كيف ندعو للإسلام في خمس دقائق
كيف ندعو للإسلام في خمس دقائق/ د. بدوي بيرقدار
كيف ندعو للإسلام في خمس دقائق
بقلم: د. بدوي بيرقدار
قلت لصاحب لي ممن جاءوا يشجعون فريقا كرويا في كأس المونديال الذي تنظمه دولة قطر وهو يحاورني: لو كنتَ في طريق وقُدِّر لك أن تدعو رجلا لم يسمع عن الإسلام شيئا : فقال لك إن لديه دقائق معدودات، يريد أن يفهم فيها ما الاسلام، فكيف تُفهمه الإسلام في دقائق؟؟. قال : “هذا مستحيل، ولا بد له أن يدرس التوحيد والتجويد، والتفسير والحديث والفقه والأصول، ويدخل في مشاكل ومسائل، لا يخرج منها في خمس سنين”. قلت: “سبحان الله …أما كان الأعرابي يقدُم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلبث عنده يوما أو بعض يوم، فيعرف الإسلام ويحمله إلى قومه، فيكون لهم مرشدًا ومعلمًا، ويكون للإسلام داعيًا ومُبَلِّغا؟ وأبلغ من هذا، أما شرح الرسول الدين كله (في حديث سؤال جبريل) بثلاث جمل، تكلم فيها عن: الإيمان والإسلام، والإحسان؟ فلماذا لا نشرحه اليوم في ساعة أو أقل؟
فما الإسلام؟ وكيف يكون الدخول فيه والانتساب إليه؟
كل حزب من الأحزاب الخيرة والشريرة، وكل نحلة من النحل الصحيحة والباطلة، وكل جمعية من الجمعيات النافعة والضارة، لكل ذلك (مبادئ) وأسس فكرية، ومسائل عقائدية تحدد غايتها وتوجه سيرها، وتكون كالدستور لأعضائها وأتباعها
ومن أراد أن ينتسب إلى واحدٍ منها، نظر أولا إلى هذه (المبادئ)، فإن ارتضاها واعتقد صحتها، وقبل بها بفكره الواعي وبعقله الباطن، ولم يبق عنده شك فيها، طلب (الانتساب) إلى الجمعية. فانتظم في سلك أعضائها ومتبعيها، ووجب عليه أن يقوم بالأعمال التي يلزمه بها دستورها، ويدفع رسم الاشتراك الذي يحدده نظامها، وكان عليه (بعد ذلك) أن يدل بسلوكه على إخلاصه لمبادئها، فيتذكر هذه المبادئ دائما، فلا يأتي من الأعمال ما يخالفها، بل يكون بأخلاقه وسلوكه، مثالا حسنا عليها، وداعيةً فعليًّا لها.
فالعضوية في الجمعية هي: (علم) بنظامها، و (اعتقاد) بمبادئها، و (إطاعة) لأحكامها، و (سلوك) في الحياة موافق لها. هذا وضع عام، ينطبق على الإسلام. فمن أراد أن يدخل في دين الإسلام عليه
- أولا:
أن يقبل أسسه العقلية، وأن يصدق بها تصديقا جازما، حتى تكون له (عقيدة). وهذه الأسس تتلخص في أن يعتقد أن هذا العالم المادي ليس كل شيء، وأن هذه الحياة الدنيا ليست هي الحياة كلها. فالإنسان كان موجودا قبل أن يولد، وسيظل موجودا بعد أن يموت، وأنه لم يُوجِدْ نفسَه، بل وُجِدَ قبل أن يعرفَ نفْسَه، ولم تُوجِدْه هذه الجماداتُ من حوله، لأنه عاقل وهي لا عقل لها، بل أوجده وأوجد هذه العوالم كلها من العدم إلهٌ واحدٌ، هو وحده الذي يحيي ويميت، وهو الذي خلق كل شيء، وإن شاء أفناه، وذهب به، وهذا الإله لا يشبه شيئا مما في العوالم، قديم… لا أول له، باق.. لا آخر له، قادر.. لا حدود لقدرته، عالم… لا يخفى شيء عن علمه، عَدْلٌ ولكن لا تقاس عدالته المطلقة بمقاييس العدالة البشرية، هو الذي وضع نواميس الكون التي نسميها (قوانين الطبيعة)، وجعل كل شيء فيها بمقدار، وحدد من الأزل جزئياته وأنواعه، وما يطرأ عليه (على الأحياء وعلى الجمادات) من حركة وسكون، وثبات وتحول، وفعل وترك. ومنح الإنسان عقلًا يحكم به على كثير من الأمور، التي جعلها خاضعة لتصرفه. وأعطاه عقلا يختار به ما يريد، وإرادة يحقق بها ما يختار. وجعل بعد هذه الحياة المؤقتة حياة دائمة في الآخرة، فيها يكافَأُ المحسن في الجنة، ويُعاقَب المسيء في جهنم.
وهذا الإله واحد أحد، لا شريك له يُعبد معه، ولا وسيطَ يقرب إليه ويشفع عنده بلا إذنه، فالعبادة له وحده خالصة، بكل مظاهرها.
هذا الإله الخالق له مخلوقات مادية ظاهرة لنا، تدرك بالحواس، ومخلوقات مُغَيَّبة عنا، بعضها جماد وبعضها حي مكلف، ومن الأحياء المغيبة عنا ما هو خالص للخير المحض، (وهم الملائكة)، ومنها ما هو مخصوص بالشر المحض (وهم الشياطين)، وما هو مختلط، منه الخير والشرير، والصالح والطالح (وهم الجن).
هذا الإله يختار ناسا من البشر، ينزل عليهم الملَكُ بالشرع الإلهي ليبلغوه البشر، وهؤلاء هم الرسل. الذين جاءوا بشرائع تتضمنها كتب وصحائف أنزلت من السماء، ينسخ المتأخر منها ما تقدمه أو يعدله. وأن آخر هذه الكتب هو القرآن، وقد حُرِّفَتْ الكتبُ والصحفُ قبله، أو ضاعت ونسيت، وبقي هو سالما من التحريف والضياع، وآخر هؤلاء الرسل والأنبياء هو محمد بن عبد الله العربي القرشي، ختمت به الرسالات، وبدينه الأديان، فلا نبي بعده.
فالقرآن هو دستور الاسلام، فمن صدق بأنه من عند الله، وآمن به جملة وتفصيلا، سمي (مؤمنا).
- ثانيا:
الإيمان بهذا المعنى، لا يطلع عليه إلا الله، لأن البشر لا يشقون قلوب الناس ولا يعلمون ما فيها، لذلك وجب عليه ليعده المسلمون واحدا منهم، أن يعلن هذا الايمان بالنطق بلسانه بالشهادتين. وهما: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله”. فإذا نطق بهما صار مسلما، أي: (مواطنا) أصيلا في دولة الاسلام، وتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها المسلم، وقبل بالقيام بجميع الأعمال التي يكلفه بها الإسلام.
وهذه الأعمال (أي العبادات) قليلة، سهلة، ليس فيها مشقة بليغة، ويستطيع أي إنسان أداءها دون حرج أو مشقة.
أولها: أن يركع في الصباح ركعتين يناجي فيهما ربه، يسأله من خيره، ويعوذ به من عقابه، وأن يتوضأ قبلهما أي يغسل أطرافه، أو يغسل جسده كله (إن كانت به جنابة).وأن يركع في وسطه أربعا، ثم أربعا، وأن يركع بعد غياب الشمس ثلاثا، وفي أول الليل أربعا عند غياب الشفق الأحمر.
هذه هي الصلوات المفروضة، لا يستغرق أداؤها كلها نصف ساعة في اليوم، لا يشترط لها مكان لا تؤدى إلا فيه، فالأرض كلها تصح أن تكون مكانا لهذه العبادة، ولا يشترط لها شخص معين (أي رجل دين) لا تصح إلا معه، فلا واسطة فيها (ولا في العبادات كلها) بين المسلم وربه.
الثاني: أن في السنة شهرًا معينا، يقدم فيه المسلم فطوره، فيجعله في آخر الليل بدلا من أن يكون في أول النهار، ويؤخر غداءه إلى ما بعد غروب الشمس، ويمتنع في النهار عن الطعام والشراب ومعاشرة النساء، فيكون من ذلك شهر صفاء لنفسه، وراحة لمعدته، وتهذيب لخلقه، وصحة لجسده، ويكون هذا الشهر مظهرا من مظاهر الاجتماع على الخير، والتساوي في العيش بين الفقراء والأغنياء.
الثالث: إذا فضل عن نفقات نفسه، ونفقات عياله، مقدار من المال محدود، بقي سنة كاملة لا يحتاج إليه، لأنه في غنى عنه، كلف أن يخرج منه بعد انقضاء السنة، مبلغ (2,5) في المئة، للفقراء والمحتاجين، لا يحس هو بثقلها، ويكون منها عون بالغ للمحتاج، وركن وطيد للتضامن الاجتماعي، وشفاء من داء الفقر، الذي هو من شر الأدواء، وتزكية لنفسه هو، ودليل على إحساسه بذوي الحاجات من إخوانه.
الرابع: أن الإسلام رتب للمجتمع الإسلامي اجتماعات دورية.
اجتماع بمثابة مجالس الحارات (الحارة: الشارع الصغير الذي يعيش فيه المسلم)، يعقد خمس مرات في اليوم، مثل حصص المدرسة، هو صلاة الجماعة، يوثق كل عضو فيه عبوديته لله بالقيام بين يديه، ويكون من ثماره أن يعين الأقوياء الضعيف، ويعلم العلماء الجاهل، ويسعف الأغنياء الفقير. ومدة انعقاده ربع ساعة، فلا يعطل عاملًا عن عملِه، ولا تاجرًا عن تجارته، وإذا تم الاجتماع وتخلف عنه مسلم فصلى في بيته، لم يعاقب على تخلفه ولكن فاته ثواب حضوره.
واجتماع لمجالس الأحياء (المنطقة السكنية التي تضم الشارع الذي يسكن فيه). يعقد مرة في الأسبوع، هو (صلاة الجمعة)، ومدة انعقاده أقل من ساعة وحضوره واجب على الرجال دون النساء رحمة بهن وأطفالهن وإن أحبت المرأة الحضور فلا بأس.
واجتماع كمجالس المدينة، يعقد مرتين في السنة، وهو (صلاة العيد) وحضوره ليس على سبيل الإلزام ومدة انعقاده أقل من ساعة.
واجتماع، هو كالمؤتمر الشعبي العام، يعقد كل سنة في مكان معين، هو في الحقيقة دروة توجيهية ورياضية وفكرية، يكلف المسلم بأن يحضره مرة واحدة في العمر، إذا قدر على حضوره، وهو (الحج الذي يكون إلى بيت الله الحرام في مكة، أول مكان نزل فيه الوحي على النبي الخاتم) وقد عد الإسلام هذا الاجتماع الركن الخامس من أركان الإسلام.
هذه هي (العبادات) الأصلية التي يكلف بها.
ومن العبادات: أن يمتنع عن أفعال معينة، أفعال يجمع عقلاء الدنيا على أنها شر، وأن الواجب الامتناع عنها، كالقتل بلا حق، والتعدي على الناس، والظلم بأنواعه، والمسكر الذي يغيب العقل، والزنا الذي ينتهك حرمة الأعراض، ويخلط الأنساب، والربا، والكذب، والغش، والغدر، والفرار من الخدمة العسكرية التي يراد منها إعلاء كلمة الله، ومنها (بل من أشدها) عقوق الوالدين، والحلف كاذبا، وشهادة الزور. وأمثال ذلك من الأعمال القبيحة الشريرة، التي تجتمع العقول على إدراك قبحها وشرها. وإذا قصر المسلم في القيام ببعض الواجبات، أو ارتكب بعض الممنوعات، ثم رجع (وتاب) وطلب العفو من الله، فإن الله يعفو عنه، وإن لم يتب فإنه يبقى مسلما معدودًا في المسلمين، ولكنه يكون (عاصيا) يستحق العقاب في الآخرة- إن لم يعفُ الله عنه- ولكن عقابه مؤقت، لا يدوم دوام عقاب الكافر.
إنكار المبادئ والعقائد:
أما إذا أنكر بعض المبادئ، أي العقائد الأصلية، أو شك فيها، أو جحد واجبًا مجمعا على وجوبه، أو حراما مجمعا على حرمته، أو أنكر ولو كلمة واحدة من القرآن، فإنه يخرج من الدين، ويعتبر مرتدا تنزع عنه الجنسية الإسلامية، والردة أكبر جريمة في الاسلام، فهي كالخيانة العظمى في القوانين الحديثة، جزاؤها -إن لم يرجع عنها، ويتنصل منها- الموت.
الذنب لا يخرج صاحبه من الملة:
وقد يترك المسلم بعض الواجبات، أو يأتي بعض الممنوعات، وهو معترف بالوجوب والحرمة، فيبقى مسلما ولكنه يكون (عاصيا) أما الايمان فلا يتجزأ، فلو آمن مثلا بتسع وتسعين عقيدة، وكفر بواحدة فقط، كان كافرا.
النفاق:
وقد يكون المسلم غير مؤمن، كمن انتسب إلى حزب أو جمعية، وحضر اجتماعاتها، ودفع اشتراكاتها، وقام بواجب العضو فيها، ولكنه لم يقبل بمبادئها، ولم يقتنع بصحتها، بل دخل فيها للتجسس عليها، أو إفساد أمرها. وهذا هو (المنافق) الذي ينطق بالشهادتين، ويؤدي العبادات ظاهرًا، ولكنه غير مؤمن بالحقيقة ولا ناج عند الله، وان كان عند الناس يعدُّ من المسلمين، لأن الناس لهم الظواهر، والله وحده مطلع على القلوب والسرائر.
من الإسلام إلى الإيمان والإحسان:
فاذا آمن الناس بالأسس الفكرية للإسلام، وهي التصديق المطلق بالله، وتنزيهه عن الشريك والوسيط، وبالملائكة، وبالرسل، وبالكتب، وبالحياة الأخرى، وبالقدر، ونطق بالشهادتين، وصلى الفرائض، وصام رمضان، وأدى زكاة ماله، إن وجبت عليه الزكاة، وحجَّ مرة في العمر إن استطاع، وفعل الواجبات المجمع على وجوبها، وامتنع عن المحرمات المجمع على حرمتها، فهو مسلم مؤمن، ولكن ثمرة الإيمان لا تظهر منه، ولا يُحِسُّ بحلاوته، ولا يكون مسلمًا كاملًا، حتى يسلك في حياته مسلك المسلم المؤمن. وقد لخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهاج هذا السلوك، بجملة واحدة، كلمة من جوامع الكلم، ومن أبلغ ما نطق به بشر. كلمة تجمع الخير كله، خير الدنيا، وما في عقبه من خير الآخرة. هي: أن يتذكر المسلم في قيامه وقعوده، وخلوته وجلوته، وجده وهزله، وفي حالاته كلها، أن الله مُطَّلِع عليه، وناظر اليه، فلا يعصيه وهو يذكر أنه يراه، ولا يخاف أو ييأس، وهو يعلم أنه معه، ولا يشعر بالوحشة وهو يناجيه، ولا يحس بالحاجة إلى أحد، وهو يطلب منه ويدعوه، فان عصى – ومن طبيعته أنه يعصي – رجع وتاب، فتاب الله عليه، كل ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم، في تعريف (الإحسان): “أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك”.
ذلك هو تعريف بالإسلام بعيدا عن مزالق الفلسفات وتعقيد الأيدلوجيات، وهذا هو الإسلام واضحا كالشمس في ضحاها ، جليلا جلاء القمر ليلة التمام إذا تلاها، يستطيع كل مسلم أن يبينه للناس جميعا وأن يأخذهم إليه بلا اعتساف ولا شطط، ولا وهم ولا غلط؛ ليكون ممن قال الله فيهم (( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين))