منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الاستنباط

الاستنباط/ الأستاذة أمينة جابري

0

الاستنباط

بقلم: الأستاذة أمينة جابري

في الفقه، نجد من مسالك العلّة الاستنباط وهو من النبط، وهو إمّا ينص على العلّة صراحة أو أن يكون إشارة أو إلماحاَ بغير تصريح. الاستنباط من هذه الناحية يمكن أن يُرى أيضا كمرادف للتفسير أو التّدبر. هذا ما يدفعنا للتّساؤل:

  • ما معنى الاستنباط؟
  • ما هي طريقة الاستنباط؟
  • ما حكم الاستنباط؟
  • ما العلاقة بين الاستنباط والتفسير؟
  • ما العلاقة بين الاستنباط والتدبر؟

معنى الاستنباط لغة واصطلاحا :

يقول الله عز وجل” وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِين يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا”َ (النساء 83)

وفي الحديث ” من غدا من بيته ينبط علما فرشت له الملائكة  أجنحتها ” أي يظهره ويفشيه في الناس

ويقول المتنبي:

مُسْتَنْبِطٌ من عِلْمِهِ ما في غَد    فكأنّ ما سيَكونُ فيهِ دُوِّنَا

نقول: نبط  يستنبط استنباطا ومستنبطا أي استخرج  بعد جهد وعناء ويستعمل هذا اللفظ في اللغة  لكل ما أخرج وأظهر بعد خفاء .ويستعمل عند العلماء لكل ما أخرج فنجد مثلا :

ــ يقول الطبري:” وكل مستخرج شيئا كان مستترا عن الأبصار والعيون ، أو عن معارف القلوب، فهو مستنبط” .

ــ وقال الزبيدي: “وكل ما أظهر بعد خفاء فقد أنبط واستنبط”

اللفظ في الاصطلاح:المعنى قريب من المعنى اللغوي فقد عرفه أغلب العلماء بأن التعريفين بينهما توافق وتقارب وعلى سبيل المثال : يقول

الماوردي: والاستنباط مختص باستخراج  المعاني من النصوص .

أما الزمخشري  فيقول ” الاستنباط هو ما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير، فيما يعضل ويوهم”.

أما ابن القيم ” الاستنباط هوالأمر الذي من شأنه أن يخفى على غير المستنبط .

ومما سبق يمكننا أن نعرف الاستنباط في القرآن بأنه استخراج ما خفي من النص (ليس بظاهر يراه الكل) بطريق صحيح . فكلمة استخراج تعني أن هناك جهدا وإعمالا للرأي والفكر والنظر .

طريقة الاستنباط:

منهج الاستنباط هو الطريقة التي يتم استخدامها من أجل الوصول إلى النتيجة المنطقية  الصحيحة .

مثلا: القيادة في الشوارع المتجمدة خطير.

الشوارع متجمدة الآن        سيكون من الخطر القيادة في الشوارع.

مثال من القرآن “فقد نقل البخاري عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنهما  سأل جمعا من كبار المسلمين بينهم ابن عباس وهو حديث السن عن تفسيرسورة النصر، فسرها بعض أشياخ بدر” أنها جاءت تأمرهم بالحمد والاستغفار إذا نصرنا وفتح علينا ” فقال أكذاك يابن عباس ؟ قال لا وإنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له:  قال إذا جاء نصر الله والفتح فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ” فقال عمر ما أعلم منها إلا ما تقول .

العلاقة بين التفسير والاستنباط :

يقول الله عز وجل في سورة الفرقان الآية 33″ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا”

فما هو التفسير؟ وهل التفسير هو الاستنباط وما الفرق بينهما ؟

التفسير لغة هو: الكشف والجلاء والبيان.

أما اصطلاحا فهو:علم كسائر العلوم .فهو متعلق بالقرآن الكريم  غايته فهم مراد الله عز وجل في كتابه،

نقول فسر القرآن يعني شرح معنى آياته وموضوعها وسبب نزولها.

ومنه يمكننا أن نبين الفرق بين التفسير والاستنباط من خلال النقاط التالية:

  • لا تقارب بينهما من جهة المعنى لكن هناك تقارب من جهة النص،كلاهما يتعامل مع النص القرآني .
  • يشترط في الاستنباط الخفاء فيما يستنبط بخلاف التفسير قد يكون المعنى واضحا ليس فيه استخراج بل فيه بيان دلالة.
  • التفسير مختص بمعرفة المعاني(لا يعذر مكلف بجهله مثل الحلال والحرام والأمر والنهي ) أما الاستنباط فهو مختص باستخراج ما وراء المعاني .
  • التفسير مصطلح خاص متعلق بعلوم القرآن والاستنباط فهو للقرآن والسنة و الآثار ولأهل العلم.
  • الاستنباط مستمر والتفسير (تفسير الألفاظ) قد استقر .يقول الله عز وجل” قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً”.

العلاقة بين التدبر والاستنباط :

معنى التدبر: هو النظر إلى عواقب الأمور وما تؤول إليه.وقد ورد هذا المصطلح في أماكن عدة من كتاب الله العزيز يقول الله سبحانه “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” محمد 24

والتدبر هو تأمل القرآن بقصد الاتعاض والامتثال والعمل بما فيه .

ونطرح السؤال: هل الاستنباط هو التدبر؟

  • يقول عز من قائل “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَٰافًا كَثِيرًا وإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلْأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لَٱتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَٰانَ إِلَّا قَلِيلًا” (82/  النساء 83).

نلاحظ أن آية الاستنباط جاءت عقب آية التدبر. فالتدبر جاء لعموم الناس أما  الاستنباط فخص به أولو العلم الذين سماهم الله سبحانه بـأولي الأمر وهم العلماء .

  • التدبر موجه لكل الناس، للكفار والمنافقين ليسلموا وجوههم لله و للمسلمين على شتى أصنافهم  ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ،أما الاستنباط فهو لدقائق الأمور لذلك هي خفية لا يستخرجها إلا العلماء.
  • الاستنباط يكون نتيجة التدبر أي أن التدبر هو أصل الاستنباط يقول ابن عاشور “وإنك لتمر بالآية الواحدة فتتأملها، وتتدبرها فتنهال عليك معان كثيرة” أي تستنبط معان كثيرة

ومنه فإن: استخراج المعاني والأحكام هو نتيجة التدبر،أي أن الاستنباط يعتمد على  التدبر.

خاتمة:

لا سبيل إلى تحصيل المطالب العالية والكمالات إلا بالإقبال على كتاب الله عز وجل الذي يشمل التلاوة والتفسيروالتدبر.نقول التفسير والتدبر هما عمليتان متلازمتان فالتدبر يحتاج إلى التفسير والتفسير يحتاج إلى التدبر.

إن استخراج المعاني والأحكام هو نتيجة التدبر، والاستنباط هو نتيجة التدبر الخاص.

إن الاستنباط ليس هو فقط مسلك من مسلك العلة وإنما هوعلم مهم لكل التخصصات الشرعية ، إذ ورد في الدراسات القرآنية والفقه وأصوله ،وفي الحديث وليس خاصا كعلم التفسير والتدبر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.