منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

(خطبة) هل تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟

(خطبة) هل تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟/ الأستاذ بن سالم باهشام

0

(خطبة) هل تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟

الأستاذ بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

عباد الله، يقول تعالى في سورة التوبة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24]، هذه هي كل المحبوبات التي يحبها الإنسان في حياته، وهي إحدى عشر محبوبا، وأولى هذه المحبوبات، هي حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهي الشعبة الأولى من شعب الإيمان السبع والسبعين، ويأتي بعدها الجهاد في سبيل الله، فهي محبوبات ثلاثة تُسبّق على كل المحبوبات الثمانية المذكورة في الآية عند التعارض، قال تعالى في صفة المؤمنين في شأن هذا الحب في سورة البقرة: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165]، أما أعلى شعبة من شعب الإيمان، فهي قول: “لا إله إلا الله” لا إله إلا الله”.

عباد الله،  بعد ذلك نأتي إلى السؤال المحرج، والذي لا يمكن أن يجيب عنه إلا الشخص نفسه، لأنه لا يحق لأحد أن يُصدر حكما في حقك، هل تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ، لأن الله أرحم بعباده أن يجعل موازينهم في أيدي أمثالهم، فميزان كل امرئ في يد نفسه، فأنت تستطيع أن تغش الناس، فتتظاهر بالحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنك لا تستطيع أن تغش نفسك، فميزانك في يدك، تستطيع أن تدرك به مدى حبك لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. فعندما يوجه إلينا هذا السؤال، الكل سيبادر بالقول بأنه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا ادعاء يحتاج إلى ما يؤكده، فلكل قول حقيقة، فما حقيقة قولنا؟

من خلال الطبيعة البشرية، هناك وسيلتان بهما نجيب على هذا السؤال، ونعرف حقيقة أنفسنا دون مجاملة أو ادعاء:

  • وسيلة خارجية تظهر للعيان، ومن خلالها يستطيع الناس معرفة مدى حبنا لله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
  • ووسيلة باطنية لا يدركها أحد إلا الشخص نفسه، وبها يكشف حقيقة نفسه التي قد يجهلها.

أما الوسيلة الخارجية، فإن من طبيعة الإنسان، الإكثار من ذكر ما يحبه، ومن خلال هذه الطبيعة، نسائل أنفسنا، ما مدى إكثارنا من ذكر الله تعالى، وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم، إن كنا فعلا نحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حقيقة لا ادعاء؟

أما الوسيلة الثانية، فهي تُعرّفك أنت بنفسك، ومدى حبك لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فتنقلك من الوهم إلى الحقيقة، ومن الادعاء إلى الواقع، وهي أن من طبيعة البشر، أن الوقت يمر عنده بسرعة عندما يمارس شيئا يحبه، بينما يكون الوقت بطيئا عندما يمارس شيئا يكرهه، وبناء على هذه الطبيعة، نمارس المقياس الذي به يعرف كل واحد منا مدى حبه لله والرسول صلى الله عليه وسلم، فنعزم على عقد جلسة ذكر للكلمة الطيبة التي هي أعلى شعب الإيمان، والتي هي: “لا إله إلا الله”، أو “الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم”، لمدة ربع ساعة فقط، ونضبط الوقت بالساعة، ونشرع في الذكر، وبعد مدة، إذا اعتقد الشخص أن الربع ساعة قد انتهت، أو تجاوزها، واطلع على الساعة ووجد أنه لم يمر من الوقت سوى خمس دقائق فقط، فليعلم أن حب الله والرسول صلى الله عليه وسلم عنده مجرد ادعاء وليست حقيقة، بدليل أن الوقت مر عنده بطيئا، وخمس دقائق كانت عنده طويلة، وإذا نظر إلى الساعة ووجد أنه تجاوز الربع الساعة دون شعور منه، فليستبشر بمحبته لله وللرسول صلى الله عليه وسلم.

عباد الله، إذا اكتشف الشخص أنه ضمن الفئة التي تمر عليها فترة الذكر طويلة وبطيئة، وأراد أن يكون من المحبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم حقا وليس ادعاء، فعليه بالمبادرة بالعلاج الذي يتضمن الدعاء والصحبة في الجماعة:

1 – الدعاء: فبالنسبة للدعاء، عليك بالتضرع إلى الله بالدعاء لتكون من المكثرين لذكره، المحبين له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عن النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يسأل الله – تعالى- أن يرزقه حُبّه في دعائه؛ فقد روى الترمذي بسند حسن غريب، وأبو يعلى، والروياني، والطبراني، والحاكم، والبيهقي، عن أَبي الدرداءِ – رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – : ( كَانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ : اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَالعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وأهْلِي ، وَمِنَ الماءِ البارِدِ ). [أخرجه الترمذي (5/522 ، رقم 3490) ، وقال: حسن غريب . والحاكم (2/470 ، رقم 3621)، وقال : صحيح الإسناد].

وروى الترمذي في سننه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: (اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ، فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ، فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ). [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب (5/ 523) (ح 3491)]

2 – الجماعة: أما الجماعة التي ستنقلك من فئة الغافلين، إلى فئة المحبين الذاكرين، فعليك أن تبحث عن جماعة للذاكرين الله كثيرا والمجاهدين، لتصبر نفسك معهم، مصداقا لقوله تعالى في سورة الكهف: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) [الكهف: 28].

3 – الصحبة: أما الصحبة، فيلتمسها الشخص ضمن أولئك الذين أمرنا الله أن نصبر أنفسنا معهم، أختار صحبة انفرادية تعينني إذا ذكرت الله، وتذكرني إذا نسيت، فهذا موسى عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل،  لما أراد أن يواجه فرعون، طاغية زمانه، طلب الله تيسير صحبة صالحة ليكون من المكثرين لذكره، المحبين له، قال تعالى في سورة طه: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا) [طه: 29 – 35].

عباد الله، بهذه الوصفات الثلاث، والتي هي الدعاء، والصحبة في الجماعة سينتقل المؤمن والمؤمنة من الغفلة إلى اليقظة، ومن الادعاء إلى الحقيقة، وسيستطيع مواجهة طاغوت نفسه التي بين جنبيه،  فيكون إن شاء الله تعالى، من المحبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والمكثرين للكلمة الطيبة والتي هي أعلى شعب الإيمان، وبها يتجدد إيمانه، و يكون من المكثرين من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتأسين به، والمحبين له.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.