منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

كيف تعيشون أيام حياتكم الثلاثة في سعادة ودون ضجر أو قلق؟(خطبة) 

كيف تعيشون أيام حياتكم الثلاثة في سعادة ودون ضجر أو قلق؟(خطبة) / بن سالم باهشام

0

كيف تعيشون أيام حياتكم الثلاثة في سعادة ودون ضجر أو قلق؟(خطبة) 

بقلم: بن سالم باهشام

أستاذ العلوم الشرعية

عباد الله، اعلموا أن كل إنسان – كان ذكرا أو أنثى، كبيرا أو صغيرا، فقيرا أو غنيا – عمره كله يقسم إلى ثلاثة أيام، يوم عاشه ومضى، ويوم هو فيه، ويوم مستقبلي لا يدري ما الله فاعله.

عباد الله، إن حياتنا كلها هي عبارة عن محطات نعيشها بكل مراحل الحياة، وأن الحياة لا تبغي الشر لساكنيها، بل هي وسيلة لتنفيذ اختياراتكم التي قد علمها الله – سبحانه وتعالى- في علم غَيبه، قال تعالى في سورة الحديد: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22، 23]، أي ما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم من الأمراض والجوع والأسقام، إلا هو مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن تُخْلَق الخليقة. ذلك على الله تعالى يسير.لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما آتاكم فرحَ بطر وأشر، والله لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا، فخور به على غيره. [التفسير الميسر،(10/46 – 47، بترقيم الشاملة آليا].

عباد الله، إننا إذا ما تعاملنا مع الحياة على أنها زائلة، متأرجحة المقامات، لا يُعز عزيزها للأبد، ولا يُذل ذليلها للأبد، وأنه مهما كانت مراحل الحياة بحلوها ومرها إلا أنها ستستمر، فالأمس يبقى مجرد ذكرى ولن يعود، واليوم نعيشه ولن يدوم، أما الغد لا ندري أين نكون، هذه هي الحياة، ماض وحاضر ومستقبل، ومهما تعددت ألوان الحياة، فعلينا أن نعلم كيف نعيش حياتنا كل لحظة، بأمل أن الغد أفضل من الأمس، ومن اليوم كذلك،وكل إنسان تمر عليه لحظات حزينة، فالحياة لا تخلو من الهموم والمشاكل، ومع ذلك فالحمد لله على نعمه الكثيرة، وحياتنا قصيرة، والحياة جميلة بالمحبة والخير والأمل.

عباد الله، إذا كانت البشرية جمعاء؛ متحدة في هذه الأيام الثلاثة، والتي هي الماضي والحاضر والمستقبل، إلا أنهم مختلفون في كيفية التعامل معها، ومن خلال هذا التعامل؛ تختلف حياتهم بين شقي وسعيد، وكل واحد وكل واحدة منكم؛ يطمح أن يعيش حاضره ومستقبله في كامل السعادة، وهذا لا يتحقق ولا يتأتى إلا إذا سلك الشخص طريقها بعد الأخذ بأسبابها. قال تعالى في سورة النحل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، [سورة النحل، الآية 97.]، إيمان وعمل صالح، يحققان سعادة الدارين، هذه هي المعادلة الربانية التي تعتبر قانونا إلهيا لا يتغير بتغير الأزمنة والأمكنة حتى قيام الساعة.قال تعالى في سورة الأحزاب: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 62].

أما كيف نتعامل مع الماضي والحاضر والمستقبل، فللحكماء والمفكرين في ذلك أقوال، من ذلك:

ما جاء في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني رحمه الله: (وَإِنَّمَا الدُّنْيَا إِذَا فَكَّرْتَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ:

1- يَوْمٌ مَضَى لَا تَرْجُوهُ.

2 – وَيَوْمٌ أَنْتَ فِيهِ يَنْبَغِي أَنْ تَغْتَنِمَهُ.

3 – وَيَوْمٌ يَأْتِي لَا تَدْرِي أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ أَمْ لَا، وَلَا تَدْرِي لَعَلَّكَ تَمُوتُ قَبْلَهُ.

فَأَمَّا أَمْسُ، فحكيمٌ مُؤَدِّبٌ، وَأَمَّا الْيَوْمُ، فصديقٌ مُوَدِّعٌ، غَيْرَ أَنَّ أَمْسَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَجَعَكَ بِنَفْسِهِ، فَقَدْ أَبْقَى فِي يَدَيْكَ حِكْمَتَهُ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَضَعْتَهُ، فَقَدْ جَاءَكَ خَلَفٌ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ عَنْكَ طَوِيلَ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ الْآنَ عَنْكَ سَرِيعُ الرِّحْلَةِ، وَغَدَا أَيْضًا فِي يَدَيْكَ مِنْهُ أَمَلُهُ، فَخُذِ الثِّقَةَ بِالْعَمَلِ، وَاتْرُكِ الْغُرُورَ بِالْأَمَلِ، قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى الْيَوْمِ هَمَّ غَدٍ، أَوْ هَمَّ مَا بَعْدَهُ، زِدْتَ فِي حُزْنِكَ وَتَعَبِكَ، وَأَرَدْتَ أَنْ تَجْمَعَ فِي يَوْمِكَ مَا يَكْفِيكَ أَيَّامَكَ، هَيْهَاتَ، كَثُرَ الشُّغلُ، وَزَادَ الْحُزْنُ، وَعَظُمَ التَّعَبُ، وَأَضَاعَ الْعَبْدُ الْعَمَلَ بِالْأَمَلِ، وَلَوْ أَنَّ الْأَمَلَ فِي غَدِكَ خَرَجَ مِنْ قَلْبِكَ، أَحْسَنْتَ الْيَوْمَ فِي عَمَلِكَ، وَاقْتَصَرْتَ لَهُمْ يَوْمَكَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمَلَ مِنْكَ فِي الْغَدِ دَعَاكَ إِلَى التَّفْرِيطِ، وَدَعَاكَ إِلَى الْمَزِيدِ فِي الطَّلَبِ).[ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430ه)، الناشر: السعادة – بجوار محافظة مصر، 1394هـ – 1974م، ثم صورتها عدة دور منها، دار الكتاب العربي – بيروت، ودار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ودار الكتب العلمية- بيروت (طبعة 1409هـ بدون تحقيق). (2/ 138 – 139)].

وروى الديلمي في كشف الخفاء، بسند ضعيف، وبعض ألفاظه صحيحة المعنى،عن الإمام علي رضي الله عنه:(من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخِر يوميه شرًّا فهو ملعون، ومن لم يكن على الزيادة فهو في النقصان، ومن كان في النقصان، فالموت خير له، ومَن اشتاق إلى الجنة، سارَعَ في الخيرات، ومن أشفق من النار، لهِيَ عن الشهوات، ومن ترقَّب الموت، هانت عليه اللذات، ومن زهد في الدنيا، هانت عليه المصيبات). وفي لفظ: (من طلب الدنيا، قعدت به، ومن زهد فيها، لم يبالِ مَن أكلها، الراغب فيها عبد لمن يملكها، أدنى ما فيها يكفي، وكلها لا تُغني، من اعتدل يومه فيها، فهو مغرور، ومن كان يومه خيرًا من غده فهو مغبون، ومَن لم يتفقَّد النقصان عن نفسه، فإنه في نقصان، ومن كان في نقصان فالموت خير له).

ومن أقوال المفكرين في كيفية التعامل مع أيامنا الثلاثة من حياتنا:

– (الأمس هو شيك تم سحبه، والغد شيك مؤجل، أما الحاضر، فهو السيولة الوحيدة المتوفرة، لذا علينا أن نصرفه بحكمة). [قولة العالم اللبناني الدكتور “كفاح فياض”، مواليد، 1964م، العضو في الرابطة العالمية للقادة الرواد].

– (ما الماضي إلا حلم، و ما المستقبل إلا رؤية، وعيشك الحاضر بحب تام لله سبحانه وتعالى، يجعل من الماضي حلماً من السعادة، و من المستقبل رؤية من الأمل)، [من أقوال الدكتور إبراهيم محمد السيد الفقي، (5 غشت 1950 – 10 فبراير 2012)،  رئيس مجلس إدارة المركز الكندي للتنمية البشرية].

– (لتحصد أفضل النتائج، تعلم من الماضي، واجتهد في الحاضر)،[قولة الكاتب الأمريكي “جاكسون براون” من مواليد 1940، صاحب كتاب إرشادات الحياة].

عباد الله، تعتبر هذه الحكم والأقوال نبراسا لنا في حياتنا، ومحفزا لنا لنضع أقدامنا على الطريق الصحيح، وحتى يكون يومنا أفضل من أمسنا؛ وغدنا الذي هو المستقبل أفضل من يومنا؛ لابد من التنافس مع الذات، فهو أفضل تنافس في العالم، فكلما تنافس الإنسان مع نفسه؛ كلما تطور، بحيث لا يكون اليومَ كما كان بالأمس، ولا يكون غداً كما هو اليوم. ولقد حض الشرع على التنافس في الخيرات، وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تحث على التسابق والمبادرة في أعمال الخير والطاعة، قال تعالى في سورة المطففين: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26.]

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.