منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الخاسر المحمود (قصيدة)

الخاسر المحمود (قصيدة)/ د. سمير العمري

0

الخاسر المحمود (قصيدة)

بقلم: د. سمير العمري

قَدْ نُحْتُ حَتَّى قِيلَ هَلْ ثَكَلا

وَضَحِكْتُ حَتَّى قِيلَ هَلْ خَبَلا

مَا هَذِهِ الأَيَّامُ تَفْجَعُنِي

فِي كُلِّ أَمْرٍ كَانَ مِنْ وَإِلى

صَبَّتْ كُؤُوسَ الصَّابِ مُتْرَعَةً

فَشَرِبْتُ حَتَّى اعْتَدْتُهُ عَسَلا

وَقَنعْتُ أَنْ أَقْتَاتَ مِنْ أَمَلٍ

لَكِنَّهَا لَمْ تُقْنِعِ الأَمَلا

قَالَتْ حَمَلْتَ الهَمَّ قُلْتَ لَهَا

هَلْ كَانَ إِلا الهَمُّ مَا حَمَلا؟

مَا حِيلَتِي؟ لا اليَأْسُ جَادَ بِهِ

فَأَكُفُّ عَنْهُ وَلا النَّدَى بَخِلا

مَنْ لِي بِعَينٍ غَيرِ مُبْصِرَةٍ

أُعْطِيهِ مِلْءَ العَينِ مَا سَأَلا

مَنْ لِي بِنَفْسٍ غَيرِ لائِمَةٍ

أَرْتَاحُ مِنْ هَمِّي الذِي ثَقُلا

فَتَّشْتُ عَنْ قَلْبٍ أُعَاتِبُهُ

فَرَأَيْتُهُ قَدْ ذَابَ حِينَ خَلا

قَلْبِي الذِي بِاللِينِ أَرْهَقَنِي

يَا لَيتَهُ يَقْسُو وَيَعْرِفُ لا

كَمْ صَاحِبٍ آثَرْتُهُ فَغَضَا

حَتَّى إِذَا ذَاقَ الرِّضَا جَفَلا

أُهْدِي لَهُ حُبِّي عَلَى طَبَقٍ
فَيَصُبُّ لِي بِالجَوْرِ كَأْسَ قِلَى

أَوْ كَاشِحٍ يَجْتَرُّ مِنْ حَسَدٍ

بُغْضًا وَيَلعَقُ بِالهَوَى العِلَلا

قَدْ أَنْجَبَتْ كَفَّاهُ قِرْدَ زِنَا

فَيَظُنُّهُ بِالوَهْمِ رِيمَ فَلا

يَا غُرْبَةً فِي الرُّوحِ مَا فَتِئَتْ

تَنْأَى وَسَرْجُ الرِّيحِ مَا احْتَمَلا

مَا زَالَ طَيرِي فِي مَوَاسِمِهِ

غَضَّ الجَنَاحِ وَشَيْبُهُ اشْتَعَلا

مَا زَالَ يَشْدُو دُونَ حَنْجَرَةِ

مِنْ أُغْنِيَاتِ الوَجْدِ مُرْتَجِلا

أَنَا أَنْتَ يَا قَلْبِي أَتُنْكِرُنِي

وَأَنَا الذِي لِوَفَائِكَ امْتَثَلا

أَوْفَيتُ مَا ظَنِّي قُتِلْتُ بِهِ

وَمِنَ الوَفَاءِ المُرِّ مَا قَتَلا

زَيَّنْتَ أَحْلامِي فَعِشْتُ لَهَا

لا أَبْتَغِي عَنْ خَيلِهَا حِوَلا

وَطَفَقْتَ تُقْنِعُنِي بِصَفْوِ غَدٍ

حَتَّى نَسِيتُ الذِّئْبَ وَالحَمَلا

أَسَفَى عَلَى قَومِي وَقَدْ صَدَفُوا

عَنْ كُلِّ دَرْبٍ جَلَّ وَاعْتَدَلا
فِي كُلِّ كُرْسِيٍّ رُوَيْبِضَةٌ

أَحْنَوْا إِلَيهِ الرَّأْسَ فَانْتَعَلا

مَأْفُونُ لَكِنْ بَاتَ مُلْهِمَهُمْ

رِعْدِيدُ لَكِنْ أَصْبَحَ البَطَلا

إِنْ شَادَ أَهْلُ العَزْمِ مَدْرَسَةً

لِلفِكْرِ شَادَ القَهْرُ مُعْتَقَلا

زُمَرًا تَرَاهُمْ فِي مُفَاخَرَةٍ

هَيْهَاتَ تَلْقَى مِنْهُمُ الَّرُجَلا

مَا اشْتَاَقُهُمْ عِلْمٌ وَلا عَمَلٌ

إِلا وَأَغْرَوا فِيهِمَا الكَسَلا

مِنْ كُلِّ مَسْرُورٍ بِشقْوَتِهِ

مَا رَاقَهُ وِرْدٌ وَطَابَ كَلا

لَوْ سَالَ مَاءُ العِلْمِ مِنْ فَمِهِ

مَا كَانَ إِلا الهَزْلَ وَالغَزَلا

وَعَلَى نَشِيجٍ مِنْ سَلامَتِهِ

قَالَ الهَوَانُ أَلا فَقَالَ بَلَى

حَسْبُ المَنَايَا أَنْ يَكُنَّ لَهُ

سَوْطًا يُزَلْزِلُ قَلْبَهُ وَجَلا

أَسَفَى فَإِنِّي لا أَكَادُ أَرَى

سَهْلا يَقِينَا الخَسْفَ أَوْ جَبَلا

الفُلْكُ تَجْرِي وَالمُنَى لُجَجٌ

وَالقَوْمُ صَرْعَى وَالهُدَى اعْتَزَلا

وَالعَالمُ المَفْتُونُ مُعْتَصِمٍ

بِالعُجْبِ فِيمَا قَالَ أَو فَعَلا

ظَنَّ الكَمَالَ فَطَارَ مُبْتَهِجًا

وَمَآلَهُ لِلأَرْضِ أَيْنَ عَلا

أَفْتَى فَمَاذَا لِلعُقُولِ جَنَى

أَرَبًا وَمَاذَا لِلعُيُونِ جَلا

إِنَّ اكْتِمَالَ العَقْلِ حِينَ يَعِي

أَنِّ الذِي فِي العَقْلِ مَا اكْتَمَلا

كَيفَ الشُّعَاعُ يَلُوحُ مُؤْتَلِقًا

نُورًا وَجِرْمُ النَّجْمِ قَدْ أَفَلا

يَبِسَ الضِّيَاءُ عَلَى مَحَاجِرِهِ

وَإِلَى المَشَاعِرِ ظِلُّهُ اتَّصَلا

إِنِّي لأَعْجَبُ كَيفَ هَانَ عَلَى

حُرٍّ بُلُوغُ عُلا وَكَيفَ سَلا

كَيفَ اسْتَطَابَ ظُنُونَ حِصْرِمِهِ

عَصَرَتْهُ بِالنَّجْوَى كُؤُوسَ طِلَى

العَدْلُ مُرٌّ عِنْدَ ذِي غُرُمٍ

وَأَمَضُّ مِنْ نُصْحٍ أَمَامَ مَلا

وَالحَقُّ مِيزَانُ الرِّجَالِ عَلَى

قَدْرِ الفَضَائِلِ خَفَّ أَوْ ثَقُلا

وَالنُّصْحُ صِدْقٌ لا يُبَرِّرُهُ

إِنْ خَانَ ذُو رَأْيٍ وَإِنْ خَتَلا

وَالعَهْدُ مَسْؤُولٌ بِصَاحِبِهِ

سِيَّانِ مَنْ وَفَّي وَمَنْ مَطَلا

وَالمَرْءُ مَحْكُومٌ بِظَاهِرِهِ

مَنْ شَقَّ صَدْرًا أَدْرَكَ الزَّلَلا

شَبَّتْ حَيَاةُ الغَابِ وَاسْتَعَرَتْ

وَالخَاسِرُ المَحْمُودُ مَنْ عَدَلا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.