دردشة في الفصل الثالث من كتاب”الفن المسرحي و أسطورة الأصل”للدكتور خالد أمين بعنوان “الإنسان المعاصر بين الليبيرالية و أزمة الشخص”
محمد أغزيت
دردشة في الفصل الثالث من كتاب ” الفن المسرحي و أسطورة الأصل ” للدكتور خالد أمين
بعنوان ” الإنسان المعاصر بين الليبيرالية و أزمة الشخص”
محمد أغزيت
طالب الدراسات العربية بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بتطوان
يقول البروفيسور خالد أمين في معرض حديثه عن أزمة التمثيل في المجتمع الراهن من خلال كتابه الفن المسرحي و أسطورة الأصل:” ..تعتبر الانعكاسية المبدأ الموجِّه في كل الأجهزة والممارسات الاقتصادية والسيرورات الثقافية والعلاقات الشخصية والتعبيرات الاستشرافية في التنظيم الاجتماعي للذوات…”[1]
ويفهم من هذا القول أن حياة المجتمعات الراهنة المجسدة على خشبات المسارح -بناء على الفقرة المحذوفة في البداية- موجهة بمبدأ الانعكاسية؛ أي أن المجتمع المجسَّد بما هو علاقات إنسانية متنوعة و ممارسات بشرية كثيرة وأنماط ثقافية متباينة…، لا يصور إلا مجموعة من الانعكاسات الميكانيكية التي يصدرها مجموعة من الأفراد بناء على ملاحظاتهم لأفعال و أقوال و سلوكات …فئات أخرى هي بدورها أحدثتها بفعل انعكاسها في ذهنية أفرادها بطريقة عمودية بعدما عاينوها لدى آخرين، و بالتالي يصبح المجتمع المصوَّر مجرد نسخ ذابلة و مكررة، تعيش على سيناريوهات جاهزة و مستهلكة، أي أن كل السلوكات الحياتية الممثلة للإنسان المعاصر هي بتعبير الدكتور خالد أمين،“تمثيل للتمثيل”، ورغم أن كلام البروفيسور أمين قد جاء في سياق آخر هو محاولة استشراف أزمة التمثيل في المسرح المعاصر، إلا أنه يحملنا على السؤال بالضرورة عن أوضاع الإنسان المعاصر الذي أصبح موجَّها من طرف تيارات متعددة، يهيمن عليها النَفَسُ الليبيرالي التحرري في مختلف مجالات حياته (في لباسه، في أكله، في قوله، في نمط تفكيره …)بوساطة الإعلام، إلى درجة أصبح من الملاحظ أن العالم كله نسخة مكررة عن النمط الأمريكي في الحياة، الأمر الذي أدى إلى ذوبان الخصوصيات النوعية لكل مجتمع و معها الميزات الشخصية لكل فرد داخل المجتمع.
إذا علمنا أن هذا النوع من التغيير يضرب- ولا شك -عرض الحائط خاصية جوهرية من خصائص الإنسان باعتباره شخصا، أي ذاتا واعية لها إرادة حرة و مسؤولة أخلاقيا؛ ذلك أنه يسويها بباقي الموجودات فيفقدها خاصية الإرادة التي تعد من مقومات الهوية الشخصية بل و أساسها حتى أنها تتموضع في مقابل العقل كما عند كثير من المفكرين على رأسهم الفيلسوف الألماني أرثور شوبنهاور الذي يقول:” لاشيء أكثرُ إثارةً وتهييجاً للأعصابِ عندما نحاولُ إقناعَ إنسان ما عن طريقِ الأدلّة العقليّة والبراهين المنطقيّة، ونبذلُ جهوداً وألماً في محاولةِ إقناعه، ثمّ يتضّح لنا أخيراً أنّه لم يفهم ولن يفهم، وأنّنا ينبغي أنْ نخاطبَه عن طريقِ إثارة ما يريد ويرغب، أي عن طريقِ “إرادته”[2]، ورغم أن كلام شوبنهاور لا يجب أن يُحمل على أنه حقيقة مطلقة؛ ذلك أنه بنى محاولته التسويق لأفضلية الإرادة على العقل على حجة عقلية ( منطقية )، وهذا يضرب الحجة بنفسها، فما جعلنا نستحضر قوله ها هنا ليس إرادته في القول بل منطقية قوله، لكن مع ذلك فلا يمكن إنكار الإرادة كميزة طبيعية للشخص ذلك أنها لا تنفصل عن خاصية الوعي( التفكير) نفسها؛ فبمجرد أن يعي الشخص وجوده يبدأ في محاولة التقرير بخصوص هذا الوجود من خلال السعي للإجابة بطريقة مرضية- و إن نسبيا- عن مجموعة من الأسئلة الوجودية من قبيل: هل أستمر في هذا الوجود؟ هل هناك غاية من وراء وجودي؟ هل أوجد بالطريقة المثلى؟ و كيف أنفصل عن هذا الوجود إن أردت ذلك؟ …
بناء على الفكرة المنطلَق منها متجسدة في قول البروفيسور “أمين” فإن الإنسان المعاصر لم يعد يمتلك الحق في تسمية نفسه شخصا؛ لأنه فَقَدَ خاصيتين من خصائصه، الحرية و الإرادة، و عطل عمل أخرى ” الوعي”، و منه فقد المجتمع تقسيمه إلى أفراد “مواطنين”، ذلك أنه من مقومات المواطنة تحقق شرط الحرية و الفاعلية و الحركة وفق إرادة إنسانية بمسؤولية أخلاقية، و قد حدد أرسطو مفهوم المواطنة بقوله:“المواطن الحق هو مواطن الديمقراطية “، مما يعني أن ما يجعل من المواطن مواطنا هو وجوده في دولة ديموقراطية و في عالم ديموقراطي إذا أردنا التعميم أكثر. و الديموقراطية كما هي في الإصطلاح اللغوي اليوناني مكونة من لفظتين demos و تعني الشعب، و kratia و التي تترجم بالحكم، فيصبح معناها :” حكم الشعب “، و لا بد أن الشعب لكي يحكم نفسه بنفسه يجب أن يكون أفراده “مواطنين “ و هنا تظهر علاقة التأثير و التأثر بين المواطنة و الديموقراطية، فكلاهما يستلزم وجود الآخر، و عندما تغيب صفة المواطنين تحل محلها بالضرورة صفة القطيع الذي يتَّبع حركات الراعي و يتأثر بها.
و بالعود إلى هذه الأفكار المقتضبة التي حاولنا تناولها من خلال هذه المحاورة البسيطة رفقة الدكتور خالد أمين نخلص إلا أن العالم اليوم على ما بلغ من التطور الاقتصادي و التكنولوجي… يعيش على نمط القطيع الذي أصبح فيه الإنسان مجرد آلة تجارية مسلوبة الإرادة و الحرية و إن بطريقة غير مباشرة، و لا نرى الحل إلا في إشاعة ثقافة الاختلاف و تقبله و التعامل مع المحيط بعين الناقد المتبصر الذي يؤمن أن كل المعارف ما عدا الوحي نسبية و قابلة للدحض .
[1] الفن المسرحي و أسطورة الأصل، خالد أمين، منشورات كلية الآداب تطوان، 2000، ص 33
[2] قصة الفلسفة، ول ديورانت.