منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

التعليم العالي في المنطقة العربية واقع وتحديات 

التعليم العالي في المنطقة العربية واقع وتحديات /ذة. إلهام كميح

0

التعليم العالي في المنطقة العربية واقع وتحديات
ذة. إلهام كميح

باحثة في القانون ومهتمة بقضايا المرأة

تزود الجامعات سوق الشغل بالموارد البشرية الحاصلة على تكوين عال والمتخصصة في مختلف المجالات، ويساهم في التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي الوطني والعالمي، وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية للتعليم العالي، ليس فقط كميا من حيث عدد الخريجين، بل أيضا من حيث النوعية الجيدة لهؤلاء كرأسمال بشري مهم ومؤهل يؤدي دورا كبيرا في إحداث التنمية الشاملة وتخريج متخصصين قادرين على فهم ومواكبة التقدم العلمي والتطورات التقنية، فما هو واقع التعليم العالي بالعالم العربي؟ وماهي التحديات التي تواجهه؟ وماهي الآمال التي ينتظر منه تحقيقها؟

واقع التعليم العالي العربي

للتعليم العالي العربي تاريخ عظيم متمثل في الجامعات التاريخية التي أشعت من مدن عريقة وأصيلة كالقرويين والأزهر والزيتونة وقرطبة وإشبيلية، والتي خرجت العديد من العلماء بمن فيهم علماء الغرب، وهناك تباين واضح بين مختلف الجامعات العربية، فهناك جامعات عرفت تقدما سريعا وملحوظا في حين سجلت أخرى تراجعا واضحا في مستوياتها، وهذا ما يكشفه واقع التعليم العالي في العالم العربي، الذي يعرف تحديات وصعوبات كثيرة ومتعددة، لعل أبرزها تموقعه في صدارة الصراع الحضاري والهيمنة الدولية واحتكار المعرفة ومصادرها الحقيقية، التي تأخذ أشكالا سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية، زد على ذلك تحدي العولمة التربوية التي تدفع التعليم إلى الابتعاد عن دوره الحقيقي وتأدية رسالته التربوية والثقافية في ظل المحاولات المستميتة والمتواصلة للنيل من الهوية وتكريس التبعية والتقليد وازدواجية اللغة، كما أنه وبسبب غياب إنتاج معرفي وإبداع علمي أصيلين ومحليين تظل الجامعات العربية رهينة ما ينتجه الآخر حسب معاييره وقيمه وأهدافه، ويمكننا رصد عدد من التحديات تمثيلا لا حصرا:

• تحدي التزايد الديمغرافي فمعظم حاملي شهادة الباكلوريا في البلدأن العربية يتجهون للتعليم العالي كمخرج وحيد لحالتهم المادية.

• تحدي الإنفاق المالي الذي يتطلبه التعليم العالي لتحسين نوعيته وتجويد أدائه وحجم الميزانيات المرصودة له ورهانات الاستثمار فيه.

• تحدي البحث العلمي الذي يتناقص بشكل مستمر بسبب نقص التمويل المادي للجامعات والميزانيات الخاصة للتعليم عموما.

• غياب الدعم المعنوي والاحتضان النفسي مما يسبب هجرة معظم الكفاءات حيث يبلغ معدلها في المغرب مثلا سبعة عشر بالمائة.

• تحدي الهدر الجامعي الذي تبلغ كلفته في المغرب مثلا ثلاثة ملايير وسبعمائة مليون درهم سنويا.

• تحدي الفجوة الهائلة بين مخرجات الجامعات وسوق الشغل، فمعظم الخريجين عاطلين عن العمل أو يشتغلون في وظائف بعيدة عن تخصصهم.

• عدم استقرار النظام البيداغوجي وما يعرفه من محاولات تجريب تحت شعارات الإصلاح.

• تحدي الاكتظاظ بسبب عدم ملاءمة مخططات الدولة في إنشاء الجامعات للنمو الديمغرافي المجالي والجغرافي، أو بسبب سوء التوزيع خاصة في المسارات والشعب واسعة الولوج.

• مشاكل في التوجيه السليم مما ينتج عنه تغيير التخصصات من الثانوي إلى الجامعي، فمثلا عدد الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو باكلوريا العلوم والتقنيات يبلغ اثنان وخمسون بالمائة، لكن خمسة عشر بالمائة فقط منهم يلجون كليات العلوم بسبب صعوبات في لغة التدريس أو في مواكبة التعلمات.

طموحات وآمال

حسب الإحصاءات الرسمية تخرج المؤسسات الجامعية العربية سنويا مئات الآلاف من الجامعيين في مختلف العلوم والتخصصات، فمثلا في المغرب، تخرج في الموسم الجامعي 2020- 2021 حوالي 143 ألف طالب وطالبة، إلا أن الحكومات لم تقم بعد بما هو مطلوب منا بالشكل الكافي، لتغيير وتحسين جودة التعليم العالي في بلداننا، لذلك عليها أن تعمل بجد وتتحمل مسؤولياتها في تغيير هذا الواقع المأساوي من خلال اتخاذ عدة خطوات منها:

1] إحداث تغييرات جذرية على مستوى الاختيارات الاستراتيجية الكبرى، بالإجابة عن سؤال مركزي أي تعليم نريد ولأي مجتمع؟

2] إيجاد إرادة حقيقية لدى صناع القرار للنهوض بالمنظومة التعليمية عامة وبالتعليم العالي بشكل خاص بعيدا عن هواجس الضبط الأمني والسياسي.

3] ربط المنظومة التربوية والتعليمية بمقومات الأمة وهويتها المستمدة من أصول الثقافة العربية الإسلامية ومن خصوصيات مجتمعاتها وطموحاتها، من خلال تدقيق هوية التعليم ولغته وأهدافه مع الانفتاح على العالم.

4] الحسم في المنطلقات الفكرية والمرجعيات القيمية التي ينبغي أن تجعل الإنسان محور التربية والتعليم أولا وأخيرا.

5] تطوير البنيات الإدارية والتنظيمية والهيكلية وتحديثها لتساير العصر والتكنولوجيا الحديثة.

6] رصد مزيد من الميزانيات التعليم الجامعي والبحث العلمي، فما تنفقه الدول العربية على برامج التسليح والمكياج، يفوق بكثير ما يخصص للتربية والتعليم والبحث العلمي.
7] التنسيق بين احتياجات سوق العمل والحاجات الحقيقية للمجتمع، مع وضع استراتيجيات ودراسات تحدد متطلبات كل مرحلة، في استقلال تام عن إملاءات الاستثمار الأجنبي.

8] ضرورة القطع مع سياسات المخططات الاستعجالية والارتجالية فالتعليم العالي يستدعي تعبئة شاملة لكل مكونات الوطن وفق رؤية بعيدة المدى

9] تشجيع انفتاح الجامعة على محيطها السوسيو اقتصادي والثقافي، ومنحها أكبر قدر ممكن من الاستقلال المادي والقانوني والعلمي.

10] التخلي عن الوصاية السلطوية وجعل الجامعة فضاء لتكوين أطر الدولة المستقبلية وبناء شخصيات تمتلك الكفاءة والقدرة والثقة لاتخاذ القرارات.

يظهر أنه في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ الأمة، آن الأوان لوضع رؤية حقيقية حول التعليم العالي في منطقتنا، تأخذ في الاعتبار خصوصياتنا الحضارية والجغرافية، وترتب أولوياتنا وحاجاتنا لبناء إنسان مسلم عربي طموح ومتطلع، يستطيع المساهمة في نهضة العباد والبلاد، وفق وعي منسجم مع أبجديات هويتنا العربية والإسلامية، دون خضوع لهيمنة أو استلاب أنماط ثقافية مستوردة أو مفروضة، تقترح بدائل لما تفرضه الحداثة الفكرية والعولمة الاقتصادية والتنميط الثقافي في مختلف المجالات.

من صفحة نبراس:

https://www.facebook.com/Nibras63

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.