قوام الحياة الدنيا وكذا لما يمكن أن يترتب عن فساده، والحفاظ على المال يكون على المال العام والخاص.
قد بين الله تعالى أن المال هو ماله عزّ وجلّ، إذ يقول في كتابه العزيز“وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ” (آل عمران، 180)، إذاً فالمال من فضل الله ولذا يجب حفظه وتنميته بما شرع الله.
يعتبر المال أيضاً ركنا من أركان الإسلام، من خلال ركن الزكاة، ويساهم في العديد من الفرائض الأخرى كالحج الذي تتوقف فرضيته على الاستطاعة المالية، وكالجهاد في سبيل الله الذي يحتاج للمال في إقامته (العدّة والعتاد) إضافةً إلى الصدقة والإنفاق في الحق والخير ومنفعة العباد والبلاد، يقول صلى الله عليه وسلم : “لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا” رواه البخاري.
من مظاهر حفظ المال في الإسلام نجد :
- كتابة الدين لحفظ الحقوق، قال تعالى ” يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ” (البقرة، 282)
- النهي عن أكل الأموال بالباطل، قال تعالى ” وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” (البقرة، 188)
- النهي عن إتيان المال للسفهاء، إذ يقوم القائم على أموالهم بحفظها ورعايتها والإنفاق عليهم منها، يقول تعالى ” وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَـٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً” (النساء،5)
ومن أهم الوسائل التي شرعت لحفظ المال :
- منع الإعتداء على أموال الناس بطرق غير مشروعة :تحريم السرقة، الرشوة.
- تحريم تبذيرالمال ولو في المباح المشروع. (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين..)
- تحريم الربا. (يأيها الذين آمنوا لا تاكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون)
فلنتق الله في أموالنا وفي أموال الآخرين، كسبا واستهلاكا وإنفاقا وفي معاملاتنا أفرادا ومؤسسات فإن الله سائل كل إنسان عن ماله فيما اكتسبه وفيما أنفقه.
خاتمة
إن مقاصد الشريعة قد قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام : وهي ليست على درجة واحدة وإنما مرتبة حسب أهميتها وقوتها وأثرها في نظام العالم فتأتي : مقاصد ضرورية تليها مقاصد حاجية ثم مقاصد تحسينية. يعني أن إذا اختل نظام العالم شاعت الفوضى والفساد بين الناس فوقعوا في الحرج والمشقة ،فيخرجون عما تستحسنه العقول السليمة. ومنه فإن الضروري هو أصل الحاجي والتحسيني فبحفظه لابد من حفظ الكليات الخمس أي حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل، وحفظ المال وبهذا يحصل الفوز في الدارين.