ناديتُ قومي (قصيدة)
بقلم: الدكتور سمير العمري
ما كنت يوماً ممن يحب المعارضات أو يميل لها ، وما فعلتها قبل اليوم إلا مرة حين عارضت نونية ابن زيدون بإلحاح ممن نحب ونقدر وبشروطهم. واليوم أعود معارضاً للمرة الثانية بناء على طلب ملح من أحبة نقدرهم ونحترمهم ولا نطيق لطلبهم رداً وهي معارضة لا أحسبها إلا الأخيرة .
أعود هنا بوعدين قطعتهما ، وعد شكر ووعد شعر. أما وعد الشكر فهو اجتهاد الحرف شعراً أن يوفي بعض ما أفاض به علينا من الود أهل عهد. وأما وعد الشعر فهو هذه القصيدة المعارضة لأعظم شعراء العربية في أجمل قصائده تلك القصيدة التي اختار الكثير من الأحبة أن أعارضها ومنذ سنين. أرجو أن أكون عند حسن الظن ، وإلا فاعذروا قصور مجتهد.
إِنِّـــي أَمَــرْتُــكَ فَــاصْــدَعْ أَيُّــهَــا الــقَلَمُ
أَنَــا الــكَلامُ وَغَــيرِي فِــي الــوُجُودِ فَمُ
أُكْــتُــبْ وَسَــطِّــرْ وَفَــجِّــرْ كُــلَّ قَــافِيَةٍ
وَابْــذُلْ مِــنَ الحَرْفِ مَا لا تَبْذُلُ الدِّيَمُ
أُكْــتُبْ فَــإِنَّ الــمَصَابِيحَ الــتِي ائْــتَلَقَتْ
عَــلَــى الــزَّمَــانِ سَــتَــخْبُو ثُـــمَّ تَــحْــتَدِمُ
وَتَــبْزُغُ الــشَّمْسُ فِــي كَــانُونَ سَــاطِعَةً
تُــذِيبُ صَــخْرَ الــذِي بِــالصَّيفِ يَــعْتَصِمُ
إِنِّــي أَنَــا الغَيثُ فِي عَصْرِ الجَفَافِ وَفِي
جَــدْبِ الــمَوَاسِمِ إِنِّي الخَصْبُ وَالأَجَمُ
لِــي فِــي دُجَــى الرَّأْيِ قِنْدِيلٌ وَلِي لُغَتِي
وَلِــي عَــلَى الــحَرْفِ إِكْــلِيلٌ وَلِــي حُلُمُ
قِــيثَارَتِي مِــنْ هَدِيلِ الرُّوحِ قَدْ عَزَفَتْ
نَــجْوَى الــفُؤَادِ الــذِي بِــالقَسْوَةِ اتَّهَمُوا
وَرحْــلَتِي فِــي بُــرُوجِ الــشَّوْقِ مَا فَتِئَتْ
فِــي غُــرْبَة الــدَّرْبِ مِــعْرَاجًا لِــمَا بَجَمُوا
مَــا زِلْــتُ أَدْفَــعُ عَــنْ دَهْرِي وَيَدْفَعُنِي
حَــــتَّــى الــتَــقَــيْتُكَ وَالأَيَّـــامُ تَــلْــتَطِمُ
يَــا مَــنْ دَعَــانِي إِلَيكَ الرِّفْقُ فَازْدَلَفَتْ
مِــنِّــي الــمَشَاعِرُ مَــا لا يُــنْصِفُ الــكَلِمُ
أَتَــيْــتُكَ الــيَوْمَ أَقْــوَى حَــرْفُ نَــاظِمِهِ
فَــكَــانَ مِــنْكَ إِلَــيكَ الــحَرْفُ يَــنْتَظِمُ
أَتَــيــتُ أَلْــتَــزِمُ الإِنْــسَــانَ فِـــي رَجُــلٍ
وَإِنَّ مِــثْــلَــكَ فِــــي الــحَــالَــينِ يُــلْــتَزَمُ
إِنْ قَــامَ يَــعْذِلُ حُبِّي بَعْضُ مَنْ جَهِلُوا
فَــلَــيْتَهُمْ لِــمَــعَانِي الــحُــبِّ قَـــدْ فَــهِمُوا
وَلَــيْــتَهُمْ بِــوَفَــاءِ الــعَــهْدِ قَـــدْ عَــمِــلُوا
وَلَــيْــتَهُمْ بِــعَــظِيمِ الــقَــدْرِ قَـــدْ عَــلِــمُوا
وَكَــيْفَ لا أَصْــحَبُ الــمَحْمُودَ فِــي خُلُقٍ
مَـــنْ لا تُـــذَمُّ لَـــهُ كَــفٌّ وَلا قَــدَمُ
هَــذِي يَــمِينِي بِــصِدْقِ الــعَهْدِ أَبْــسُطُهَا
فَــابْسُطْ يَــمِينَكَ لا هَــانَتْ بِــكَ الذِّمَمُ
يَـــا كَــاتِــبًا أَثْــمَــلَتْ رُوحِـــي يَــرَاعَتُهُ
وَهَــيَّــجَــتْنِي مَــــعَــانٍ دَأْبُــهَــا الــقِــمَمُ
بَعْضُ الحُرُوفِ عَنِ الكُتَّابِ قَدْ جَمَحَتْ
وَحَــرْفُــكَ الــخَيْلُ فِــي أَشْــدَاقِهَا الــلُجُمُ
أَوْرَدْتَــهَــا مِــنْ نَــقَاءِ الــنَّفْسِ مَــوْرِدَهَا
فُــكُــلُّ حَـــرْفٍ بِــصَــافِي الــوُدِّ يَــبْتَسِمُ
كَــــأَنَّ وَجْــهَــكَ وَالآفَـــاقُ جَــافِــيَةٌ
بَـــدْرُ الــمَكَارِمِ قَــدْ خَــرَّتْ لَــهُ الــظُلَمُ
فَــمَــا يَـــزَالُ مِـــنَ الإِحْــسَاسِ بَــاقِيَةٌ
أَنْ كَـــانَ سَــمْــتُكَ بِــالإِحْسَانِ يَــتَّسِمُ
يَــا مَــنْ يُــحَدِّثُّ عَــنْ فَــضْلِي وَيَذْكُرُنِي
بِــمَــا تَــنُــوءُ بِـــهِ عَـــنْ حَــمْــلِهِ الأُمَــمُ
لَــمْ يَشْفِ لِي فِي الوَرَى رِيقًا عَلَى ظَمَأٍ
مِــثْلُ الــوَفَاءِ ، وَأَنْــتَ الــكَوْثَرُ الــشَّبِمُ
مَــتَــى رَأَيْـــتُ وَفَـــاءَ الــمَــرْءِ صَــاحِبَهُ
فَــقَــدْ رَأَيْـــتَ دُمُــوعَ الــعَيْنِ تَــنْسَجِمُ
وَإِنْ تَــــنَــــكَّــرَ أَقْــــــوَامٌ لِــعَــهْــدِهُــمُ
فَــــلا يَــسُــؤْكَ عَــلَــى فُــرْقَــاهُمُ نَـــدَمُ
وَدَعْ أَسَـــاكَ عَــلَى آَثَــارِ مَــنْ غَــدَرُوا
فَــالــجُــرْحُ يَــنْــزِفُ حِــيْــنًا ثُـــمَّ يَــلْــتَئِمُ
كَــمْ كُــنْتُ أَعْــذُرُ مَنْ جَافَى وَأَحْفَظُهُ
وَكُــنْــتُ أَجْـــزَعُ إِنْ أَوْدَى بِـــهِ أَلَــمُ
فَــهَــمَّ بِـــي وَعُــيُونُ الــكِبِرِ شَــاخِصَةٌ
وَذَمّ بِــــي وَلِــــسَــانُ الــحِــقْدِ يَــنْــتَقِمُ
وَكُــلَّــمَــا زَادَ نُــصْــحِــي زَادَ مَــعْــصِيَةً
وَكُــلَّــمَا عَـــادَ عَــفْــوِي عَــادَهُ الــسَّقَمُ
تَــعِفُّ نَــفْسِي عَــنِ الإِسْــفَافِ تَــكْرِمَةً
فَــــمَــا تَـــرُدُّ عَــلَــى فُــحْــشٍ وَتَــحْــتَشِمُ
وَلَــيْــسَ أَقْــتَلُ لِــلنَّفْسِ الــحَقُودَةِ مِــنْ
حِــلْــمِ الــكَــرِيمِ عَــلَــيْهَا حَــينَ تَــضْطَرِمُ
خَــابَتْ ظُــنُونُ رِفَــاقٍ ضَــيَّعُوا وَسَــعَوا
فِــي شَــرِّهِمْ وَهَــفَتْ أَحْــلامُهُمْ وَعَــمُوا
بِــئْــسَ الأَمَــانِــيُّ مَــا مَــنَّوا بِــهِ خَــتَلا
وَشَـــاهَ وَجْــهُ هَــوَاهُمْ بِــالذِي وَهَــمُوا
وَمَــا دَرَوا أَنَّ فَــضْلِي سَــوفَ يُعْجِزُهُمْ
مُــكَــذَّبِينَ بِــمَــا فِـــي زَعْــمِــهِمْ زَعَــمُــوا
سَــيَــعْلَمُ الــدَّهْــرُ أَيَّ الأَكْــرَمِــينَ أَنَــا
وَيَــعْــلَمُ الــدَّهْــرُ أَيَّ الأَمْــكَــرِينَ هُـــمُ
أَنَـــا الـــذِي أَفْــهَــمَ الــجَوْزَاءَ مَــنْطِقَهُ
وَأَلْــهَــمَ الــطَّيْرَ كَــيْفَ الــشَّدْوُ وَالــنَّغَمُ
مَــا زِلْــتُ أُفْصِحُ عَنْ دَأْبِي وَعَنْ أَدَبِي
بِــالــفِكْرِ وَالــشِّــعْرِ ذَا عَــيْنٌ وَذَاكَ فَــمُ
وَإِنْ جَــنَــيْتُ قُــطُوفَ الــحَرْفِ عَــالِيَةً
أَحْــنَــى الــبَــيَانُ جَــبِيْنًا وَانْــحَنَى الــقَلَمُ
الــعَزْمُ وَالــحَزْمُ وَالإِقْــدَامُ مِــلْكُ يَــدِي
وَالــعِــلْمُ وَالــحِــلْمُ وَالإِكْـــرَامُ وَالــقِــيَمُ
وَالــشَّــمْسُ تَــعْــرِفُ أَنِّـــي نِــدُّهَا أَلَــقًا
وَتَــعْرِفُ الأَرْضُ أَنِّــي الــنَّجْمُ وَالــعَلَمُ
إِنْ لَـــمْ يَــبِنْ لَــهُمُ قَــدْرِي فَــلا عَــجَبٌ
لا يَــرْفَــعُ الــقَدْرَ مَــنْ لا تَــرْفَعُ الــشِّيَمُ
وَلَــيْسَ يُــنْصِفُ مَنْ يَعْشُو إِلَى غَرَضٍ
وَلَــيْسَ يَــحْصُفُ مَــنْ فِــي قَــلْبِهِ صَــمَمُ
أَسْــرَجْتُ مِــنْ صَــهَوَاتِ الــعِزِّ رَاحِلَتِي
وَسِــرْتُ أَبْــحَثُ حَــتَّى ابْــيَضَّتِ الــلِمَمُ
نَــادَيْــتُ قَــوْمِي فَــلَبَّى كُــلُّ ذِي أَرَبٍ
مِـــنَ الــكِــرَامِ وَأَقْــعَى الــحَاقِدُ الــقَزَمُ
نُــــقِــيــمُ دَوْلَــــةَ إِنْــــسَــانٍ دَعَــائِــمُــهَا
الــجِــدُّ وَالــمَــجْدُ وَالأخْـــلاقُ وَالــكَــرَمُ
بِــــوَاحَــةٍ لِــلــكِــرَامِ الــصِّــيدِ مَــنْــهَجُهَا
فَــالــجُــودُ يَــــبْــذُلُ وَالــعَــلْيَاءُ تَــسْــتَهِمُ
تَــبْــلُو الــعَــزَائِمُ أَقْـــدَارَ الــرِّجَــالِ بِــهَا
فَــكُــلُّ قَـــدْرٍ إِلَـــى الإِنْــجَــازَ يَــحْــتَكِمُ
وَقَـــالَ قَــوْمٌ: هُــمُ الأَشْــرَارُ فَــارْتَحِلُوا
وَقَـــالَ قَـــوْمٌ: هُـــمُ الأَبْــرَارُ فَــالْتَزِمُوا
وَمَــا عَــلَى الــسَّادَةِ الأَحْرَارِ إِنْ خَبُثَتْ
بَــعْــضُ الــنُّفُوسِ وَفِــيهَا أَنْــتَنَ الــوَخَمُ
لِــئِنْ سَــقَانِي الــوَرَى غِــسْلِينَ مَا مَكَرُوا
فَـــإِنَّ كَــوْثَــرَ صَــفْــحِي سَــائِغٌ لَــهُمُ
وَلَــسْتُ أَنْــكُثُ صِدْقَ العَهْدِ إِنْ نَكَثُوا
وَلَــسْتُ أَصْــرِمُ حَــبْلَ الوُدِّ إِنْ صَرَمُوا
وَإِنْ تَــجَــهَّمَ أَحْــبَــابِي فَــلَــسْتُ لَــهُــمْ
إِلا كَــيُــوسُفَ لِــلإِخْــوَانِ إِذْ ظَــلَــمُوا
وَكُــلَّــمَا آنَــسُــوا فِــي الــقَلْبِ حُــظْوَتَهُمْ
قَــالُــوا: الــذِي بَــيْنَنَا مَــاءٌ وَقُــلْتُ: دَمُ
إِنِّــــي لأَطْــــلُــبُ لــلــدُّنْــيَا وَتَــطْــلــبُنِي
وَأُكُــــرِمُ الــــعُــذْرَ لِــلــبَــاغِي ويَــتَّــهِمُ
كَــأَنَّــنِــي إِذْ حَــبَــانِــي مِـــنْ نُــبُــوءَتِهِ
وَحْـــيُ الــبَيَانِ تَــجَنَّى الــخَصْمُ وَالــحَكَمُ
مَــاذَا ابْــتِعَاثُ فَــرَاشَاتِ الــمُنَى رُسُــلا
إِنْ كَـــانَ رَبَّ الــهَوَى لــلأُمَّةِ الــسَّأَمُ
وَمَـــا احْــتِــرَاثُ أَزَاهِــيرِ الــنُّهَى وَعَــلَى
وَجْـــهُ الــحَــقِيقَةِ وَجْـــدُ الــحَقِّ يَــرْتَسِمُ
لا تَــحْسَبَنَّ الــطُّيُورَ الــصَّادِحَاتِ عَــلَى
سُـــوقِ الــسَّــنابِلِ تُــغْــنِي وَهْــيَ تَــغْتَنِمُ
يَــجْرِي الــقَضَاءُ بِمَا نَهْوَى فَإِنْ كَدُرَتْ
عَــيْــنُ الــزَّمَــانِ أَتَـــى الــمُغْتَرُّ مَــا يَــصِمُ
وَالــعَاقِلُ الــحُرُّ لا يَغْشَى الأَذَى حَرَضًا
إِنَّ الــلُــيُوثَ لَــهَــا مِـــنْ أَمْــرِهَا شَــمَمُ
مَـــنْ ظَـــنَّ أَنَّ بِــنَاءَ الــمَجْدِ فِــي دَعَــةٍ
بِــالأُمْــنِــيَاتِ ، سَــيُــبْنَى ثُـــمَّ يَــنْــهَدِمُ
وَمَـــنْ تَــتَــبَّعَ أَسْــبَابَ الــعُلا وَمَــضَى
فَــسَــوْفَ تَــتْــبَعُهُ الــسَّــادَاتُ وَالــخَدَمُ
هَـــذَا شُــعُــورِي يَــصُوغُ الــدُّرُّ أَحْــرُفَهُ
شِــعْــرًا يَــبُزُّ الــذِي فِــي الأَعْــيُنِ الــهَرَمُ
فَــكَــانَ أَنْــصَــعَ نِــبْــرَاسٍ لِــمَــنْ نَــثَرُوا
وَكَـــانَ أَسْــطَــعَ مِــقْيَاسٍ لِــمَنْ نَــظَمُوا
وَسَــوْفَ يَــذْكُرُ شِــعْرِي الــفَذَّ جَــاحِدُهُ
وَسَــوْفَ يَــشْكُرُ فِــكْرِي الــجِنُّ وَالــنَّسَمُ