منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الخطوات السبع لتحقيق الفرحة بالعيد | سلسلة خطبة الجمعة

الشيخ عبد الله بنطاهر التناني

0

الخطوات السبع لتحقيق الفرحة بالعيد | سلسلة خطبة الجمعة
بقلم: الشيخ عبد الله بنطاهر التناني

الحمد لله الذي العزيز الحميد، وهو سبحانه الفعال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله شرع لنا آدابا خاصة بالعيد، فأمر من أجل النظافة بالغسل واللباس الجديد، وفرض من أجل المواساة زكاة الفطر وصلة أرحام تبارك في العمر وتزيد، وشرع من أجل إصلاح النفس صلاة العيد، ومن أجل إصلاح الناس الخطبةَ بالقول السديد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المجيد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الشرف التليد، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الوعيد.

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

ها هو عيد الفطر قد حل أوانه، بعد أن استفدنا في مدرسة رمضان من دروس الصيام، وتربينا بنفحات التراويح والقيام، وبتسابيح الذكر والدعاء وتلاوة أحلى الكلام، تأتي تتويجا لكل ذلك فرحة العيد جزاء الإحسان والإكرام؛ والعيد لا يعني ترك العبادة، والخلود للكسل والفراغ؛ بل شرع فيه الإسلام عبادات خاصة به هي آداب العيد؛ وسنتطرق لها في هذه الخطوات(1) السبع:

● الخطوات الأولى: من آداب العيد إظهار الفرح والسرور:

لقد حث النبيﷺ على ذلك فقال: «إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا»؛ قالها لأبي بكر الصديق حينما أراد أن يمنع بنته عائشة زوجة النبيﷺ عن اللعب يوم العيد، وقالﷺ: «للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه»؛ ومن المعلوم أن جسم الإنسان يتفاعل مع الحالات النفسية لصاحبه؛ ترتفع مناعته حسب الفرحة وتَنْشَط، أو تنخفض وتُكْشَط؛ فقوة المناعة في الجسم عند الفرح والسرور ليس هي نفسها عند القرح والخوف من الشرور.

● الخطوة الثانية: من آداب العيد بعد صلاة الفجر الفطر بتمرة أو تمرات:

وذلك إيذانا بأن اليوم يوم العيد يحرم فيه الصيام؛ فقد كان النبيﷺ «يفطر على تمرات يوم عيد الفطر، قبل أَن يخرج إِلى الـمُصلَّى ويأكلُهنَّ وِتْرا»؛ وهذا يدخل ضمن التغذية، ومما يعتني به الإسلام حسن التغذية، يدعو إلى أجودها، ويختار المقادير المناسبة منها، ويحذر من الإسراف فيها؛ فقد ذكر الله تعالى: العسلَ شفاء للناس، واللبن الخالص السائغ للشاربين، وثمراتِ النخيل والأعناب، والطلحَ المنضود (أي الموز أو البنان) والماءَ المسكوب، والزرعَ مختلفا أكله، والتينَ والزيتونَ والرمانَ متشابها وغير متشابه؛ فقال سبحانه: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ}، وقال تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حِصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.

● الخطوة الثالثة: من آداب العيد الغسل واللباس الجديد:

لقد «كان رسول اللهﷺ يوم العيد يغتسل ويتنظف، ثم يلبَس أجود ما يجد من الثياب، ويتطيب بأجود ما يجد من الروائح الطيبة؛ روى الإمام مالك في الموطأ «أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يغتسل يوم الفطرِ قبل أن يغدو إلى المصلَّى»، وروى الحاكم عن أنس -رضي الله عنه- قال: «أمرنا رسول اللهﷺ في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد»؛ والنظافة هي الهدف الأسمى للإسلام، ليس في العيد فحسب؛ بل فرض على المسلم أن يكون نظيفا طيلة السنة كلها، فدعا لنظافة الأطراف بالوضوء، ودعا للغسل في كل أسبوع وعند الجنابة، وحث على تنظيف الفم والأسنان، وعلى الاستنجاء بالماء عند قضاء الحاجة، وعلى تنظيف الشوارع من الأزبال، والنصوص في ذلك كثيرة؛ منها: قول الله تعالى: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}؛ وقول النبيﷺ: «إذا اسْتَيْقَظَ أحدُكم من نومه فلا يَغْمِسْ يدَه في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يَدري: أين بَاتَتْ يدُه؟» وفي رواية: «أين كانت يَدُه تطوفُ؟»، وقولهﷺ: «السواك مطهرة للفم مرضات للرب»، وقولهﷺ: «حق على كل مسلم أن يغتسل كل جمعة يغسل رأسه وبدنه».

● الخطوة الرابعة: من آداب العيد إخراج زكاة الفطر:

وزكاة الفطر في الإسلام ليست مجرد دريهمات تدفع للفقراء وكفى؛ بل هي طهارة يقول الله تعالى فيها: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، ويقول النبيﷺ فيها: «طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين»؛ فهي بمنزلة إسعاف أولي سريع لما قد يحتاج إليه الفقير لتحقيق الفرح بالعيد، وقد أوجبها الله عز وجل على كل مسلم صغير وكبير ذكر وأنثى، وقلل قدرَها حتى يخرجها أكبر عدد ممكن، بحيث لا تتجاوز قيمتها عشرين دراهم لكل فرد، ورغم بساطتها وقلة قدرها تعد بالملايير؛ والأمة المسلمة اليوم تجاوزت المليار نسمة؟! فهي والله ثروة هائلة لو أحسنا استغلالها، لو نظمنا أخذها ودفعها.

● الخطوة الخامسة: من آداب العيد صلاة العيد والخطبة:

فالصلاة إصلاح للنفس لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، والخطبة إصلاح للناس لأنها مجلة إسلامية أسسها الرسولﷺ لينشد فيها المسلم الحلول لمشاكله، تستعرض واقعه فتعرضه على ميزان الشرع، ونوعيتها في الجودة تبنى على مدى دورها في التوعية؛ والتوعية عنصر أساس في إصلاح المجتمعات.

● الخطوة السادسة: من آداب العيد صلة الأرحام:

وصلة الأرحام بركة في الأرزاق، وزيادة في الأعمار؛ يقول النبيﷺ: «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه»؛ «وكان أصحاب رسول اللهﷺ إذا التقَوْا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم»، وصلة الأرحام كما تكون بالزيارات المباشرة وهي أفضل وأكثر أجرا، تكون أيضا بوسائل الاتصال عن بعد عبر المواقع الاجتماعية؛ فتكون التفقد عن بعد بالمكالمات، والاستفسار بالمراسلات؛ بل حتى الإحسان إلى المحتاج يكون عن بعد؛ فكثير من البنوك عندها برامج لتحويل الأموال إلى الغير عبر الهواتف المحمولة؛ زكوات وصدقات وصلات؛ فيجب أن يسعف الاغنياء الفقراء؛ خصوصا الفقراء الذين تربطهم بهم أواصر القرابة والعائلة؛ والنبيﷺ يقول: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثِنْتَانِ: صدقة، وصلة»؛ فهذه فرصه لمن أحب أن يحسن لنفسه؛ فالله تعالى يقول: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ}.

● الخطوة السابعة: من آداب العيد الذكر والدعاء:

والمسلم دائما يحتاج للدعاء؛ يقول النبيﷺ: «الدعاء هو العبادة» وفي رواية: «مخ العبادة»، والله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}؛ فإذا كان الدعاء مخَّ العبادة فإن الذكر هو روح العبادة؛ قالت أمنا عائشة -رضي الله عنها-: «كان رسول اللهﷺ يذكر الله على كل أحيانه»؛ ومن الأذكار الجاري بها العمل عند المغاربة في العيد: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد على ما هدانا، اللهم اجعلنا لك من الشاكرين).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ تلكم هي آداب العيد في هذه الخطوات السبع:

• منها ما هو نفسي يتعلق بالحالات النفسية؛ كإظهار الفرح والسرور بالعيد.

• منها ما هو غذائي يتعلق بحسن التغذية؛ مثل سُنَّة الفطور بعد صلاة الصبح يوم العيد.

• منها ما هو جسدي يتعلق بالالتزام بالنظافة؛ مثل الغسل واللباس الجديد.

• منها ما خيري وإحساني مثل صلة الأرحام وزكاة الفطر صباح العيد.

• منها ما هو تعبدي يتعلق بالعبادة؛ مثل الذكر والدعاء وصلاة العيد.

• منها ما هو توعوي مثل خطبتي العيد.

وكل ذلك نتعلمه من مدرسة العيد.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…


(1)- الخُطْوة بالضم: ما بين القدمين، والخَطْوة بالفتح: المرة الواحدة؛ فكلاهما صواب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.