المذاهب الفقهية ونشأتها
المذاهب الفقهية ونشأتها/ ذ. كمال براشد
المذاهب الفقهية ونشأتها
ذ. كمال براشد
المذهب ليس غريبا عن عهود الفقه الأولى في عصر الصحابة والتابعين إذ في تلك الآونة تكونت نواة المذاهب الفقهية الإسلامية، ولا شك أن نشوء أي مذهب مناط بالاجتهاد ولذلك تعددت المذاهب، لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله، بل يعتبر منطلقا أصيلا لفهم فروع الشريعة الإسلامية وكيفية ربطها بأصولها.
المذهب لغة: الطريق ومكان الذاهب، ثم صار عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية ويطلق عند المتأخرين من أئمة المذاهب على ما به الفتوى من باب إطلاق الشيء على جزئه الأهم قوله صلى الله عليه وسلم (( الحج عرفة)) لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه المقلد[1].
فالمذهب إذن له معنيان:
– ما ذهب إليه إمام من الأئمة فيما فيه حكم اجتهادي استنتاجا واستنباطا
– يطلق على ما به الفتوى في مذهب من المذاهب الفقهية وهذا ما ذهب إليه متأخري الفقهاء.
إن المذهب ليس شيئا منصوصا عليه في الدين ولا هو من قواعده الواجبة على المسلمين وإنما الذي يجب أن يتبع هو كتاب الله وسنة رسوله وأئمة المذاهب لم يأتوا بشيء من عندهم، وإنما هم مفسرون لما ورد في الأصلين مستنبطين منهما الأحكام تسهيلا للناس على ما لم يستطيع، فالذي يقلد مالك، إنما يقلد في الحقيقة ما فهمه مالك من النصوص الواردة في الكتاب والسنة، فهو إن أعطى رأيه في المسالة يأتي بالدليل وإن حكم حكما أعطى الحجة عليه وعلله.
نشأة المذاهب الفقهية:
إن المذهب بمعانيه السابقة لم يكن موجودا ولا معروفا في عصر الأئمة- أصحاب المذاهب- فمالك وغيره من أئمة الاجتهاد لم يكونوا يعرفون معنى المذهب وإنما كانوا ينشرون علم السنة وفقه الصحابة والتابعين، وما كانوا يدعون أحدا إلى التمسك بمنهجهم في الاجتهاد، ولا كان عندهم منهج محدد في اجتهادهم، وإنما كانوا يتبعون في ذلك منهج من سبقهم من علماء التابعين بدءا من الصحابة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسيبدأ أول غرس لأصل التمذهب بالمذاهب في القرن الرابع الهجري، عندما دعت الظروف إلى هذا النوع من الالتزام بمنهاج معين في الفقه والتشريع فكان أهل المدينة يعتمدون على فتاوي إبن عمر، وأهل مكة على فتاوي ابن عباس وأهل الكوفة على فتاوي ابن مسعود.
ومن الفقهاء الذين قلدهم الأصحاب والأتباع ودون المؤلفات في جمع أقوالهم وآرائهم و سار الناس عليها: أبو حنيفة النعمان- أبو عمرو الأوزاعي سفيان الثوري- مالك بن أنس- الليث بن سعد- سفيان بن عيينة- أبو عبد الله محمد – أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي- الإمام أحمد بن حنبل- داود الظاهري- ابن جرير الطبري.
إلا أن بعض هذه المذاهب بدأت مع مرور الزمن تختفي شيئا فشيئا لقلة أتباعها ولم يكتب البقاء لكثير منها، وابتداء من القرن السادس الهجري لم يبقى للعالم الإسلامي إلا مذاهب أربعة قلدها جمهور المسلمين:
- المذهب الحنفي
- المذهب الشافعي
- المذهب المالكي
- المذهب الحنبلي
تعلق الناس بهذه المذاهب و قصدوها في الفتوى وانضم لكل إمام منهم أتباع ومقلدون صاروا فيما بعد يجمعون أقوالهم وفتاويهم يبثونها في الناس بواسطة مؤلفات التزموا فيها أقوال من قلدوهم.
وفي حقيقه الأمر أن هذه المذاهب في اجتهادها في تأصيل الأصول اتفقوا على الأصول الأربعة: القرآن- السنة- الإجماع- القياس على وجه الإجماع، واختلفوا في التقدير الجزئي لكل دليل منهما منظوما ومفهوما وفي مسائل أخرى متعددة راجعة إلى الدلالات اللغوية، وطرق مما تكفل به علم أصول الفقه،ومعنى ذلك أن الخلاف حصل داخل تلك الأصول من حيث الفهم وكيفيه الاستنباط.
[1] ) منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء لإبراهيم القافي ص 65