الميراث والوعد (3) سلسلة مقالات مقدسية
الميراث والوعد (3) سلسلة مقالات مقدسية/ بوشرى بوطيب
الميراث والوعد (3) سلسلة مقالات مقدسية
بوشرى بوطيب
تشتد على الأمة الشدائد، ويعيث المستكبر والمستبد في الأرض فسادا يعصف بالأرزاق، ويمنع الحقوق، ويظلم وينكل بالمستضعفين. ولا يزيد هذا الدين والمستمسكين به إلا صلابة وقوة، واستماتة يجلوها بشكل يومي واقع فلسطين وأبناء بيت المقدس المبارك في شموخ وإباء كمن يغرس الخنجر في ظهره، فينهض مثخنا ويقاوم، ثم ينهض ويقاوم إلى آخر رمق.
لأجل ماذا يستميتون وتراق الدماء سخية شاهدة مشهودة عند رب العالمين؟ هل هي الأرض، أم العرض، أم المسجد، أم الهوية، أم الدين؟
هو الإسلام دين الوحي المجيد المهيمن على كل الشرائع السابقة أخبرنا في القرآن أن الأرض لله يورثها لعباده الصالحين، وراثة استخلاف وإعمار بالصلاح وتحقيق العبودية لله عز وجل وإحقاق الحق ودحض الباطل . وإن الدفاع عن المقدسات والفطرة والذود عن قضية الأمة الكبرى بيت المقدس لهو من صميم بناء هذا العمران البشري المنشود بالصلاح. فخبر المفسدين المستكبرين في الأمم السابقة يعلمنا كيف تنتقم أيادي الغيب للضعفاء والمستضعفين بمعية رسل الله الكرام، وكيف يجعلهم الغالبين. يضرب سبحانه على يد إفساد الطاغوت فيكونون من المغرقين البائدين فينسفهم ربك نسفا شنيعا ليشفي صدور قوم مؤمنين.
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء: ( وكتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (الآية 105). وقبل أن نبحر في قارب كلام رب العالمين المنجي من ضلالات كل مفسد لا يؤمن بيوم الحساب، نتساءل هل يا ترى قد آن أوان صلاح هذه الأمة الممزقة بين أصقاع العالم لتستحق وراثة الأرض والمسجد الأقصى والعمران؟ أم هو القعود ترتضيه اتكالا على مدد الغيب وحده ليكشف عنها غمة انهزاميتها؟ أم هو جمود يرضى بالحياة الدنيا من الآخرة؟
انبعاث قومة الأمة المحمدية من سبات لتصلح ما أفسده البشرفي أرض الله عبر قرون الاستعمار والجبر والاستكبار والعلو الشنيع الذي اخترق فطرة الشعوب المسلمة، وأتى على بقية صلاح في العالمين، وعد في الكتب السماوية كلها حق ويقين غير مكذوب أن الأرض يعمرها كل صالح مصلح قد أتم عبوديته لله أمرا ونهيا ” وكتبنا في الزبور ” والزبور هو ” الكتاب زبرت أي كتبت وجمعه زبر وقال سعيد بن جبير هو التوراة والإنجيل والقرآن”[1]
وعد أزلي في وراثة الأرض واستحقاق سكناها وفق أقدار الله عز وجل وضع لها شرطا هو أن يعلو الحق ويزهق الباطل بسواعد المصلحين من أمناء وأحرار الأمة. سواء كانت الأرض هي ” أرض الجنة كما رواه سعيد ابن جبير “[2]، أو “أرض الدنيا” التي تفتحها أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “[3] بالدعوة والتبليغ عن ربها ورسولها، أو “الأرض المقدسة[4]” فالشرط واحد: تحقيق مراد الله من ابن آدم صلاحا وإصلاحا. وأكثر المفسرين يقولون: “أن المراد بالعباد الصالحين أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،” أهل الصلوات الخمس العابدين المطيعين “[5] كما قال ابن عباس. ونستبشر خيرا حين يرينا واقع فلسطين أمة من المرابطين والمرابطات ملازمين لمحاريب ومساطب المسجد الأقصى وساحاته لايبرحون. في مواجهات دائمة للاقتحامات الشرسة للاحتلال الغاشم، والتدنيس المستمر لبيت المقدس بصدور عارية. مجاهدون ومجاهدات بالنفس والوقت والجهد يتنسمون نفحات الفجر العظيم وتربية القرآن تلاوة وحفظا وتنفيذا، شهداء الدنيا والآخرة. أمة من الأمة، وطائفة في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس تنافح عن الحق لا تضرها لأواء تصيبها من العدو الصهيوني ظاهرين كما أخبرنا رسولنا الكريم صلوات ربي عليه وعلى أهله وصحبه أجمعين.
في الوحي خبر من سبق ونبأ من لحق ومثلات يتعظ بها إنسان الألفية الثالثة، كما حكى القرآن على لسان موسى عليه السلام: “إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده” (الأعراف128) وكانت صلوات ربي عليه وجهته بيت المقدس موليا ظهره لطاغوت فرعون. تتسلم أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمانة وعد الله عز وجل من غير نكث ولا نقض لميثاقه، يعلنه رب العزة إعلانا في قوله تعالى: “إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين” ( الأنبياء الآية 106) وعد “آن أوانه وجاء إبانه، فما جاء الإسلام وآمن الناس بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد بلغ البلاغ إليهم”[6] فهل من مطيع مبلغ عنه حتى يصلح أمر العباد بما صلح به أولهم؟. وصفهم رب العزة بالعابدين والعبودية عمل وخلق و” وقوف عند حدود الشريعة “[7] بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فميراث الأمة القرآن والنبوة، ووعده خاص لهذه الأمة، ومناطه تمام العبودية لله على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1]تفسير القرطبي
[2]تفسير ابن الجوزي
[3]نفسه
[4] نفسه
[5] تفسير القرطبي
[6] تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير
[7] التحرير والتنوير لابن عاشور