(9) السموأل بن يحيى المغربي (ت 0 57 هـ) | جهود علماء المسلمين في الرد على أهل الكتاب
الدكتور مصطفى العلام
(9) السموأل بن يحيى المغربي (ت 0 57 هـ)
جهود علماء المسلمين في الرد على أهل الكتاب
الدكتور مصطفى العلام
في الحلقة التاسعة من هذه السلسلة المخصصة للحديث عن جهود علماء المسلمين في الرد على أهل الكتاب، في المرحلة التاريخية الممتدة من القرن الخامس إلى السابع الهجري، وقع الاختيار على ‘السموأل بن يحيى المغربي ‘ لسببين رئيسيين:
ـ الأول: فبعد حديثنا في الحلقة الخامسة من هذه السلسلة عن’ الحسن بن أيوب’ وهو من النصارى الذين تحولوا عن ديانتهم واعتنقوا الإسلام وأسهموا في الرد على أهل الكتاب، ننتقل إلى الديانة الأخرى وهي اليهودية،وقع الاختيار على ‘ السموأل بن يحيى المغربي’، لأنه يهودي تحول عن ديانته هو أيضا واعتنق الإسلام.
– الثاني: لأنه مغربي الجنسية عاش وترعرع في مدينة فاس كما سنرى في سيرته .
كما أننا سنتحدث بشكل موجز عن كتابه (إفحام اليهود) وأهم القضايا التي تعرض لها في رده على أهل الكتاب.
التعريف بالسموأل بن يحيى المغربي (ت 0 57 هـ) [1]
اسمه ولادته ونشأته: هو الإمام المهتدي ‘السموأل بن يحيى المغربي’ ، كان اسمه قبل إسلامه : الحبر ‘شموائيل بن يهوذا بن آبون’ ، من مدينة فاس . .. ورغم التفاصيل الكثيرة التي أوردها ‘السموأل’ في سيرته الذاتية ، فإنه لم يتعرض لتاريخ مولده . وقد كتب سيرته الذاتية وترجم لنفسه من خلال رسالة تحدث فيها عن نفسه وأسرته، وقصة إسلامه، ورؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم في منامه مرتين … ومن هذه الرسالة نستخلص أن ‘السموأل’ قد نشأ في أسرة ملمة بعلوم التوراة ، حيث كان أبوه يلقب بين قومه ب “الرآب” ، أي : الحَبْر ، وكانت أمه من سبط لاوي[2].
العلوم التي برع فيها: يذكر ‘السموأل’ أنه قد برع في عدة علوم وألف فيها، كالجبر والهندسة والطب والمساحة وغيرها من العلوم ، وقد بلغ من عبقريته ونبوغه في هذه العلوم أن أظهر أخطاء من سبقوه، وابتكر نظريات هندسية لم يسبق إليها . وفي الطب ابتكر أدوية طبية تعالج العديد من الأمراض . . .
كما أعمل ‘السموأل ‘عقله في نقد ما ورثه عن آبائه من موروثات عقائدية.
إسلامه: قرأ كثيرا من الكتب الإسلامية، وطالع القرآن مطالعة جيدة، فاهتدى إلى إعجازه الذي لا يبقى معه شك في دلالته عل صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فأعلن إسلامه ليلة عيد الأضحى سنة 558 هـ. ومن هنا كان إسلامه عن رَوِيَّة وتفكير وإعمال عقل.
وفاته: كل الذين ترجموا له لم يذكروا شيئا عن تاريخ وفاته ، باستتناء ما ذكره ‘القفطي’ في تاريخ الحكماء من أنه مات قريبا من سنة 570 هـ..
لكن المؤكد يقينا في سنة وفاته أنه توفي في القرن السادس الهجري ، وأنه كان حيا سنة 565 ه ـ لأن ناسخ مخطوطة كتابه (إفحام اليهود)، ذكر أنه نقلها عن نسخة كتبها المؤلف بخط يده سنة 565 هـ، ولعله عاش بعد ذلك إلى سنة 570هـ كما يقول ‘القفطي’ ، لأن’ ابن أبي أصيبعة ‘ ذكر أنه ألف كتاب “إعجاز المهندسين” في السنة ا المذكورة ، وأجمع المؤرخون أنه مات شابا.
ـ التعريف بكتابه (إفحام اليهود) [3]
أهمية الكتاب: يتميز كتاب (إفحام اليهود) ، بأن مؤلفه كان قبل إسلامه متمكنا من اللسانين: العبراني والعربي ، ومتمكنا أيضا من علوم التوراة وتفاسيرها. ويرجع السبب في هذا كله إلى أبيه ، الذي يحكي عنه ‘السموأل’ أنه «كان يقال له: الرآب يهوذا ابن آبون” من مدينة فاس، التي بأقصى المغرب ، والرآب لقب وليس باسم، وتفسيره: الحبر، وكان أعلم أهل زمانه بعلوم التوراة ، وأقدرهم على التوسع في الإنشاء والإعجاز والارتجال لمنظوم العبراني ومنثوره » ص: 45-46 .
في هذا الجو الأسري تعلم ‘السموأل’ الكتابة بالقلم العبري واطلع على التوراة وعلومها وتفاسيرها في سن صغيرة ، يقول : « … وشغلني أبي بالكتابة بالقلم العبري، ثم بعلوم التوراة وتفاسيرها، حتى أحكمت علم ذلك عند كمال السنة الثالثة عشرة من مولدي » ص: 47.
من هنا يكتسب الكتاب أهميته ، فمؤلفه ليس واحدا من عوام اليهود الذين هداهم الله للإسلام ، وإنما رجل له مكانته العلمية والدينية التي تؤهله للبحث والمقارنة والاستنتاج .
أهم القضايا التي عالجها الكتاب: فإننا لانبالغ في القول إن قلنا أن كثيرا من القضايا التي عالجها الكتاب اتسمت بالبراعة والتمكن وحسن الاطلاع ، خاصة قضيتي النسخ وإثبات نبوة عيسى ومحمد- عليهما الصلاة والسلام – وهما القضيتان الأساسيتان اللتان أولاهما ‘السموأل’
اهتمامه البالغ وعنايته الفائقة:
قضية النسخ في التوراة (ص: 86): تناول ‘السموأل’ قضية النسخ بمنهج فريد، فهو ينتقد منهج من سبقوه في مجادلة اليهود ، بأنهم ناظروهم بما لا يكادون يفهمونه ، أو بما لا يلتزمونه ، أما هو فقد جعل إلى إفحامهم طريقا مما يتداولونه في أيديهم – من نص تنزيلهم – وأعماهم الله عنه – عند تبديلهم – ليكون حجة عليهم موجودة في أيديهم . وهذا أول ما ابتدئ به ، من إلزامهم النسخ ، من نص كتابهم وما تقتضيه أصولهم … . ويستدل ‘السموأل’ بكثير من النصوص – صراحة أو تأويلا – ليثبت النسخ في التوراة ، مما يترتب عليه بالضرورة إثبات نسخ الشريعة الموسوية بشريعة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم .
قضية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. (ص: 110-120): يؤكد ‘السموأل’ أن كل الدلائل العقلية والنصية تدل على نبوته ، ويستشهد ببعض النصوص التوراتية المبشرة بمحمد صلى الله عليه وسلم . والأكيد أن ‘السموأل’ لم يكن أول مستخرج لهذه النصوص التوراتية المبشرة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لكنه أضاف إليها أبعادا جديدة في تحليلها ودلالاتها .
رده على ادعاءات التوراة بخصوص زنا ‘لوط’ بابنتيه وزنا ‘يهوذا’ ب ‘ثامار ‘( ص: 152): يظهر تفرد ‘السموأل’ في ذكر الأسباب التي جعلت ناسخ التوراة الحالية يؤلف قصة ما يزعمونه من زنا ‘لوط’ بابنتيه ، وما يزعمونه أيضا من زنا يهوذا ب’ثامار’ .. حيث أن ‘السموأل’ يرى أن السبب الذي حمل ‘عزرا ‘على تلفيق قصة ‘لوط’ وابنتيه يرجع إلى أن العداوة التي مازالت بين ‘بني عمون’ و’موآب’ وبين بني إسرائيل بعثت واضع هذا الفصل على تلفيق هذا المحال ، ليكون أعظم الأخبار فحشا في حق ‘بني عمون’ و’موآب’ .. إضافة إلى أن ‘موسى ‘ عليه السلام جعل الإمامة في المنتسبين إلى هارون ، فلما تولى ‘طالوت'[4] ، وثقلت وطأته على الهارونيين ، حيث قتلهم في مقتلة عظيمة ، انتقل الأمر بعد ذلك إلى ‘داود’ عليه السلام ، لكن بقي في نفوس الهارونيين التشوق إلى الأمر الذي انتزع منهم . لذلك فإنه اعتبر أن ‘عزار’ الذي كان خادما لملك الفرس ، وكان له حظوة لديه، توصل إلى بناء بيت المقدس وألف هذه التوراة التي بأيديهم ، فلما كان ‘عزرا’ هارونيا كره أن يتولى عليهم في الدولة الثانية داودي( من آل داود عليه السلام) ، فأضاف في التوراة فصلين طاعنين في نسب ‘داود’ : الأول فيه قصة بنات ‘لوط’، والآخر فيه قصة ثامارا. ولقد بلغ غرضه في هذا الأمر لأن الدولة الثانية التي كانت لهم – في بيت المقدس – لم يتملك عليهم فيها أحد من نسل ‘داود’ ، بل كان ملوكهم كلهم من نسل هارون.
ـ تنبيهه إلى الخلط الشائع بين شخصية ‘ عزرا’ و’ أليعازر’ : يتفرد السموأل – أيضا – بالتنبيه إلى خلط شائع بين شخصيتين ، بينهما اختلاف وتباعد كبيرين، يقول : «.. وعزرا هذا ليىس هو العزيز كما يُظن ، لأن العزيز هر تعريب إلعازار ، فأما عزرا فإنه إذا عرب لم يتغير عن حاله ، لأنه اسم خفيف الحركات والحروف ، ولأن عزرا عندهم ليس بنبي ، وإنما يسمونه (عزرا هوفير) وتفسيره : ( الناسخ ) ». ص: 152 أيضا.
تأثره بكتابات من سبقه[5]: ولا يعنى تفرد ‘السموأل’ بهذه القضايا – وغيرها – أنه لم يتأثر بكتابات سابقيه من علماء المسلمين، فمثلا بمقارنتنا لما كتبه في قضية فقدان التواتر في سند التوراة الحالية وأسباب تحريفها ، وما كتبه ‘ابن حزم’ و’الجويني’ في القضية ذاتها ، يبدو لنا جليا تأثر ‘السموأل’ بهذين العالمين الجليلين ،خاصة ‘بابن حزم’ .
وفي نهاية هذا الحديث الموجز عن ‘السموأل بن يحيى’ وكتابه (إفحام اليهود) ، لا يسع الباحث المنصف إلا أن يسجل للرجل موضوعيته وجداله لقومه بالتي هي أحسن.كما يسجل أيضا أن كتابه كتبه بروح عقلية متمكنة ، وحماسة إيمانية متقدة. ولا عجب، فالرجل عالم رياضي طبيب، شهد له كل من عرفه وكتب عنه بسعة الأفق وحدة الذكاء.
ـ الهوامش
[1] راجع رسالة قصة إسلام السموأل ورؤياه النبي صلى الله عبيه وسلم ، وهي التي حققها الأستاذ الدكتور / محمد عد الله الشرقاوي مع كتاب إفحام اليهود، وكتب لهما مقدمة مفصلة ، دار الجيل في بيروت ، ومكتبة الزهراء بجامعة القاهرة ، ط الثالثة 1410 هـ/ 0 99 1 م .[2] كانت مهمة الكهانة موكولة إلى سبط ((لاوي)) ابن يعقوب، وهي القبيلة التي ينتمي إليها موسى وأخوه هارون، والتي كان الكهنة كلهم منها حسب اشتراط التوراة لذلك. انظر: حسن ظاظا، الفكر الديني اليهودي”أطواره و مذاهبه “، دار القلم دمشق، الطبعة الأولى– 1999 م، ص 15.
[3] كتاب إفحام اليهود،دار الجيل في بيروت ، ومكتبة الزهراء بجامعة القاهرة ، ط الثالثة 1410 هـ/ 0 99 1 م .
[4] يشير إلى من يسميه العهد القديم “شاول” تراجع أخباره في سفر صموئيل الأول.
[5] قارن ماذكره السموأل (ص:153-154) بما عند ابن حزم في الفصل( 1/ 214-228) والجويني في شفاء الغليل(ص: 31-32)