منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

رسالة مفتوحة إلى المدخن|سلسلة خطبة الجمعة

الشيخ عبد الله بنطاهر التناني السوسي

0

رسالة مفتوحة إلى المدخن|سلسلة خطبة الجمعة

للشيخ عبد الله بنطاهر التناني السوسي

الحمد لله الذي حرم التدخين والسجارة، لما فيه من مظاهر التخلف والخسارة، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة نعوذ بها من نار وقودها الناس والحجارة، فتكون لذنوبنا مغفرة وكفارة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله حرم كل ما فيه خبث وقذارة، فامتازت شريعته بكمال الجمال والنضارة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الشجاعة في العسـر واليسارة، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم تكون فيه إلى القبور آخر الزيارة.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته…
إن شهر رمضان مدرسة؛ بل هو كلية تحتوي على عدة مدارس، وجامعة متعددة التخصصات والمجالس؛ فهو مدرسة دينية، وفقهية، واجتماعية، وأخلاقية، وصحية، وعسكرية، وتاريخية…
فتعالوا بنا اليوم نبدأ خطبة اليوم بسؤال يتعلق ببلاء التدخين: لماذا المدخنون لا يدخنون نهار رمضان؟ ما الذي يمنع المدخن إذا كان وحده من إشعال السجارة؟ بل ما الذي يمنع الصائم عموما إذا كان وحده في منزله أن يأكل ويشرب؟

أتدرون ما الذي يمنعه؛ إنها أربعة أمور نتعلمها من مدرسة رمضان، يحتاج إليها كل مدخن في عملية الإقلاع عن التدخين؛ وهي:

• أولا: الإيمان بالله تعالى؛ فلا ترتكب ما نهى عنه.

• ثانيا: مراقبة الله تعالى؛ وهي ذات شقين: أن تعرف أن الله تعالى يراقبك، فتراقبه أنت في أفعالك وأقوالك، فلا تفعل ما لا يُرضيه.

• ثالثا: الإرادة القوية التي تغلب الشهوة والنفس الأمارة.

• رابعا: الصبر الجميل الذي يربي فينا التحمل الطويل.

دعونا نقترب من المدخن لنوجه له رسالة مفتوحة، وقد يكون في هذه اللحظات يسمعنا، نقترب منه لنخاطبه مباشرة، لنتوجه إليه بقلوبنا قبل كلامنا، لنمد إليه يد المساعدة حتى ينقذ نفسه من هذه التعاسة، دعونا نقترب منه لنقول له:

أيها المدخن؛ يجب أن تعلم أننا نحبك جميعا؛ نحبك لأنك أولا إنسان، نحبك لأنك ثانيا مسلم؛ ولكننا نكره التدخين الذي تؤذي به نفسك وغيرك.

أيها المدخن؛ هل تعلم أن هذه السجارة تضر بالأجهزة الرئيسة في جسمك؛ تبدأ بإتلاف جهازك التنفسي، يبدأ السرطان يهدد لسانك، وقد يمتد إلى حنجرتك، أو إلى القصبة الهوائية في صدرك، أو إلى رئتك التي تمد بالأكسجين جسمك، ألا تشعر أن نبرات كلماتك قد تغيرت، وأن كُحَّات سعالك قد تتابعت وتكاثرت؟ وهل تدري أن كلامك لا يسمع منه إلا هرهرة غير مفهومة، وهرطقة غير واضحة؟ وهل انتبهت إلى جهازك الهضمي؟ فقد تغزو معدتك القرحات المؤلمة، وقد تنشأ في أمعائك منشآت التعفنات الخطيرة، ثم هل سألت عن مصير جهازك الدموي؟ ماذا يحدث بسبب التدخين لكليتيك؟ وما ذا عن شرايين قلبك التي تضخ الدماء في جسمك؟

أيها المدخن؛ هل تعلم أنك تبذر مالك لإفساد صحتك؛ فإنك بعملية حسابية بسيطة تجد أنك قد صرفت الملايين في الدخَان، أولادك وأهلك هم في حاجة لها في ملبسهم ومطعمهم، وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول! أما عن آثار التدخين الاقتصادية على الفرد والأسرة والأمة والإنسانية فحدث عن الفقر والإفلاس والدمار ولا حرج؛ بل إن الأسر الفقيرة التي فيها مدخن واحد يستهلك ثلث دخلها في التدخين، هذا المبلغ لو تحول إلى الأولاد فاكهة وغذاءً ولباسا وكساءً وضروريات تفتقر إليها الأسرة لكان مصدر الراحة والسعادة.

أيها المدخن؛ هل تعلم أن جميع عقلاء العالم قد اتفقوا؛ (التربويون والاقتصاديون وعلماء النفس وخبراء العلاقات العامة وعلماء الاجتماع، وقبلهم وبعدهم علماء الدين والأطباء)، اتفقوا جميعا على أن التدخين مضر؟ بل لا يوجد في العالم مدخن يقتنع بما يفعل، وهل تعلم أن التدخين هو الانتحار البطيئ بمعنى أنك تقتل نفسك شيئا فشيئا، والنبيﷺ يقول: «من تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا»؟

أيها المدخن؛ هل تعلم أنك تفسد دينك أيضا؛ يكفيك أن تعلم أن النبيﷺ يقول: «من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا هذا فإن الملائكة تتأذي مما يتأذى منه ابن آدم»، والتدخين والله أنتن من الثوم والبصل، أي دين يبقى لمن يؤذي الملائكة التي خلقها الله تعالى لخدمة الإنسان؟ وعلاوة على ذلك فإنك بالتدخين تتناول الحرام، ويكون في بطنك الحرام، والله تعالى لا يقبل عمل من كان في بطنه لقمة واحدة من الحرام أربعين يوما؛ وفي نهاية يومك بالصيام ترى الصائمين يفطرون على التمر والماء فيقولون: (بسم الله؛ اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)؛ فهل تستطيع أن تدعو بهذا الدعاء وأنت تفطر بالسجارة؟

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛

أيها المدخن؛ قد تكون السجارة في هذه اللحظات في جيبك، وقد تكون تركتها تنتظرك في سيارتك أو في بيتك، ونريد منك ألا تخرج من هذا المسجد بعد هذه الخطبة إلا وأنت عازم العزم القوي إلا وأنت تملك الشجاعة الإيمانية الكافية لتقطع صلتك بها، لترميها في إحدى حاويات النفايات في طريقك إلى منزلك، لتقول بعملك: لا للسجارة، لا للتدخين، لتقول لنفسك الأمارة: كفى تهورا، كفى تدهورا! نريد منك الصبر الجميل، نريد منك إرادة القوة وقوة الإرادة.
لا شك أنك الآن عزمت على الإقلاع، وقد ملكت الإقناع، إذن فلا يسعنا إلا أن نقول لك: {فإذا عزمت فتوكل على الله}، هيا بنا: اقتل التدخين قبل أن يقتلك، اقتلع عنه قبل أن يقْلَع عنك صحتك؛ وكل الحاضرين في هذا المسجد، وفي هذا اليوم المبارك، سيرفعون أكف الضراعة إلى الله تعالى من أجلك.
اللهم أعن كل مدخن على الإقلاع، اللهم أبعد عنه هذا الداء آمين

ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.