منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

(5) جهود علماء المسلمين في الرد على أهل الكتاب ـ الحسن بن أيوب(ت 378ه) ـ

الدكتور مصطفى العلام

0

(5) جهود علماء المسلمين في الرد على أهل الكتاب

ـ الحسن بن أيوب(ت 378ه) ـ

الدكتور مصطفى العلام

في هذه السلسلة المخصصة لتسليط الضوء على جهود علماء المسلمين في الرد على أهل الكتاب في المرحلة التاريخية الممتدة من القرن الثاني إلى القرن الرابع الهجري، وبعد حديثنا عن أبي عثمان الجاحظ، ننتقل للحديث عن شخصية أخرى غير معروفة، انتقلت من النصرانية إلى الإسلام، وألفت رسالة ترد فيها عن النصارى في قضايا عديدة، كما أبرزت فيها أيضا محاسن الإسلام التي اعتنقته، إنه الحسن بن أيوب(ت378ه).

ـ تعريف بالحسن بن أيوب(ت378): اتفق معظم الباحثين في الأديان على أن الحسن بن أيوب لم يكن معروفا، وكان  شخصية علمية لم تأخذ حظها من الشهرة ، فلا يعرف عنه سوى ما سجله ‘ابن النديم’ في ”الفهرست” أنه من المعتزلة الذين لا يعرف عنهم شيء سوى اسمهم، يقول عنه « الحسن بن أيوب من المتكلمين. وله من الكتب كتاب إلى أخيه علي بن أيوب في الرد على النصارى وتبيين فساد مقالتهم، وتثبيت النبوة»[1]. وكذلك ماسجله ابن تيمية (ت 727 هـ)  من أن ابن أيوب كان «أحد علماء النصارى ممن هداهم الله الإسلام بعد طول بحث وتفكير ، ومن ثم أورد ابن تيمية ما يقرب من خمس و أربعين صحيفة من الرسالة التي أرسلها إلى أخيه علي ابن أيوب يشرح له فيها سبب إسلامه وما في الإسلام من محاسن، وكذلك ما في النصرانية المحرفة من كفر وشرك .. » [2]. ثم يضيف شيخ الإسلام ابن تيمية في وصف إسلام الحسن بن أيوب قائلا: « هذا رجل أسلم عن اقتناع ، لإنعام نظر ، وطول بحث وتفكير استمر لأكثر من عشرين عاما ، ولم يكن إسلامه طمعا في شيء أو رغبة في تحصيل منفعة . فقد كان في نعمة وأهل ومستقر، ومجل وعز ومتصرف في عمل …فكان إسلامه عن نية صحيحة وسريرة صادقة ويقين ثابت . . . ». [3]

أما بخصوص السؤال المتداول بين الباحثين وهو لماذا تأخر إعلانه الإسلام والدخول فيه؟ فيجيب محقق الرسالة ‘محمود النيجيري’ في المقدمة بالقول : « وقد تبين أن الحسن كان يجيل الفكر في اعتناق دين الإسلام، ولكن أسبابا كانت تؤدي به إلى الإبطاء والتسويف، وهي:

1ـ إلف دينه السابق، وطول العهد عليه، وهذا سبب نفسي.

2ـ ارتباطه بأهل دينه السابق، وخصوصا أسرته، وأقاربه، وأحبابه، وجيرانه من النصارى، وهذا سبب اجتماعي.

3ـ السعي إلى مزيد من اليقين بدراسة القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل، والزبور، والتأمل في مقالات النصارى وعقيدتهم. وهذا سبب عقلي»[4].

ـ كتاب “أو رسالة ، الحسن بن أيوب : هذه الرسالة وجهها إلى أخيه ‘علي بن أيوب ‘ يشرح فيها سبب إسلامه ومحاسن الدين الجديد، ويجادل نصارى قومه ويرد عليهم في قضايا كثيرة كانت تثار حول الديانة النصرانية، وهذا ما أشار إليه ‘بن تيمية’ بالقول: «ومن هنا جاء جداله مع قومه السابقين قويا ، وذا حرارة إيمانية  متدفقة وثقة لا حدود لها، ساعده عليها معرفته التامة بعقائدهم واطلاعه الواسع على نصوصهم . ويتضح هذا – بصفة خاصة في نقده لعقيدتهم في تأليه المسيح إذ أورد كما كبيرا من النصوص التوراتية والإنجيلية  التي تنقض هذه العقيدة من أساسها وتثبت بشرية المسيح – عليه السلام – ونبوته . . ،وقد كانت هذه القضية بمثابة العمود الفقري للكتاب.والجزء الأساسي فيه »[5].

كما عرض ابن أيوب في رسالته – بإيجاز – عقائد  الفرق النصرانية الثلاث الكبرى واختلافاتهم في طبيعة ، المسيح وفي الأقانيم …وقد استنتج ‘ابن تيمية’ من خلال رسالة ‘الحسن بن أيوب’ أنه «كان نسطوريا ، لأن معظم حديثه موجه مباشرة إلى النساطرة[6]  ويتهكم من تكفيرهم الملكانية[7] واليعاقبة[8] مع أن حاصل عقائد الفرق الثلاث في الكفر ومناقضة العقل واحد»[9] .

ويتوسع ابن أيوب أيضا في تتبع ما يتشبث به النصارى لتأييد عقيدتهم في تأليه المسيح واتحاده بالله ـ تعالى ـ ، وهذا مايشير إليه ‘ د.ياسر أبو شبانة علي الرشيدي قائلا: « أفاض في ذكر ما تعلقوا به من نصوص وحجج متوهمة من قبيل : ظهور الخوارق الكثيرة على يديه، ووجود نبوآت كثيرة عنه عند الأنبياء السابقين ، وكونه من غير أب ، وظهور الخوارق على أيدي تلاميذه باسمه، إلى غير ذلك من الحجج التي فندها ابن أيوب الواحدة تلو الأخرى بمنهج علمي سديد ، يعتمد على مجادلة الخضم بما يؤمن به ويعتقد صحته»[10]  .

و بعد فراغه من عرض حجج النصارى والرد عليها، يتوجه الحسن بن أيوب إلى طائفته مخاطبا إياهم بالقول: «

وهذه الأسباب التي ذكرناها كلها هي الأسباب التي تتعلقون بها في نحلتكم المسيح الربوبية وإضافتكم إليه الإلهية ، وفد وصفناها على حقائقها عندكم وقبلنا قولكم ـ وإن كنا لا نشك في أن أهل الكتاب قد حرفوا بعض ما فيها من الكلام عن مواضعه ـ وأوجدناكم بطول ما تنتحلونه[11] وفساد ما تتأولونه من الكتب التي في أيديكم : التوراة ، والزبور، والأنبياء، والإنجيل.. فما الذي يثبت الحجة بعد ذلك لكم؟»[12].

ومن خلال هذا المنهج العلمي الجميل في الإفحام والإلزام الذي استعمله ‘الحسن بن أيوب’ في تعقيبه على النصوص التي استخرجها من الكتاب المقدس للتدليل على بشرية المسيح وعبوديته لله تعالى ، نستنتج بطلان عقائد النصارى في تأليهه . ثم بعد فراغه من إيراد هذه النصوص والاستشهاد بها يقول: « .. فهذا ما حضرنا من الآيات في تصحيح خلق المسيح وعبوديته وبطلان ما يدعونه من ربوبيته، ومثله كثير في الإنجيل لا يحصى، فإذا كانت الشهادات منه على نفسه، ومن الأنبياء عليه ، ومن تلاميذه بمثل ما بيناه في هذا الكتاب ، فإنما اقتصرنا على الاحتجاج عليكم من كتبكم ـ فما الحجة فيما تدعونه له؟ ومن أي جهة أخذتم ذلك ، واخترتم الكلام الشنيع – الذي يخرج عن المعقول ، وتنكره النفوس ، وتنفر منه القلوب ، الذي لا يصح بحجة ولا قياس ولا تأويل – على القول الجميل الذي تشهد به العقول ، وتسكن إليه النفوس»[13].

وفي الختام، فإن القيمة العلمية للكتاب وصاحبه بارزة للعيان، في منهجه وأسلوبه، وفي ألفاظه ومعانيه، مما جعل له تأثيرا كبيرا في المؤلفات اللاحقة، وهذا ما أشار إليه ‘ د.ياسر أبو شبانة علي الرشيدي’ قائلا:  «وأبرز مثالا على هذا التأثير يتجلى في منهج وأسلوب حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله في كتابه ” الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل »[14].


الهوامش

[1] الفهرست: محمد بن إسحاق النديم، دار المعرفة بيروت 1398ه/1978م، ص: 246.

[2] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني(ت728هـ)، المدني بالقاهرة ، بدون ، الجزء الثاني.

[3] المرجع نفسه، ص: 313-314.

[4] لماذا أسلمت؟ الحسن بن أيوب، أحد كبار علماء النصارى، تحقيق وتعليق محمود النيجيري(ماجستير في مقارنة الأديان)، مكتبة النافذة، ط1، 2006م، ص:9.

[5] يراجع : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج2، ص: 321-326 و334-338 و353-359

[6] النســـاطرة: تعود التسمية إلى نسطور بطريرك القسطنطينية سنة 428م وعٌرف عنه عمقه اللاهوتي الذي تعلمه في أنطاكية ،قد شدد كثيراً في تمييز الطبيعتين إلى درجة المبالغة التي جعلت البعض يفهم بأن هناك مسيحاً إلهياً وأخر بشرياً ، هذا المذهب يُعد بدعة تسمىّ بالنسطورية ( التي قسمت المسيح إلى جزئين جزء إلهي والأخر بشري).ينظر: المسيحية والحضارة العربية ، جورج شحاته قنواتي ، دار الثقافة ، القاهرة ص:39.

[7] الملكانية: ” تدُل هذه الكلمة على الروم الكاثوليك الذين ينتمون الآن إلى بطريركيات أنطاكية وأورشليم والإسكندرية.

هؤلاء يثلون أتباع قرارات مجمع خلقدونية وقد سمّوا بالملكيين لآن الملك البيزنطي تبنى قرارات المجمع ومن تبع هذا الملك صار ملكاني . وقد أعلنوا إيمانهم مع إيمان المجمع  الذي ينص على أن للمسيح طبعتيين واحدة إنسانية والأخرى إلهية متحدين معاً دون اختلاط ولا امتزاج ولاذوبان ولا تغير ولاانفصال بينهم ، ولا يمكن أن يكون هناك أي اختلاف بسبب الإتحاد الجوهري بين  الطبيعتين الأب والابن في جوهر واحد ، والابن واحد مع الأب في الجوهر ، وأنا والأب واحد” ينظر: موسوعة الأديان السماوية والوضعية ، الديانة المسيحية ، نُهى نجار ، دار الفكر اللبناني ، بيروت ، ص:176.

[8] اليعاقبة: “نشاْ المذهب اليعقوبي في عهد الملك يوستنسانوس الأول في القرن السادس الميلادي ، وينسب الاسم إلى يعقوب البرادعي أسقف مدينة الرها ، ويؤمن المذهب اليعقوبي بالقول بالطبيعة الواحدة في شخص يسوع المسيح  ، لكن المتكون من طبيعتين بدون اختلاط ولاامتزاج ، وهذا المفهوم للطبيعة الواحدة يختلف عن مفهوم ‘أوطيخا’ أيضاً حول الطبيعة الواحدة ، فيقول ‘أوطيخا’ بأن المسيح قبل التجسد كان له طبيعتين ( طبيعة إلهية – طبيعة بشرية)ولكن من بعد الاتحاد لم تبق فيه سوى طبيعة واحدة وهى الطبيعة الإلهية ، أما الإنسانية فقد ذابت في الإلهية وتلاشت تماماً كنقطة اللبن في المياه .” ينظر : موسوعة الأديان السماوية و الوضعية ، الديانة المسيحية ، نُهى نجار ، ص:132.

[9] يراجع : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح.ج2 ، ص:313ـ 314.

[10] جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس ـ من القرن الأول حتى القرن السابع الهجري ـ عرض ونقد: د.ياسر أبو شبانة علي الرشيدي، ص: 71.

[11] ـ هذه العبارة هكذا بالأصل، ومعناها غير واضح.

[12] ـ الجواب الصحيح  لمن بدل دين المسيح، ابن تيمية، ج2، ص:342.

[13] المرجع السابق ج2، ص:338

[14] جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس ـ من القرن الأول حتى القرن السابع الهجري ـ عرض ونقد: د.ياسر أبو شبانة علي الرشيدي، ص: 72-73.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.