“الأسرة والقيم والتحديات المعاصرة” محاضرة للدكتور فؤاد هراجة ضمن برنامج سفراء المكارم -دورة فطرة-
الدكتورة أنيسة الكركاري والأستاذ يوسف ألويز
“الأسرة والقيم والتحديات المعاصرة”
محاضرة للدكتور فؤاد هراجة ضمن برنامج سفراء المكارم
-دورة فطرة-
بقلم: الدكتورة أنيسة الكركاري والأستاذ يوسف ألويز
استمرارا لأشغال البرنامج الأساسي لسفراء المكارم – دورة فطرة، نظم المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري مساء يوم الجمعة 12 مايو 2023 عبر تقنية زوم محاضرة علمية في موضوع “الأسرة والقيم والتحديات المعاصرة”، قدمها فضيلة الدكتور فؤاد هراجة كاتب وباحث في فلسفة الأخلاق والفكر المعاصر، وأدارتها الإعلامية علياء شاكر مديرة أكاديمية إحسان للتدريب والاستشارات من تركيا.
انطلقت الجلسة بكلمة منسقة دورة فطرة الدكتورة صباح العمراني، ذكرت فيها بأهمية الدورة ومقاصدها وبرنامجها المتنوع، ثم أحالت الكلمة إلى الدكتورة حياة الكرماط المديرة التنفيذية لأكاديمية منار للتدريب وتنمية الكفاءات – الشريك التنفيذي– لتقدم تقريرا ملخصا حول الأنشطة السابقة وما لقيته من إقبال واسع وحضور مكثف وتغطية إعلامية مستوفية من قبل الهيآت الداعمة والشركاء الإعلاميين.
تناولت الكلمة الأستاذة علياء شاكر مديرة الجلسة ممهدة للموضوع بالإشارة إلى الحاجة إلى التربية وبناء القيم، ليفتتح بعد ذلك المحاضِر كلمته متسائلا: ما هي القيمة المضافة التي ستقدمها المحاضرة، فالأسرة والقيم من المواضيع الأكثر استهلاكا على المستوى الثقافي، وقد كتبت فيه الآلاف من الكتب والمقالات؟ ثم عقب موضحا أن الهدف من محاضرته هذه التنبيه إلى أدوات التحليل والنقد للقدرة على تفكيك ما ينتج في هذا الموضوع وترتيبه وإدراك طبيعة صراع القيم القائم حاليا، ثم انتقل لبيان المحاور الستة لمحاضرته المتمثلة في الآتي:
أولا- الأسرة وسؤال المنهجية:
أصبحت الأسرة محط اهتمام منذ القرن العشرين، فلم التركيز عليها خصوصا في العقدين الأخيرين؟
يجيب الدكتور عن هذا بكون الانتقال بين القرون السابقة والقرن العشرين هو انتقال من براديغم (النموذج الفكري أو الإدراكي) إلى آخر، حيث تركزت المعارف المنتجة قبل القرن العشرين حول الظواهر الكبرى وكانت الأسرة أداة ووسيلة لأهداف أخرى، ومع التقدم الصناعي وثورة التكنولوجيا انتقل الاهتمام إلى دراسة الأجسام الصغيرة (الذرة والأسرة)، فأظهرت العلوم الإنسانية عناية بالنواة المنتجة للقيم والمؤثرة على المجتمع وهي الأسرة، لتصبح محط اهتمام صنّاع القرار حيث تدخلوا في وظائفها فتم الانتقال بها من منتج لقيم الفطرة إلى منتج للفاحشة والشذوذ.
ثانيا- الأسرة وصراع المفاهيم:
أكد المحاضر على أن المواثيق الدولية اعتمدت تعريفات جديدة للأسرة لم تكن معروفة من قبل، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يحترم التشريع الخاص بالزواج كمكون أساسي للأسرة، فعرف الأسرة في مادته السادسة عشر “للرجل و المرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وانحلاله”، في إشارة صريحة لحرية الاقتران بنفس الجنس أو حتى بالحيوان..
واستعرض الدكتور تعاريف متنوعة للأسرة من مناظير مختلفة كعلم الاجتماع وعلم النفس والمجال التربوي والوظيفي، لكن ما أثاره هو المنظور الاقتصادي لمفهوم الأسرة الذي تتبناه اللبرالية المتوحشة، باعتبارها وحدة اجتماعية تحقق استقلالا اقتصاديا واجتماعيا دون النظر إلى طبيعة مكوناتها من جنس واحد أو غيره.. للتخلص من الأسرة الكبيرة ” العائلة” التي تشكل عائقا أمام الليبرالية المتوحشة، وتفكيكها إلى الأسرة الذرية لفتح باب الاستهلاك والتسويق …
ثالثا- الأسرة وسؤال البدء:
انتقل المحاضر للحديث عن ارتباط العلوم بخلفية اعتقادية، أو أن يكون مدخلها المنطلق المادي المحض، وهذا ما أنتج العقل المعاشي الدوابي الذي يسعى لإشباع الغرائز وكفى. أما في المنظور الإسلامي فالأسرة ربانية التكوين وذات فطرة سليمة (الطبيعة البشرية) قال الله عز وجل (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم 21، وعليه فالأسرة مسؤولية وعبادة وقربى، والحفاظ عليها في مواجهة القيم الغربية معركة استراتيجية ينبغي أن تأخذ شكل التدافع وليس التصادم.
رابعا- الأسرة والتحديات المعاصرة:
تساءل المحاضر عن وظائف الأسرة وحجم التحديات التي تواجهها؟ ثم أجاب مؤكدا على دور الأسرة في بناء مجتمع متوازن مستقر، ولخص التحديات في مرحلتين فارقتين من تاريخ الأمة الإسلامية: أولهما زوال الخلافة الراشدة وغياب الشورى والعدل، ما أدى إلى هيمنة السلطة الذكورية على الأسرة. والثانية الغزو الاستعماري الفكري الذي اخترق بيوتنا عن طريق التكنولوجيا والإعلام وغير التصورات والمعتقدات واستولى على الأجيال…فكيف سنتصدى لهذا الغزو؟
خامسا- الأسرة وعوامل النجاح:
إجابة على سؤال الكيف السابق اعتمد المحاضر على دراسة أنجزتها مؤسسة بحثية جمعت معلومات ل16 ألف أسرة من عدة دول، للكشف عن عوامل نجاح الأسرة، فخلصت إلى عوامل ستة وهي: أولا قيمة الالتزام والاحساس بالمسؤولية اتجاه الأسرة، وثانيا التواصل الإيجابي عن طريق المشاركة الروحية والاجتماعية والفكرية والوجدانية، وثالثها استثمار الوقت مع الأسرة، والرابع وجود توافق روحي، أما العامل الخامس فمرتبط بالقدرة على مواجهة الضغوطات النفسية والتحديات، وأخيرا غرس المحبة وإبداء التقدير داخل الأسرة والنقد البناء.
سادسا- عود على بدء: الأسرة قطب رحى الحياة:
شدد الدكتور فؤاد هراجة على ضرورة إعادة دور المرأة وتفعيل السلطة المعنوية لها داخل الأسرة، فهناك أمور لا يمكن تحقيقها إلا بإعادة مركزية المرأة، وتحصين دور الوالدين بتنقية الموروث الفكري والفقهي الإسلامي، والتشبيك بين أدوار كل المؤسسات المجتمعية والحكومية لحفظ الأسرة، لتعود الأسرة قطب رحى الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.
وختم الدكتور محاضرته بالدعوة الى العودة إلى المسؤولية الائتمانية، والالتزام بشعائر الله، مؤكدا على أن التصدي للعدوان الخارجي والاستبداد الداخلي لا يتأتى إلا بالتغيير من داخل الأسرة، وتغيير الأسرة لا يكون إلا بتغيير الإنسان.
لقيت المحاضرة تفاعلا واسعا ومشاركة إيجابية من قبل المشاركين المسجلين في برنامج سفراء المكارم، إذ أجمعوا على راهنية وأهمية الموضوع وما تضمنته المحاضرة من وضوح في المنهج وعمق التحليل وقوة في الطرح.