واجبات المواطنة
بقلم: حميد نعيمي
يمكنكم الاطلاع على الكتاب أو تحميله من الرابط التالي:
أولا: السمع والطاعة بالمعروف
إن أي جماعة من الناس لابد لهم من رئاسة لهم لتنظيم أمورهم وترتيب أحوالهم، وحتى لو كان في سفر، فعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم”،[1] وقد علق الشوكاني على الحديث بـ: “وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى التلاف، فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون، ومع التأمير يقل الاختلاف وتجتمع الكلمة، وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى”.[2]
ورئاسة أي دولة لن تكون جامعة ومؤثرة إن لم تكن مطاعة، لهذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “يا معشر العرب إنه لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة، ألا فمن سوده قومه على فقه كان ذلك خيرا له، ومن سوده قومه على غير فقه كان ذلك هلاكا له ولمن اتبعه”.[3]
ويسمى الرئيس بالإمام في نصوص الشرع أو ولي الأمر، والإمامة أربعة أقسام: “إمامة وحي وهي النبوة، وإمامة وراثة كالعلم، وإمامة عبادة وهي الصلاة، وإمامة مصلحة وهي الخلافة العظمى لمصلحة جميع الأمة، وكلها تحققت له صلى الله عليه وسلم، وحيث أطلقت في لسان أهل الكلام انصرفت إلى المعنى الأخير عرفا وهي بهذا المعنى: رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم”.[4]
وقد وردت عدة نصوص شرعية آمرة بالسمع والطاعة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ النساء:59، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: هم الأمراء[5]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية”.[6]
وطاعة ولي الأمر قد جاءت بالعطف على المطاع دون أمر بالطاعة، مما يدل على أن طاعة ولي الأمر ملزمة إن كانت من باطن طاعة الله ورسوله، وفي ذلك عصمة للمجتمع الإيماني من الحكام المتسلطين الذين يحاولون أن يستذلوا الناس بقول الله ﴿وأولي الأمر﴾.[7] وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”[8]، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني”.[9]
ثانيا: النصح
هذا الحق مصاحب للحق الأول و مكمل له، والنصح في اللغة: “تصفية العسل وخياطة الثوب، ثم استعمل في ضد الغش وهو الإرشاد إلى ما فيه صلاح المنصوح له، ولا يكون إلا قولا، فإن استعمل في غير القول كان مجازا، وهو كذلك بذل الاجتهاد في المشورة”.[10]
فالنصيحة كلمة جامعة معناها: “حيازة الحظ للمنصوح له وهي من وجيز الكلام بل ليس في الكلام مفردة تستوفي بها العبارة عن معنى هذه الكلمة”.[11]
فالمواطن الصالح هو الذي يبذل النصح لكل المواطنين ويسعى بالخير بينهم كلمة وتوجيها، فعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”[12]، وشرح السيوطي هذا الحديث بقوله: “النصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بنا غفلوا عنه من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم، والصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات لهم، وأن لا يطروا بالثناء الكاذب، وأن يدعى لهم بالصلاح، هذا على أن المراد بالأئمة الولاة، وقيل هم العلماء، فنصيحتهم قبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام، وإحسان الظن بهم، والنصيحة للعامة إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، وتعليمهم ما جهلوه، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكر من أنواع النصيحة”.[13]
وعن جرير بن عبد الله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أبايعك على الإسلام فشرط علي “والنصح لكل مسلم” فبايعته على هذا ورب هذا المسجد إني لناصح لكم”.[14]
وبفضل النصح يرفع العذاب وتستجاب الدعوات، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم”.[15]
ومن النصح نصح الحكام وإرشادهم لما غفلوا عنه، والصدع أمامهم إن جاروا، فعن إسماعيل بن قيس قال: قال أبو بكر الصديق: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ المائدة:105، وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب” وقال عمرو بن هشام: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الناس إذا رأوا الظالم ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب”.[16]
ويجب على المواطنين المؤهلين الأخذ على يد الظالم وإن كان حاكما، فعن ابن شهاب أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: “كلمة حق عند سلطان جائر”.[17]
وكانت سنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قبول النصح والخضوع للحق من أي كان، فها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: “إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني”.[18]
ثالثا: الحفاظ على أمن المواطنين
ويدخل فيه عدم الاعتداء على المواطنين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فمن حق المواطن يعيش آمنا في بلده، وهو حق ثابت شرعا لكل مواطن سواء كان مسلما أو ذميا لقوله صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”[19]، ولتقريره صلى الله عليه وسلم هذا الحق في أول دستور إسلامي (الصحيفة): “وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة”. فالأخلاق الإسلامية تحافظ على المواطنين من الظلم والبغي وانتهاك الحرمة والكرامة، فقد أمرنا الله بنصرة المعتدَى عليه والأخذ على يد المعتدي ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الحجرات:9، وفي نفس السورة أمر بالمحافظة على الأعراض من الانتهاك ولو بالذكر السيء والإشارة المغرضة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الحجرات:11، وكذلك في السورة أمر باجتناب الشكوك المفسدة لذات البين الكاشفة لعورات الناس وأسرارهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ الحجرات:12، وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ”.[20]
وأغلب الحدود في الشريعة جاءت لزجر المعتدين على حرمات المسلمين وأمنهم.
والحفاظ على الأمن واجب كل المواطنين بلا استثناء، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا”.[21]
رابعا: الولاء لدولة الإسلام
قال صاحب المفردات: “الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد، والولاية النصرة”[22]، وقد وضح لنا الله عز وجل لمن تكون الولاية حيث قال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ المائدة:55-56، وفسرها الطبري بـ” يعني ليس لكم أيها المؤمنون ناصر إلا الله ورسوله والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره، فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من ولايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء ولا نصراء، وأما من وثق بالله وتولى الله ورسوله والمؤمنين، ومن كان على مثل حاله من أولياء الله من المؤمنين، لهم الغلبة والدوائر والدولة على من عاداهم وحادهم، لأنهم حزب الله، وحزب الله هم الغالبون”.[23]
وحتى أقرب الناس إلى المرء وأحب الأشياء إلى قلبه إذا تعارض حبها مع الولاء لله ورسوله والمؤمنين فينبغي تقديم حب الله ورسوله والمؤمنين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ التوبة:23-24، وفسرها الألوسي بـ” أي يحرم أن تكون هذه الأمور أحب إليكم من الله ورسوله بالحب الاختياري المستتبع لأثره الذي هو الملازمة وتقديم الطاعة لا ميل الطبع فإنه أمر جبلي لا يمكن تركه ولا يؤاخذ عليه”.[24]
وقد جعل الله المسلمين جميعا إخوة، أخوة إيمانية أعلى من النسب ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الحجرات:10، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.[25]
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على ولاية المسلمين والنصح لهم والبراءة من الأعداء ومفارقتهم والمفاصلة معهم، فعن جرير رضي الله عنه قال: أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يبايع فقلت: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم، قال: “أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين”[26]، وفي قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه خير بيان لعظم ضرر وفساد من يوالي الأعداء على حساب المسلمين ولو بحسن نية، وعده سيدنا عمر رضي الله عنه نفاقا لمعرفته بفداحة هذا الجرم، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ… فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت؟ قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا، وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ، مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ، أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ، أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.[27]
والنصرة تكون بعد ة أشكال: بالمال والعلم والرأي والموقف والجهد وحتى النفس.
إذن الموالاة عاطفة تحمل المواطن على تقديم وطنه ورفض بيعه أو المساومة عليه، والحرص على جلب الخير له ودفع الضرر عنه، والتآخي مع المواطنين والتعاون معهم على إصلاحه ورفعته وعمارته.
[1] سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، ح2608، 2/215.
[2] (نيل الأوطار)، محمد بن علي الشوكاني، ط1:1413ه/1993م، دار الحديث: مصر، ح3878، 8/492.
[3] (جامع بيان العلم وفضله)، أبو عمر يوسف بن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي: المملكة العربية السعودية، ط1: 1314ه/1994م، ص263.
[4] (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني)، أحمد بن غنيم النفراوي، ط1: 1418ه/1997م، دار الكتب العلمية: بيروت لبنان، 2/167.
[5] تفسير الطبري، 8/497.
[6] صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:”أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، ح4584، ص1126. وصحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، ح1834، ص767.
[7] (تفسير الشعراوي- الخواطر)، محمد متولي الشعراوي، مطابع أخبار اليوم: مصر، 4/2360.
[8] صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، ح1839، ص768.
[9] صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، ح1834، ص767.
[10] (تاج العروس في جواهر القاموس)، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق عبد الكريم العزباوي، ط1: 1422ه/2001م: الكويت، 7/175.
[11] (فتح الباري بشرح صحيح البخاري)، خدمة عبد العزيز بن باز وفؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب، دار المعرفة: بيروت، 1/138.
[12] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، ح55، ص51.
[13] (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج)، عبد الرحمن السيوطي، تحقيق أبي إسحاق الحويني، ط1: 1416ه/1996م، دار ابن عفان: الخبر، السعودية، 1/74.
[14] صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، ح58، ص25.
[15] (سنن الترمذي)، محمد بن عيسى بن سورة، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون، ط2: 1395ه/1975م: مكتبة مصطفى الحلبي مصر، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح2169، 4/468.
[16] سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، ح4338، ص473.
[17] سنن النسائي، كتاب البيعة، فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر، ح4220، 7/181. وسنن ابن ماجة، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح4012، ص1330.
[18] (البداية والنهاية)، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، تحقيق عبد الله بن محسن التركي، ط1: 1417ه/1997م، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، 9/415.
[19] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، ح 2564، ص1987.
[20] سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الغيبة، ح4882، ص529. ومسند أحمد، مسند البصريين، ح19776، 33/20.
[21] صحيح البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب حرم المدينة، ح1867، 450. وصحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، ح1370، ص339.
[22] (مفردات ألفاظ القرآن)، الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، كتاب الواو، ص533.
[23] تفسير الطبري، 1/ 423-424.
[24] (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)، شهاب الدين محمود الألوسي، دار إحياء التراث الغربي: بيروت، 10/71.
[25] صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم ولا يسلمه، ح2442، ص591. وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم، ح2564، ص1035.
[26] سنن النسائي، كتاب البيعة، باب البيعة على فراق المشرك، ح4188، 7/167. ومسند أحمد، أول مسند الكوفيين، ح19233، 31/559.
[27] صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا، ح3983، 977.