أطفالٌ في منابت الكفاح المُرّ
بقلم: عبد الهادي المهادي
صباح اليوم، وقبل أن أتوجه إلى العمل، انعطفتُ لزيارة الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ في مضجعه. لم يكن قد دخل أحد من الناس قبلي؛ فالجوّ كان يهبّ من الشرق باردا، والشّمس خلف الجبل ما تزال، وهو ما رفع من منسوب هيبة المكان في نفسي، مانحا إيّـاها حظا وافرا من الخشوع.
ما إن وقفتُ أمام القبر حتى انبعثَ قُدّامي طفل دون العاشرة، كما قدّرت. تردّد قليلا قبل أن يتقدّم في صمت. ودون أن أطلب منه شيئا، بدأ ينظف التّربة، ويقتلع الأعشاب التي نبتت بعد صبيب المطر، ويزيل الأوراق الذابلة من النّباتات التي غرستْـها والدتي بُعيْد دفن الوالد منذ ما يقرب من العامين.
انتهيتُ من تلاوتي ودعائي، ونفحتُه بعض الدراهم بعد أن علِمتُ منه أنه تلميذ يستيقظ باكرا كلّما كان التحاقه بالمدرسة متأخّرا، ويأتي إلى المقبرة ليقدّم بعض الخدمات البسيطة للزّوّار، مثل بيع الماء، رغبة في جني القليل من المال لمساعدة والديه.
في الطريق شرحتُ لابني الصغير وضعيةَ الطفل، والصعوبات الاجتماعية التي يمرّ بها، والتي جعلته يغادر الطفولة باكرا، وجاهدتُ في تحبيب شخصيته إليه لأنه شجاع ومكافح… لم يردّ عليّ، كان النّوم ما يزال عالقا بعينيه الصغيرتين، ولا أدري هل وصلته رسالتي أم جانبته. وأنا بدوري لم أهتمّ بمعرفة ذلك، لأنّني أراهن، في مثل هذه الحالات، على الأثر الذي يسكن غائرا في نفسية الطفل، وليس على الانطباع السّطحي الذي يغزوه سريعا ويغادر دون أن يعشّش في أعماقه.