قراءة في كتاب: “زمن المؤنث”مجموعة قصصية للأديب المغربي مجيد فلوح
قراءة في كتاب: "زمن المؤنث"مجموعة قصصية للأديب المغربي مجيد فلوح/ محمد فاضيلي
قراءة في كتاب: زمن المؤنث
مجموعة قصصية للأديب المغربي مجيد فلوح
بقلم: محمد فاضيلي
صدر مؤخرا للأديب المغربي المبدع الأستاذ مجيد فلوح مجموعته القصصية الأولى بعنوان: “زمن المؤنث” مكونة من اثنتين وعشرين قصة.
يهمس في أذن القارئ قائلا:” إقبالي على الكتابة لم يكن تقديرا بل قدرا، لم يكن رغبة وإنما دفعة، لم يكن فكرا وإنما حبا..”[1]
دفعه القدر للكتابة عن المؤنث حبا فيمن سكن قلبه، واستوطنه، فاهتاج نبضه أدبا رفيعا راقيا، تقمص من خلاله ثوب الأنثى لينطق بلسانها ويخبر عن أحوالها محاولا محاكاتها عملا بنصيحة صديقته/ أخته الفيسبوكية القائلة: “عند محاكاة تفكير المرأة، احرص على أن تربط الفكرة بروابط عاطفية، فرائحة البحر لها ذكرى..الطريق..النسيم..صوت المطر..هذوء الليل..ضجيج النهار..المرأة تجعل من كل صوت ذكرى مميزة تدلف منها إلى ما يخالجها..”[2]
فنادى في القارئ الكريم بأعذب صوت:” سأتجول في الزمن لأنبئك عن بعض أخباره”[3]
فجاء “زمن المؤنث” الذي ليس له ابتداء ولا انتهاء، لأنه يعالج قضية الأنثى/المرأة التي تقاسم الرجل رحلة الحياة على ظهر البسيطة، وهم المصير بعد الموت..
على متن قاربه السردي الفاره، الآمن، والمريح، وبعد أن أعد العدة وهيأ الزاد اللازمين لسفر طويل ورحلة شاقة وماتعة، في محيطات ومحطات “زمن المؤنث” التي اعتبرها “رحلة واحدة وإن تعددت المحطات” ومن العدة حظه وزاده الوافران من الأدب وغصونه نثرا وشعرا، ثقافته المجتمعية الواسعة، حكمته الحكيمة التي اكتسبها من تجاربه في الحياة، درايته العالية بالمؤنث موضوع الدراسة، خياله الواسع ونفسه السردي العميق، وأسلوبه الأدبي الجميل..
يدعو الكاتب القاص الأديب الأريب مجيد فلوح القارئ للركوب معه، كي يتعرف على هذه المحطة الساحرة التي تختزل رؤية شاملة للمؤنث وصورة واضحة المعالم عن تقلباته وتجاذباته وصراعاته وتطلعاته، عن عظمته وشموخه وكبريائه، عن انكساراته وانهزاماته وانحطاطاته، عن حبه للظهور والتميز والتفوق، عن طموحاته وأمانيه وأحلامه التي ليس لها حدود، عن أصالته ومعاصرته وحداثته، عن آلامه وأماله، عن علاقته بالمذكر والمؤنث على السواء..
رحلة تعالج قضايا المؤنث النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية عبر استدعاء شخصيات واقعية ومتخيلة، تعبر بحر القصة الطامي ولا تعود أبدا.. تعالج الطفولة والشيخوخة، الزواج والطلاق، البنوة والأمومة، الغنى والفقر، الشغل والبطالة، الحب والكره، الصحة والمرض والتمريض، التعليم والتعلم، الفرح والحزن، الخيانة والوفاء، الاهتمام والإهمال، الغربة والعزلة، التدين والتصوف والشرافة والدعوة إلى الله عز وجل، الإغراء والجاذبية، الجمال والتجمل..
يتضامن مع الأنثى ويدافع عنها بأسلوبه الفريد، فيقول على لسان إحداهن كما في قصة كريمبوش:”أيها الرجال، انتبهوا ما أقساكم”[4].
ويقول:” وإن كان الناس يفتخرون بآبائهم، فأنا أفتخر بانتمائي لمثل هذا المؤنث وأعتز بذلك”[5].
يبخّس النظرة الدونية للمرأة ويدعو إلى المساواة بين الرجال والنساء، فيقول في قصة أنا الأنثى:”صدّقت أمي ككثير من النساء أن مرتبتها أقل من الرجل. ترسخ ذلك في عقلها الباطني، في مناجاتها مع ربها..تظن أنها آثمة منذ الولادة، وأن عقوبتها أنوثتها، أستغفر الله، تعالى الله”[6].
ويقول: “يستفزني أيضا إلى حد الغثيان سباب بعضهم لبعض…سير ألمريوة…أن تدرج لفظ المرأة في قاموس السباب أمر غير مقبول، وفي المقابل تسمع النساء والرجال على السواء يصفون الصدق وعدم إخلاف الموعد بـ “كلمة د الرجال” وكأن المرأة لا وعد لها ولا كلمة”.
ويقول: “وما فتئت أمي تدعو لي بقولها “الله يجيب شي نقرة فين يغبر نحاسك” فهل وصل الأمر بالمرأة إلى الانعدام؟…ألم يكن في الإمكان أن تكون المرأة ذلك الذهب اللين الذي يحتاج إلى النحاس، الرجل الصلب لصياغته جوهرة ثمينة لا تقدر بثمن”[7].
ويقول على لسان إحداهن:” أدعو المجتمع إلى الاتصاف بالأنوثة والمروءة لأنني أفتخر بكوني أنثى، وأعتز بأنني امرأة”[8].
ويقول عن الحب، أسمى العواطف التي أكرم بها الإنسان، ذكرا وأنثى: “قال لي إن الفقهاء يتحدثون عن السكن، سكن الزوجين لبعضهما، ولكنهم لن يعرفوا ذلك حتى يذوقوا الحب”.
“في بعض أساطير الهنود الحمر يأخذ الحبيب بيد حبيبته ويضعها على صدره، ويقول: خذي قلبي، وتفعل هي نفس الشيء، وتقول:” خذ قلبي”.
” هكذا لن تحتاج وقتا للحب، هو الذي يسكنك، ويجعل لحياتك معنى، لفعلك روحا، تصبح ابتسامتك، رسالتك، ألفاظك، حركاتك بوثقة من نور، نافذة المريدين، مقصد الطالبين”[9].
“لا أنتظر ممن لم يذق حبا كهذا أن يفهمها، تتجسد أرواح المحبوبين حين تتعلق بها قلوب المحبين، حضور هو أجلى من حضور الذات، وغياب هو أقسى من غياب الجسد”[10].
ويقول عن الأمومة: “كانت لي أم تحن علي، تواسيني، تدلعني، كنت لوحتها الخاصة، ترسم على قلبي الجمال وعلى لساني الجمال وعلى ثوبي الجمال، تصبح كل الألوان على ريشتها جميلة، وكل الخطوط رائعة.
كما كانت ترعاني كانت ترعى إخوتي وتوازن بين ما يتطلبه موقع أبي من علاقات اجتماعية وما يفرضه البيت من أشغال يومية، وتوازن بين ما نحتاجه من غذاء لإقامة أبداننا، وما نحتاجه من علم لسلامة عقولنا، وما نحتاجه من أدب لاستقامة سلوكنا”[11].
ويقول عن الأبوة: “فقدت والدي في ذلك العمر، والدي الذي كان يغمرني بالمحبة، ولعله كان يعلم أنه سيتركني صغيرة، وكان يزيد من جرعات الحنان الخاصة بي، وكنت أستفرد بمجالسه الخاصة التي كانت تحرم على باقي إخواني وأخواتي”[12].
ويقول عن التربية والحرمان: “أظن أن أكبر عقوبة تنزل بالصبيان هي حرمانهم من البوح، هي تبخيس أسئلتهم واستهجان حكاياتهم، هي سد الآذان عن قولهم، والإعراض عن أخبارهم وأحوالهم، والانشغال عنهم بزعم الإعداد لمستقبلهم”[13].
ولتصحيح بعض الثقافات الذكورية في المجتمع المغربي، قال على لسان إحدى بطلاته: “لم تكن عائلتي معجبة بما أفعل كما كان زملائي من الذكور في المدرسة، كان أخي الأكبر الجندي في القوات المسلحة رقيبا علي وعلى كل تحركاتي، وكنت أجد متعة إشعال نار الغيرة في قلبه أفضل من متعة إغراء الشباب”[14].
ويقول عن حب الوحدة والعزلة: “الوحدة ليست سيئة، وهي عندي بيت السلام، وكيف يجد المرء السلام مع غيره ولم يجده مع نفسه، والوحدة مولد الأفكار وقبول الذات، ولم يكن أهلي وصحبي ليخرجوني من وحدتي، ولم أكن لأختار ذلك لو خيرت، والوحدة خير من الجليس السوء، وهي مصير الأرواح العظيمة”[15].
وعن معاناة المرأة في البيت يقول: “كانت تسرقني تلك الأعمال اليومية، طلبات الأسرة اللامتناهية، كانت تفنيني تلك الرغبة في العناية بالجميع، كنت أظن أنهم لن تقوم لهم قائمة دون مساعدتي.
الآن أنا متيقنة أنني أخطأت التقدير، عليهم أن يكفلوا أنفسهم، بل أن يخصصوا لي نذرا ولو يسيرا من ذواتهم يصبونه في ذاتي”[16].
ويصور معاناة المرأة في ديار الغربة فيقول:”الذي كسرها وأبكم لسانها، وأسال الدمع من عينيها، وأظهر أنوثتها أكثر مما أظهرته كسوتها الصيفية وأخرج تلك الطفولة المخبوءة بداخلها هو حديثها عن غربتها. تلك المظاهر التي تصاحب المقيمين بالخارج، جلباب الترف الذي يلبسه القادمون من وراء البحار، قناع السرور الذي يضعونه على وجوههم يخفي الكثير من الألم.
تفاصيل الحكرة والعنصرية والاستغلال من الأجانب ومن ذوي القربى يمكنكم تخيلها، ولعلكم سمعتم أخبار الكثير منها، ولقد تحملت الألم عندما كنت أطالعها أو أقرأ عنها، لكن في الحقيقة، انفرط قلبي عندما رأيتها على وجه كريمبوش، وعندما كانت تسيل من عينيها”[17].
ويقول عن إجبار البنات على الزواج بغير إرادتهن، وعشقهن للحرية وحق الاختيار: “لم أكن أرغب في الزواج، ولم أكن أحسبه قفصا ذهبيا وإنما قبرا، أو قل جبا، ولا سيارة يخرجونني منه…تأكدت أنه مثواي الأخير حين جاءني العريس وأهله، ورأيت أنه أكبر مني سنا وأعظم جسما، طولا وعرضا”[18].
” أختي لا أريد أن أدخل قفصا وإن كان ذهبيا، لقد جربت الحرية واكتشفت ذاتي المنسية”[19].
” تزوجت سهيلا لأنه كان كاسمه سهل، حلو الكلام، لين الخلق، كريم اليد، ولأنه كان يملك بيتا ومن عائلة ميسورة”[20].
“آه، ما ألذ العبودية مع الحرية، الآن أعرف خشوع الصلاة وعفة الحجاب وسمو الأخلاق، الآن بعدما أفعل ذلك لله، لا لإرضاء عبد الله”[21].
ويقول عن التزكية وإصلاح النفس والإقبال على الله عز وجل والدعوة إليه: “أحثك إذا ضاق صدرك وأردت أن تتنفس وتنشرح، أقبل على مولاك واسجد واقترب. أخبره بالدمع إذا كنت قانطا وبالابتسامة إذا كنت سعيدا.
أنشد تراتيل الحمد حين تكون نشيطا، واعزف على أوتار الصبر إذا نزل بك الضر، اعتبر أنك صاحب يونس عليه السلام في بطن الحوت، ينادي: لا إله إلا أنت. كن كصاحب يوسف في سجن الدنيا، وقل: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت”[22].
ويقول:” في قلب الذاكر لله المتعلق به قناة متصلة بين الدنيا والآخرة، قد تضيق أحيانا وتتسع أحيانا أخرى، ولكنها دائما مفتوحة، فإذا جاء الموت، انتقلت الروح بكل انسيابية ويسر، ووجدت لها منزلا تنزل به ودارا تستقر فيها…ولكن قناة الغافل عليها سد ذي القرنين، مهما حاول ياجوج وماجوج ما اخترقوه، فكان لا بد للضغط أن يولد الانفجار”[23].
مجموعة قصصية شيقة تستحق القراءة، وأفكارها تستحق التأمل.
[1] – مجيد فلوح، زمن المؤنث، رحلة واحدة وإن تعددت المحطات، ص: 109.
[2] – نفسه.
[3] – نفسه، ص: 44
[4] – نفسه، ص 70
[5] – نفسه، ص 72
[6] – نفسه، ص98.
[7] – نفسه، ص 99.
[8] – نفسه، ص 101.
[9] – نفسه، ص 91.
[10] – نفسه، ص 141.
[11] – نفسه، ص 162.
[12] – نفسه، ص 75.
[13] – نفسه، ص 181.
[14] – نفسه، ص 75.
[15] – نفسه، ص 68.
[16] – نفسه، ص: 80.
[17] – نفسه، ص: 71.
[18] – نفسه، ص: 76.
[19] – نفسه، ص: 92.
[20] – نفسه، ص: 84.
[21] – نفسه، ص: 92.
[22] – نفسه، ص: 185.
[23] – نفسه، ص: 136.