منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الفكر العربي بحاجة للثورة على الذات حوار مع الشاعر الفلسطيني الحسين جبارة

حاوره الأستاذ محمد فاضيلي

0

الفكر العربي بحاجة للثورة على الذات

حوار مع الشاعر الفلسطيني الحسين جبارة

حاوره: الأستاذ محمد فاضيلي

هو شاعر رسالي ملتزم بقضية الوطن، مهووس بحبه، يبذل ما يستطيع من أجل الدفاع عنه والتعريف به في كل الملتقيات..

أعاني احتلالا يصادر أرضا…..فيهتك عرضا بسحل وجلد
ويمنع حرفا ويكبت بوحا….يتابع خطوا ببحث ورصد
يقتر ماء ويقلع غرسا….يطارد طفلا برحم فمهد
يحرم حلما ويسجن حلما….يقوض بيتا بعسف وعمد
اشق السماء فافلح وعرا….أعيد الحضارة ابني بجدي
أشق السفوح أغازل تلما…واجني الثمار بفرح وكد
اهز احتلالا تمادى ببطش….أعيد الفخار بقوة رند.

إنه شاعر فحل من فحول الشعر العربي الحديث، حلقة في سلسلة شعراء القضية المقدسة، سياسي محنك، وخبير تربوي وإداري مجرب..

يبوح سرا وجهرا بحبه لمعشوقته/ ليلاه التي لا تشبه اي ليلى:

يا قدس آتي عاشقا فمولها….بجوارحي أهواك إن لم أنطق
للغير يوما لن تكوني عهدة…..وانا لغيرك لن أكون بمنتق
انت الشذا تتضوعين كرامة….أنت الوحيدة من أضم فأرتقي
ساظل افدي بالفؤاد مرابعي….أحمي الحمى بعزيمة المتخندق
حبي لأرضي فيض غيث عامر….تيار نهر هادر متدفق
لا أنثني لا أنحني بل أنبري….فوق الجواد أصول نصرا ألتقي

فتجيبه الحبيبة/ ليلاه بأرق فيض:

أنت في صبحي شروق فاض نهرا….فارسي، أهواك من دون اتزان
يا امينا في رحابي رحت تزهو….صن عرينا فيه تغفو بالأمان.
قف وردد عشق ليلى ثم سدد….لا تخف وانثر غراما للعيان
لم أذق حبا تماهى في حياتي….لم أذق إلاك ترياق الطعان
طبت كأسا اترعت تنهيد شوق…أثملتنا بانسجام فاقتران
دم شريكا ننسج الأحلام دارا….نغرس الفردوس زهر البيلسان.
يا ملاكي وملاذي أنت ذخري….كن بفجري نير إنس بأس جان.

يسر موقع منار الإسلام أن يستضيف الشاعر الفلسطيني الكبير الأستاذ الحسين جبارة للحوار معه حول تجربته الشعرية المميزة وقضايا متنوعة متعلقة بالفكر والأدب.

1) سيدي الشاعر الكبير الأستاذ الحسين جبارة، أهلا وسهلا بكم ضيفا عزيزا على موقع منار الإسلام، يسعدنا أولا ان تتكرموا بتقديم نفسكم واهم المحطات في حياتكم الشخصية للقراء الكرام، وبعض الذكريات الجميلة التي ما تزال عالقة في ذاكرتكم الفيحاء.

انا من مواليد الطيبة في فلسطين، بها نشأت وكبرت وتعلمت في أسرة كادحة عاملة لا تعرف الكسل والخمول.
التحقت بدار المعلمين بيافا وانخرطت في سلك التعليم.
خلال عملي التحقت بالجامعة وتخرجت واصبحت نائب مدير مدرسة ثانوية ومرشد تربية اجتماعية، ثم مدير مدرسة إعدادية فمرافق مديرين جدد.
عشقت المطالعة منذ صغري وقرات للأدباء العرب والأجانب، خاصة الشعراء وكتاب القصة، لكن انشغالي بالعمل منعني من الكتابة والإبداع إلا في المناسبات النادرة، وبها تميزت..

2) بارك الله فيكم وفي اهلكم سيدي..الطيبة مسقط الرأس، ماذا تمثل في حياتكم الشخصية والفكرية والأدبية؟

الطيبة مسقط راسي، عشت بها طفلا حرا، وسط أسرة فلاحين، تعهد الزيتون والتين والصبار، وتقدس الأرض وفلاحتها.
عشت سقوط القرية وتسليمها لليهود في يوم حافل ماطر بالرصاص وبمنع التجول.
وعلى مر العقود كانت الطيبة مركزا للنضال والكرامة..

 حررها الله من الاحتلال واعادها إلى اهلها حرة عزيزة ابية وكل شبر من فلسطين..

3)هلا حدثتمونا عن الحياة الأدبية والشعرية في الطيبة خصوصا، ولدى عرب الداخل عموما؟

في العهد البريطاني من 1914 وحتى 1948 كانت الطيبة مركزا ثقافيا وحضاريا، وبها نشأ المربون والمهندسون والشعراء والمفتشون والمديرون الذين توزعوا بكل أنحاء فلسطين.
مع حلول النكبة عام 1948، غادرت غالبية المثقفين البلدة وهاجرت للاقطار العربية المختلفة.
في سنوات الخمسين، بدأت تنمو حركة أدبية جديدة في ظل قيادات سياسية بارزة..فظهر بها خطباء سياسيون..وزجالون وشعراء وطنيون تعرضوا للمعاناة والاعتقال.
لاحقا ازداد عدد حملة القلم الذين كتبوا القصة والمقالة وكتب التدريس والشعر والبحث العلمي..

بوركت الجهود سيدي..

4) يسعدنا ان تحدثوا قراءنا الأعزاء عن تجربتكم الشعرية، بداياتها، انتشارها، مميزاتها، آفاقها والإضافة النوعية التي قدمتها للشعر العربي الفياض.

في البداية كناشىء، قرأت الشعر كمتذوق..قرأت لامرئ القيس والمتنبي والمعري وابي نواس..قرات لأحمد شوقي والقباني وابي القاسم الشابي وتوفيق زياد ودرويش.. وقرأت الكثير من القصص العربية والأجنبية.. كما قرأت لجوركي وبوشكين وبودلير..

قرأت واستمتعت، لكنني لم اكتب ادبا..كتبت هنا وهناك، للمناسبات، وكنت أميل إلى الشعر بشكل واضح..كتبت اشياء خفيفة غير مهنية وأدوات مناسبة..انهمكت كثيرا في العمل..كثير من الأصدقاء لاحظوا قدراتي الكتابية فدعوني لاقتحام المجال..زادت كتاباتي لاحقا، فصرت اكتب القصائد القصيرة دون أن انشرها..قرأت ما كتبت فصفق الجمهور دون أن أعلن انني شاعر..بدأت اتابع تقنيات القصيدة، بحورها تفعيلاتها.. درست كتاب تاريخ الأدب العربي ووقفت على بحور الشعراء فقطعت الأبيات صفحة تلو الصفحة..بدات اكتب القصيدة قبل 12 سنة وشاركت بالقراءة من على المنصات في فلسطين والاردن..وقد اكتشفت بعض الثغرات في قصائدي فعدت لصياغتها من جديد، وما زلت اتعلم واصحح..حتى هذا اليوم تبعا للنقد والملاحظات.
طورت ثقافتي في علمي الإعراب والتصريف ثم في فهم القصيدة العمودية..
كتبت القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وبعض القصائد بدون قوافي..كتبت قصائد قصيرة قريبة لقصيدة النثر لكنها ليست كثيرة..قرات لصلاح عبد الصبور ومظفر النواب..
انشر اليوم في مئات المواقع الإلكترونية في العالم العربي ولي جمهوري العريض..
افخر بانني اتعلم كل يوم وارتقي بكتاباتي.. اقبل كل أنواع الكتابة شريطة إتقانها.. كانت شعرا عموديا او شعر تفعيلة او قصيدة نثر..

 تجربة غنية مثمرة ومفيدة..

5)أكيد أن شاعرنا القدير قد تأثر بشعراء وأدباء ومدارس أدبية بلورت شخصيته الشعرية الفذة، من ابرز هذه الشخصيات وهذه المدارس التي صنعت الشاعر الحكيم الحسين جبارة؟

كثيرا ما تصفحت ديوان المتنبي..عدت للديوان عشرات المرات واخترت أجمل الأبيات وحفظتها ووقفت على روعتها..
عشقت المعاني والفكر لدى المعري.. أعجبني شعر بودلير ونزار وقرأتهما كثيرا..تابعت صلاح عبد الصبور وقرأت ديوان مظفر النواب عشرات المرات وبسببه نحوت منحى قصيدة التفعيلة..
تابعت شعراء المقاومة درويش والقاسم وزياد..درست أوزان القصيدة الأوربية المبنية على النغم وقارنتها مع أوزان الشعر العربي.

بالمزيد إن شاء الله سيدي..

6) ماذا يمثل الشعر في حياة شاعرنا القدير الحسين جبارة، وماذا يقول لشعراء التملق والارتزاق والغواية؟

الشعر برأيي رسالة إنسانية تحمل جمالا ومعاني تصون العدل، تقاوم الظلم..رسالة تحمل بشرى تقهر الكبت والحرمان..
الشعر متنفس ومسرح للتعبير عن الذات، عن المواقف، عن الشموخ، عن الطموح والإبداع..
الشعر انتصابة قامة ترد الغريب، ترد القريب، تمطر رومانسية حالمة وكفاحية لا تعرف الحدود..

7) فعلا استاذ..لكل شاعر رسالة، فما رسالة ضيفنا الكريم الاستاذ الحسين جبارة؟

رسالتي هي الدفاع عن الإنسان حيثما تواجد ومهما كانت جنسيته..اناصر المظلومين مهضومي الحقوق في وجه المتسلطين أصحاب رؤوس الأموال والقوة..الحريات دربي وعقيدتي..ادعو للخير والسلام والاحترام..ادافع عن اهلي وشعبي ووطني، واطالب بحوزتهم لحقوقهم ككل شعوب الأرض، من خلال نضالي بالكلمة الحرة والجميلة والمفعمة بالمشاعر الصادقة، تتجسد بلوحات فنية راقية..
لا أومن بالبكاء والصراخ وبحالات العجز..أومن بالإنسان القادر وباعتماد الذات..

8) نعم الرسالة..موفقون بإذن الله..لكل شاعر طقوس وظروف وأحوال خاصة تساعده على النظم وتدفعه للكتابة، فكيف تجذب القصيدة شاعرنا العزيز، ومتى يرى نفسه في حاجة ماسة لمداعبة القصيد؟

اتصفح العالم بعيني ومسامعي، بالشم والذوق، بالفرح والالم، من خلال قراءة نص ما او الاستماع لقصة او تتبع خبر يومي او سياسة ظالمة..
اثناء ذلك تاخذني لحظة معينة او ومضة فكرية ساحرة، فأتوقف عندها، اداعبها، الاطفها بالكلمة او الجملة او المشهد..اقف عندها كثيرا حتى اترجمها لعدة كلمات بموسيقاها، فأوثقها تفعيلة ما او شطرا شعريا افتتاحيا..اترك الخيط الشعري الذي بدأت، محتفظا بالصورة وبكلمات الافتتاح..اعود لما ابتدأت لاحقا، مرة ومرتين وثلاثا، أصوغه وأطوره في بناء مشهد شعري جميل..احيانا أعجز فاستسلم..وحينما استسلم للنعاس، تأتيني الفكرة بتعبيرها الرفيع..انهض وأسأل ما استوحيت.. تجربتي علمتني ان أعود للقصيدة عشرات المرات..وبكل عودة أجدد وأغير.

 زادكم الله بسطة في العلم والجسم سيدي..

9)في نظر الشاعر الحسين جبارة، هل استطاع الشعر الفلسطيني خدمة القضية الفلسطينية والتعريف بها والدفاع عنها في الملتقيات المختلفة؟

تناول الشعر الفلسطيني القضية من عدة أبواب وفي عدة مجالات وطيلة الوقت..واحتل الشعر حيزا اكبر مما احتلته القصة او الرواية..ذلك ان الشعر أقرب للموسيقى وللايقاع، فجاء غنائيا يتردد على اللسان..وقد ساهمت الإذاعات العربية في نشره عبر الاقطار العربية والترجمات. وبسبب المظاهرات والاجتماعات العامة كما الحشود والتجمهرات، فقد توفرت المنصات لإلقاء القصيد ..لقد برز ذلك جليا لدى عرب الداخل باشعار محمود درويش والقاسم وتوفيق زياد وراشد حسين ومحمود الدسوقي..
ترجم الشعر الفلسطيني للغات اجنبية كثيرة فنقل الرسالة للآخرين وساهم في خدمة القضية..
برحيل محمود درويش واحمد دحبور وغسان كنفاني وجيلهم الفذ، وبسبب تراجع المد الثوري العربي في المنطقة تراجع الشعر ولم يعد يتحلى بالنكهة الأصيلة التي تحلى بها سابقا..بقي الشعر الفلسطيني غنائيا وطنيا ولم يتطور لشعر قصصي او لأشعار ملحمية تهز الذوق الفني الكوني او معايير العدالة المزيفة.

ما زالت أمام الشعر الفلسطيني مهام تتطلب الإبداع المتميز.

إن انعدام الحريات بالعالم العربي ألقى بظلاله على تقييد الانطلاقات إلى الأبعد..

 ما يزال الشعر الفلسطيني بخير مادام يبحر على متن قواربه امثال شاعرنا القدير الحسين جبارة..

10)كيف تقيمون الحركة الشعرية العربية الحديثة، وهل ما تزال فلسطين قضيته الأولى؟

فلسطين هم العربي البسيط بالتلقائية والعفوية وانتظار النصر، تبعثه العناية السماوية.

لا مكان في تفكير العربي “واعدوا لهم ما استطعتم” وهذا هو موقف الحركة الأدبية في كل العالم العربي، لا فرق بين نظام ملكي او جمهوري..يخضع العالم العربي لثلاث طابوهات..ديني سياسي.. وعرفي.اولا اقبل الوضع السياسي كما هو لا تتحداه، واقبل الفكر الديني كما هو، لا تناقشه او تحاوره، واقبل العادات والاعراف واركع لها. الفكر العربي بحاجة إلى الثورة على الذات وهو بحاجة إلى الإيمان بالقوة والقدرة العربية..

في فرنسا سبقت الثورة الفكرية ثورة سياسية في تغيير النظام..في ألمانيا وإيطاليا وبلدان أخرى سبق الأدباء السياسيين في تغيير الحياة..أما لدينا، فظلت الحركة الأدبية ظلا لإيحاءات الحاكم إلا قلة من الأدباء الذين طردوا من أوطانهم للمنفى..لذلك ظلت الحركة الأدبية تبحث عن التجديد بأشكال الشعر العمودي او شعر التفعيلة وقصيدة النثر…لم تبحث عن التجديد بالمضامين وبقيادة الحاكم إلى إبداع الخير والتغيير الحياتي المطلوب، إلا ما ندر عند بعضهم..

11) فعلا..الفكر العربي في حاجة للثورة على الذات..شاركتم سيدي..في عدد كبير من الملتقيات والمهرجانات في فلسطين والأردن وغيرها، فكيف تقيمون هذه المشاركات؟

مشاركاتي الأدبية إثراء لتجاربي وقصائدي، فيها أتعرف على شعراء جدد، أستمع إليهم وأستفيد منهم.. اتعلم منهم وأعرض ما لدي من قصيد وفن..المشاركة فرصة للإثراء المشترك ولتوسيع دائرة المعارف الإنسانية والمهنية.
ظهرت بالأردن بعمان وبالسلط مع منتدى زي ومن على خشبة مسرح عمون ثم مسرح همسة الثقافة..كانت التجربة رائعة والضيافة دافئة وفلسطينية بامتياز..نفس الإحساس رافقني على منصات الضفة الغربية بالخليل وبيت لحم بالقدس وأريحا برام الله ونابلس وجنين وبقية المدن..فلسطينية اللقاء والانتماء رافقتني لدى عرب الداخل بحيفا والنقب باللد والرملة والمثلث والجليل. لقد أفدت واستفدت وخدمت قضيتي وانا أحمل رسالتي الوطنية والإنسانية.

12) جميل جدا سيدي..لكم عدة دواوين منشورة، نود فكرة عن هذه الدواوين.

اصدرت ثلاثة دواوين شعرية هي القصائد الدافئة والقصائد الدافقة والقصائد الخافقة..وما زال لدي ثلاثة دواوين لم تطبع..لم تتم طباعة الدواوين الستة لأسباب اقتصادية، لأنني أطبع أشعاري الوطنية على حسابي الشخصي دون أن احصل على دعم من أحد..بالإضافة لذلك، فشعبنا لا يقرأ ولا يشتري..قصائدي بغالبيتها وطنية وبعضها مدرسي وغزلي، حيث يمتزج لدي غزل الحبيبة بغزل الوطن..لا اومن بالعجز وثقافة العجز ولا بالشكوى والبكاء، وبالعكس فكثير من قصائدي تحمل الأمل والشروق وثقافة القدرة لا الاستسلام..هوية قصائدي عربية واسعة وعريضة لا تؤمن بالحدود وبالشرذمة الفئوية.. كتبت القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وفي بعض القصائد تحررت من الضوابط ومن الأطر الرتيبة ولم أكثر..

13)وفقكم الله لطبع دواوينكم، وزادكم من فضله..مارستم التعليم والتربية والإدارة لمدة تزيد عن الثلاثين سنة. من خلال هذه التجربة، كيف تنظرون لواقع التربية والتعليم في الوطن العربي، وما هي في رايكم السبل الكفيلة بالنهوض به وتجويده؟

لم أدرس وضع المدرسة العربية في أي بلد عربي..لذلك تأتي إجاباتي انطباعية استشفافية وعامة..حسب قراءاتي في علوم التدريس وعلمي التربية والنفس..وحسب استنتاجاتي من واقع المجتمعات العربية، فإن التدريس في المدرسة العربية يعتمد التلقين والإيداع الذي يعتمد حفظ المعلومات وترديدها..بينما تستند المدرسة الغربية على الإبداع والتحليل والقراءة الناقدة..سياسات الجامعة الاوروبية ان لا يتفنن الطلاب في حفظ المواد غيبا بل ان يضيف الطلاب بأبحاثهم معلومات جديدة لم تكن مكشوفة للمعرفة البشرية..ومن يصل لإضافة معلومات جديدة يخترع ويصنع ويبع ويكن الأقوى..شخصيا تعلمت أن أقرأ النصوص من خلال طرح الأسئلة عليها، مستثمرا ديكارت ومبدأ الشك العلمي..من ناحية ثانية تعلمت أن أتعامل مع الطلاب من موقع الاحترام، ومن منطلقات الحرية، ومن خلال طرح أسئلة تستدعي التفكير والتجديد والاكتشاف والإقلاع.. عودت الطلاب على مناقشة المعلم والمدير..وكل من يحتل منصبا في هرم الحكم والسياسة..بنيت منصة مدرسية وزودتها بمايكرفونات وفسحت المجال أمام كل طالب أن يعتلي المنصة للحديث ولتطوير الشخصيات والإبداع..اتصلت بمحاضرين من الجامعات لكي يعرضوا علوما يحتاجها تطوير المدرسة..وأخيرا خلقت أجواء مدرسية فيها يكتب الطلاب أبحاثا بجيل غض، وفيها يؤلف المعلمون أسئلة امتحانات تتطلب التفكير والإبداع..وقد مارس المعلمون النقد على الإدارة المدرسية بأجواء دافئة..

ملاحظات قيمة وتوجيهات نيرة نود أن تصل إلى المهتمين بالشأن التعليمي في العالمين العربي والإسلامي وأن يأخذوها بعين الاعتبار..

14) كيف كان تأثير خبرتكم التربوية والإدارية على تجربتكم الشعرية؟

كنت قارئا منذ صغري..واكتسبت مهارة فلسفة رؤيا المنظومة المنطقية، خلف المعلومات المتفرقة..المجالات الإدراكية ليست معلومات متفرقة تتواجد بالصدفة، بل تمارس فيما بينها علاقات سبب ومسبب، وعلاقة تحليل ونتيجة..

عشقت اللغات والرياضيات وانا طالب توجيهي..وواصلت البحث والتجوال في العربية والعبرية والإنجليزية..درست النصوص باللغة الآرامية القديمة ودرست الألمانية إلى حد ما..بدراستي علم النفس بالجامعة قرأت المقالات وآلاف الصفحات باللغة الانكليزية بنفسي..من يسيطر على اللغة الأم يسيطر بشكل عام على غالبية المواد..درست إيقاع الشعر العبري في الأندلس وإيقاع الشعر اليوناني والأوروبي الذي يعتمد النغمة لا المقاطع..

عشقت اللغة العربية ووقفت على قواعدها وبلاغتها واشعارها..

خلال ممارسة حصصي، وقفت مع الطلاب على كل هذه الجوانب ووضعتهم أمام الكتابة الإبداعية..خلال إدارتي للمدرسة كنت استثمر وجودي بحضور الحصص لدى معلمي العربية والعبرية والإنجليزية ومناقشة قضايا التدريس فأفيد وأستفيد.

قمت بحث المعلمين على إلقاء مهمات الإبداع على الطلاب وبنفسي كنت أتوجه للطلاب خلال الاصطفاف الصباحي وبحضور كل المعلمين بلغة نثر فني جميل او بلغة شعرية مرموقة. دفعت بعض المعلمين لفعل ما أفعل انا من على المنصة. أدرت جلسات معلمين ليست رتيبة، فكل جلسة كانت رسالة تختلف موضوعا وطرحا ولغة وحوارات جديدة…لم اسمح لنفسي خلال الفترة كلها ان أكرر ذاتي، فضاعفت قراءاتي ومطالعاتي..كل ما ذكرت وجد طريقه إلى أشعاري..

 بارك الله الجهد ونفعكم به ونفع بكم سيدي..

15) ما تعليقكم على محاربة الاحتلال للإعلام واستهداف الصحافيين الناجحين في مهنتهم؟

من الطبيعي أن يحارب الاحتلال الصحفيين والاعلاميين وأصحاب الفكر الحر.. في محاولاته لطمس العدالة والحقائق..
يملك الاحتلال وسائل الفتك الإلكترونية والمعدنية والهدم والتهجير.. ولا يكتفي.. فيلجأ إلى محاربة الكلمة والقصيدة والقصة والرواية التاريخية..
والقوي المنتصر هو من يكتب التاريخ كما يرى من وجهة نظره..ولهذا يتبنى الاحتلال دعم المنافقين والمتخاذلين والباحثين عن المكسب المادي الزائل ويلاحق الوطنيين أصحاب القلم الحر، لأنهم آخر من يدافع عن القضية وعن شرعية النضال..

رحم الله شهداء الواجب الوطني سفراء الإعلام الصادق..

16) ما رأيكم في التيمات التالية: التقسيم، التطبيع، الإفساد، وعد الآخرة؟

التقسيم يعني الاعتراف بحقوق الآخر على نسبة معينة من الوطن.. وهذا ما حدث عام 1947 ولاحقا كبرت النسبة عام 1948 حينما انخفضت نسبة الحق الفلسطيني إلى ما هو أدنى. في عام 1949اقتطع المثلث من الحصة الفلسطينية..في عام 1967 لم يبق تقسيم ما يمنح الفلسطيني حتى واحد بالمائة..واليوم يقع الوطن بكامله تحت صفر من السيادة الفلسطينية.

التقسيم بدأ خديعة وتطور من خديعة إلى أخرى جديدة..

أما التطبيع فهو القبول بالأمر الواقع الذي يحرم الفلسطيني من كل سيادة وكرامة وحق في العيش وفي البقاء..التطبيع توقيع احتفالي يرضاه الحكام وترضاه الدول التي لا تملك حرية اتخاذ القرار..والغريب أن التطبيع لا يمنح الطرف العربي إلا الحشف وسوء الكيلة..

أما الفساد فهو إدارة البلاد والموارد بشكل يخدم الأفراد القلائل والمنتفعين، بعيدا عن الكرامة والانتماء..بإدارات الفساد نصل للتطبيع ولقبول حصة الصفر من التقسيم..

لم أفهم وعد الآخرة إلا إذا كان القصد قدوم المسيح المنتظر أو وقوع معجزات سماوية تعيد الحق لأصحابه، وهذا لن يحدث، فالتاريخ البشري أحداث يصنعها الإنسان..اعتماد الذات والقدرة الإنسانية هو ما يضمن الحق التاريخي..

نعم الرأي..وأكيد ان عطاءكم لا ينفذ وان طموحكم لا يتسع له العمر،

17) فهل تخبرونا بطموحكم ومشاريعكم المستقبلية؟

على المستوى الوطني..أتطلع إلى تحرر أهلي وشعبي وإلى حصولهم على دولة مستقلة، يعيشون بظلها..أما على المستوى الشخصي.. فطموحي يتمحور حول تطوير قدراتي الشعرية ومهاراتي في إبداع القصيد..أطمح في العلو وفي ارتقاء السلم الأدبي لدرجاته العليا..اتطلع إلى انتزاع الحريات الفكرية وإلى التعبير والإبداع بعيدا عن القيود والرقابة..وأخيرا أطمح إلى طباعة ورقية لكل دواويني التي ما زالت موثقة إلكترونيا فقط، وان تتاح لها منصة دولية بقدر ما تستحق..

 وفقكم الله لما تصبو نفسكم وطموحاتكم إليه..

18) اخيرا نود منكم الشاعر الحسين جبارة كلمة ختامية وإهداء شعريا للقراء الكرام.

أقدم لكم أستاذي محمد فاضيلي بالغ شكري وامتناني على الفرصة التي أتحتم لي، فعرفتم بي، وغمرتموني بالنشر، ووضعتموني تحت دائرة النور..

أشكر القراء الكرام الذين يتابعوني على موقعكم وعلى سائر مواقع التواصل الاجتماعي..أعتز بانتمائنا سوية للضاد وللقصيد وللمصير المشترك..أدعو لي ولكم بالحصول على الكرامة وعلى الحريات..

اللهم آمين يا رب

أهديكم قصيدتي: الشعر يحلو صامدا:
ماذا أقولُ لأمّةٍ شعراؤها مسخوا المديح
قد مَجَّدوا ظُلْمَ الأميرِ،وشعبُهُ حَمَلٌ ذبيح
زانوا الظلامَ بضادهمْ
نَقَشوا النّفاقَ تَكلًّفًا
نَظَموا القريضَ يُجَمّلُ الوجهَ القبيح.
ماذا أقولُ لأمّةٍ
كُتّابُها أُدباؤُها ضلّوا الطريقَ وضلَّلوا
مُتَهافتينَ تَمثّلوا الطيرَ الكسيح.
إعلامُها، أعلامُها
أطفالُها ورجالُها،
باتوا الرّياءَ مُسبِّحًا
والصِّدقُ في جنباتهم فوقَ الفراشِ هُوَ الطريح
فقهاؤها خدموا السيادةَ لا القضيّةَ لا الرؤى
ناءوا بتفسيرِ النصوصِ إلى المُريح
سجدوا كعبد المالِ يَرهبُ سيِّداً
كم روَّجوا للزَيْفِ يعلو منبرًا
يشرونَ غَثًّا بالسويِّ وبالصحيح
ماذا أقولُ لأُمّةٍ فيها المُثقّفُ “كالمُثقَّبِ” جاهلٌ
حملَ الشهادةَ زينةً
هجرَ القراءةَ والكتابةَ عامدًا
لا يُتْقنُ الكلمَ الفصيح
كيفَ الخطابُ بِأمّتي
رضيَ الهزيمةَ نكبةً
أو نكسةً
يبكي يَنوحُ مُبرّرًا
يُلقي القصورَ على الظروفِ ويستميح
ماذا أقولُ لواعظٍ ومُفَكِّرٍ
أو كاتبٍ ومهندسٍ
يجري ويلهثُ خلفَ منّانٍ شحيح
البوحُ يحلو صامدًا ومناهضًا
يسعى لتطويرِ الحياةِ بلا انقطاعٍ
لا يَئِنُّ ولا يصيح
وهو التّمرُّدُ يحملُ الأحلامَ نسرًا
يستردُّ العدلَ ما كانَ النَّطيح
يأتي ُيبشّرُ لاجئًا
يبني الطريقَ لعاشقٍ
يُؤوي المُشرّدَ فالنّزيح
يأبى خنوعَ خليفةٍ لمخطَّطٍ وتآمرٍ
يرضى صمودَ مُجرّحٍ
بصمودهِ صدَّ العظيمَ ومَكْرَهُ
بفعالهِ كم أرسلَ السّهمَ المُطيح
اليومَ أمرٌ والكفاحُ رسالةٌ
والشِّعرُ يومٌ إثرَ يومٍ
بالتحدي لا يكِنُّ هُنيهةً أو يستريح
الحرف كانَ مُقوِّمًا ومُصحِّحًا
كالسهمِ يُطلَقُ صائبًا

ليُمارسَ التغييرَ في الوطنِ الجريح
الفنُّ ثورةُ مرهفٍ
رفضَ الركودَ مُحفِّزًا ومُخدِّرًا
ببيانهِ نثرَ المُكنّى والصريح
أهوى المُوَجِّهَ لا المقودَ لحاجةٍ
يا ثورةَ الكتّابِ تسبقُ ساسةً
توري نضالًا من ظلامِ السجنِ
من وحْيِ الضريح
وتُحققُ الأملَ الرغيبَ لِمُحبطٍ
وتصوغُ بسمةَ فاتحٍ
كم يشتهي الألوانَ في الافقِ الفسيح
الحُلمُ يحلو بالحنينِ وعائدٍ
وقعُ الخُطى فوقَ الحمى
زحفُ القصيدِ يعانقُ الوجهَ الصّبيح
حسين جبارة كانون أول 2017

شكرا جزيلا سيدي الأستاذ الحسين جبارة على الهدية القيمة..

أشكركم كثيرا على تلبية الدعوة وعلى ثقتكم في شخصي وفي موقع منار الإسلام، كما اشكركم على سعة الصدر والاستفاضة في الإجابة، وارجو ان ينال الحوار إعجاب القراء الكرام..

وإلى اللقاء في مناسبة قادمة بحول الله..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.