قراءة في كتاب «التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع» لأبي الحسين المَلَطي العسقلاني (المتوفى: 377هـ)
الدكتورة نزهة بطشي
قراءة في كتاب
«التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع»
لأبي الحسين المَلَطي العسقلاني (المتوفى: 377هـ)
ملخص
يهدف هذا المقال إلى بيان أهمية كتاب “التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع” لأبي الحسين الملطي، كأقدم مصنف حفظ للأمة الإسلامية تاريخ ظهور الفرق الكلامية المنحرفة، التي برزت بحدة في القرن الرابع الهجري، وهي الفترة التي عرفت بداية انهيار الدولة العباسية، ورافقها نشاط كبير لعدة فرق كلامية حادت عن منهج أهل السنة في فهم العقيدة الصحيحة.
الكلمات المفتاحية
البدع، التنبيه، الملطي.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
يعد علم مقالات الفرق الإسلامية من بواكير العلوم التي عرفتها النهضة العلمية في تاريخ هذه الأمة، إذ حفظ هذا العلم كل الاتجاهات الكلامية والآراء الاعتقادية وما تلاها من تأويلات حول قضايا الخلاف بين الصحابة وتفسير النص الشرعي،وما صاحب ذلك من الطعن وإبطال أحكام الشريعة الإسلامية، وتأويل نصوص الشريعة وفق أهوائهم والطعن في الصحابة رضوان الله عليهم، وكتاب “التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع” لأبي الحسين الملطي من أقدم المصنفات في هذا الباب، إذ عني بذكر كل الفرق التي برزت في هذه الفترة التي عاصرها، وكان شاهدا عليها، متتبعا لتطورها وتمددها في عصره، حتى أحصى اثنين وسبعين فرقة بزعمائها ومؤسسيها والأفكار الاعتقادية التي أدت إلى بروز كل فرقة على حدة، مع الرد على مقالاتهم سواء تعلقت بالأحكام أو الإمامة، مبينا من خلال مناقشة تأويلاتهم الفاسدة، ترهاتهم التي لا تخفى على كل ذي لب من أهل التمييز من الفقهاء، وفي هذا المقال سأذكر منهج المؤلف في كتابه والموضوعات والفرق التي ذكرها وناقشها مع ذكر طريقته في بيان انحرافات هذه الفرق الكلامية، وقد اعتمدت في ذلك على تحقيق محمد زاهد بن الحسن الكوثري وعلى المنهجية التالية:
المحور الأول: التعريف بكتاب “التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع” وفيه المطالب التالية:
المطلب الأول: أهمية الكتاب
المطلب الثاني: نبذة عن حياة أبي الحسين الملطي
المحور الثاني: محاور ومواضع الكتاب
المحور الثالث: منهج أبي الحسين الملطي في كتابه
المحور الأول: التعريف بكتاب “التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع”
المطلب الأول: أهمية الكتاب
قبل الخوض في بيان أهمية الكتاب تجدر الإشارة إلى أن هذا الجزء المطبوع من الكتاب هو الجزء الثالث، أما الجزء الأول والثاني والرابع فإنه مفقود إلى الآن حسب ما ذكر ناشر الكتاب، والجزء الثالث الذي بين أيدينا لا توجد منه إلا نسخة واحدة محفوظة في خزانة الظاهرية بدمشق، كشف عنها الباحث الفرنسي ماسنيون عندما اقتبس منه فوائد في بعض مؤلفاته.
تظهر أهمية مصنف “التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع” في أنه حوى كثيرا من مقالات الناس حول الفرق البدعية، مما نقله عن أبي عاصم خشيش بن أصرم النسائي، كما ذكر ذلك المؤلف في المبحث الأخير من الكتاب عند تناوله رد أهل السنة والحديث على الجهمية، وهو كتاب مفقود، مما يزيد كتاب “التنبيه والرد” أهمية أنه المصدر الوحيد لما كتبه ابن أصرم خشيش النسائي، ناهيك على أنه لا يوجد كتاب أقدم من الاستقامة، تحدث عن تلك الفرق البدعية. أضف إلى أن أبا الحسين الملطي معاصر لفترة ظهور هذه المقالات الكلامية ليكون مصدرا موثوقا في النسبة والحكم؛ فضلا عن كون هذا المصنف ضمنه صاحبه كتاب “الكليات” للإمام مقاتل بن سليمان (ت150ه) وهو من أقدم المصنفات في هذا الباب التي لم تصل إلينا.
المطلب الثاني: نبذة عن حياة المؤلف
هو محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، أبو الحسين الملطي المقرئ، كان كثير العلم كثير التصنيف في الفقه، وكان يتفقه للشافعي، وكان يقول الشعر ويسره ويعجب به[1]
أخذ أبو الحسين الملطي القراءة عن خيرة العلماء، وفي مقدمتهم: أبو بكر بن مجاهد، وأبو بكر بن الأنباري وآخرون[2]
كما أخذ حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد من العلماء، يقول الحافظ لذهبي: وحدث عن عدي بن عبد الباقي، وخيثمة الطرابلسي وأحمد بن مسعود الوزان.[3]
تصدر أبو الحسين الملطي إلى تعليم القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسّلام، واشتهر بالصدق والأمانة، وأقبل عليه الطلاب، فمن الذين أخذوا عنه القراءة عرضا الحسن بن ملاعب الحلبي، وروى عنه الحروف عبيد الله بن سلمة[4]
وروى عنه عبيد الله بن سلمة المكتب، وإسماعيل بن رجاء، وعمر بن أحمد الواسطي[5]
ذكره الذهبي ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن.[6]
كما ذكره ابن الجزري ضمن علماء القراءات[7].
احتل أبو الحسين الملطي مكانة سامية بين العلماء، مما استوجب الثناء عليه، وفي هذا يقول الإمام الداني: أبو الحسن الملطي مشهور بالثقة والإتقان، سمعت إسماعيل بن رجاء يقول: كان كثير العلم كثير التصنيف في الفقه، وكان تفقه للشافعي، وكان يقول الشعر[8]
ولم تشر المصادر التي ترجمت لأبي الحسين الملطي إلى السنة التي ولد فيها وإنما ذكرت جميعها سنة وفاته فقد ذكر ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق قال: وسمعت إسماعيل يقول توفي أبو الحسين الملطي بعسقلان سنة سبع وسبعين وثلاثمائة[9]
المحور الثاني: محاور ومواضيع الكتاب:
ابتدأ المؤلف كتابه بمقدمة تحدث فيها عن ما لقيه الصحابة رضوان الله عليهم من مشاق وصعوبات في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، حيث صبروا على الأذى الشديد الذي تعرضوا له من قبل المشركين، منذ بداية الدعوة إلى صلح الحديبية، التي تحملوا فيها شروطا مجحفة حفاظا على الدماء وطاعة لله تعالى، وبذلوا الغالي والنفيس في نصرة هذا الدين العظيم.
وغاية المؤلف من هذه المقدمة أن يبين لمن خاض في الصحابة بالسوء، عظمتهم وفضلهم على الأمة كلها في إعلاء شأن المسلمين بين الأمم وهذا ما عبر عنه بقوله:( إِنَّمَا سقت هَذَا الحَدِيث وَمَا أشبهه لتعرف كَيفَ كَانَ بَدْء هَذَا الدّين، وَتعلم الْمَشَقَّة فِيهِ، وَمَا لقي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جهال قومه، وَكَيف كَانَت قُلُوب الْمُؤمنِينَ من التعزير والتوقير، وَكَيف لم يلوهم عَن الْحق أحد، وَلم يؤثروا على الله شَيْئا.)[10]
وقال في موضع آخر: فَأَيْنَ أَنْت، وَأَيْنَ لَك وَأهل عصرك من هَؤُلَاءِ، هَيْهَات أَن تدْرك بعض شَأْنهمْ، أَو أَن تبلغ مد أحدهم أَو نصيفه، فَكيف وَأَنت ترجع فِي أَمرك كُله إِلَى عقلك الْفَاسِد ورأيك الْأَعْرَج، فَتَقول قد فعل فلَان وَلم كَانَ ومم كَانَ، وَأَنت يَا جَاهِل قد ضارع قَوْلك قَول إِبْلِيس حِين قَاس فَقَالَ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف،12][11]
والمؤلف بهذه اللهجة الشديدة يقرع أذان الفرق التي تكلمت في الصحابة بالسوء وجعلته أساس عقيدتها المنحرفة كفرقة الرافضة.
بعد هذه المقدمة قسم المؤلف كتابه إلى أبواب، هي كالتالي:
- باب ما شرح من بيان السنة
ذكر المؤلف في هذا الباب أصول اعتقاد أهل السنة والحديث، سواء تعلقت بأركان الإيمان من توحيد الألوهية والتسليم لقضاء الله وقدره خيره وشره، أو ما يتعلق بترك الخصومة والجدال في الدين، مع النهي عن تكفير أهل القبلة من المسلمين، وكذلك ما يخص السياسة الشرعية من النهي عن الخروج على ولي الأمر ولو كان جائراـ، وتعظيم شأن الصحابة وتوقيرهم، وأن الخيرية لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا، مشيرا إلى أن هذه الأصول هي اعتقاد أهل الحديث كإسحاق بن راهوية وسفيان ابن عيينة والمقبري وغيرهم من أهل الرواية والحديث.[12]
- باب: فيمن أراد أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه
أكد أبو الحسين في هذا الباب ما ذكره في باب بيان السنة، وذكر خبرا في رواية الزهري عن محمد ابن عكاشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه بهذه الأصول العقدية من خلال الرؤيا المنامية، إلا أن المؤلف لم يبين أصله، ولم يعقب عليه برد أو تنبيه رغم أن محمد ابن عكاشة معروف بالضعف في رواية الحديث وهناك من اعتبره من الوضاعين.[13]
- باب ذكر الرافضة وأصناف اعتقادهم
في هذا الباب عرف بفرقة الإمامية الرافضة وذكر أنهم ينقسمون إلى ثمان عشرة فرقة، وعلى رأسها السبائية نسبة إلى عبد الله بن سبأ اليهودي اليمني الذي أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى أن عليا هو الإله، فاستتابه علي رضي الله عنه، ومنهم من ألهه وهي الفرقة الغالية، ومنهم من أنزله منزلة الإنسان إلا أنه يبعث قبل يوم القيامة ويحارب الدجال بدل المسيح عليه السلام ولهم مقالات تشبه مقالات اليهود بالقول بالبداء على الله.
أما فرقة القرامطة فقد أسقطت الشريعة، واستباحت الفجور والزنا، ودماء المسلمين المخالفين لهم من أهل الإسلام، واستحلت نساءهم، وهم يشاركون قول النصارى بحلول الناسوت في اللاهوت.[14]
وفرقة التناسخ تشارك النصارى في القول بالحلولية مدعين أن الله نور على الأبدان والأماكن، وشاطرهم في ذلك القائلون بأن الله في كل مكان يحلون به، مع أن الله فوق سبع سماوات، مستو على عرشه، منزه عن التشبيه. بل ويقولون بالتناسخ وهو مذهب الهندوسيين إذ يقولون بتناسب الأرواح وأن روح الأخيار تنقل إلى جسد طير أو فارس، وروح الأشرار تحل في الحمار أو الكلب الأجرب، ومن هذه الفرق من ادعت أن عليا هو المبعوث نبيا وأن جبريل غلط وأنزل الوحي على نبينا محمد، بل وادعت أن عليا شارك النبي عليه الصلاة والسلام في النبوة.
من الفرق التي ذكرها المؤلف ضمن فرق الإمامية فرقة الزيدية وعلى رأسها الغلاة الذين يكفرون الصحابة ويقولون بمقولة المعتزلة، حيث يشاركونهم في أصولهم الخمسة وهي: العدل والتوحيد أي توحيد الأسماء والصفات، والمنزلة بين المنزلتين لأهل الفسوق في الدنيا والخلود في النار في الآخرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقول بالوعد والوعيد.[15]
- باب ذكر المرجئة:
بين المؤلف في هذا الباب انحراف فرقة المرجئة وتساهلهم في أحكام الدين، موضحا بعد مناقشة معتقداتهم أنها فرقة خرجت عن حدود العقل، فهم يساوون بين المؤمن المستقيم على الطاعات، المجتنب للكبائر والموبقات مع الذي ينتهك هذه الحرمات، ويقولون هو من أهل الجنة واحتجوا بقوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء، 48][16]
ورد الملطي مقالتهم بأنهم إذا ادعوا أن الإيمان قول باللسان فهو نفسه قول المنافقين، وإن كان قولهم هو قول باللسان وتصديق بالجنان فهذا يناقض مقالتهم، وإن قالوا الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح يزيد وينقص فهذا هو الحق لا يجوز غيره، إذ أن الإيمان هو قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، واستدل لذلك بمجموعة من الآيات التي تربط الإيمان بالعمل من ذلك قوله تعالى: ( أم حسب الذين يعملون السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) [الجاثية، 21]وحاجهم في مسألة التفاضل بين أهل الإيمان وأهل العصيان، وبين المؤمن على علم والمؤمن على جهل هل يستويان، إلى غير ذلك من الحجج التي تثبت عور معتقداتهم وبوار أصولهم، وذكر أنهم انقسموا إلى اثني عشرة فرقة[17]
أولها: صنف اعتبر أن الإيمان القلبي يكفي الإنسان ليدخله الجنة، وإن عمل أي عمل ضال أو ارتكب كبيرة من الكبائر.
وصنف آخر من أهل الإرجاء حصر الإيمان في الجزء المعنوي، ولو ربط زنارا في وسطه متشبها بالنصارى.
وصنف أخر ادعى أن من أقر بلسانه الشهادة فهو مؤمن ولا ينقصه ترك العمل بما أمر به الله عز وجل.
وصنف أسوأ منهم، يقولون بأنا نؤمن بما جاء في القرآن ولا نقر بما جاء في السنة من البيان وما ترك أهل الأثر من التفسير، بمعنى لا ندري هل محمد الذي بعث بمكة هو النبي أم بخراسان، وأقروا بتحريم الخنزير، لكن لا يدرون المقصود هل هو لحم الحمار أم هو لحم الخنزير، ومن كان على هذا المعتقد فهو مؤمن.
وصنف آخر من المرجئة يساوون بين إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء، وَقالوا الْفَاسِق مَعَ فسقه مُؤمن مُسلم إيمَانه كَإِيمَانِ جِبْرِيل وميكال وَالرسل.[18]
- بَاب ذكر الشراة والخوارج:
في هذا الباب تحدث المؤلف عن فرقة من أشهر الفرق الإسلامية التي عرفها التاريخ، وهي من الفرق التي تشددت في الدين وكفروا مرتكب المعصية، وهم يفترقون إلى فرق عديدة منهم المحكمة والشراة والحرورية وغيرهم ممن تشددوا في الدين، وقد فند الملطي دعواهم بأن الله تعالى أذن لأهل الإيمان أن يتحاكموا في بعض شؤونهم الدنيوية إلى أهل العلم والحكمة والخبرة والبصيرة، وذكر مجموعة من الآيات التي دعا فيها إلى الاحتكام إلى أهل الحكمة والعدل. قال تعالى في جزاء الصيد: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة،95 ] وقال تعالى:(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء،128] وقال في آية أخرى:
( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء،35] إلى غير ذلك من الآيات، ومن ثم فلا يحل دم مسلم إلا بثلاث إما بزنى بعد إحصان، أو ارتداد بعد إيمان، أو أن يقتل نفسا عمدا فيقتل به، [19]
ورد غلوهم في تكفير الفاسق، فقال إن الله تعالى جعل الفاسق في منزلة بين الكافر، والمؤمن وفرق بين الصغائر والكبائر بقوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء،31] ورد على أهل الإرجاء بأن الفاسق ليس مؤمنا كامل الإيمان، كما رد تكفيرهم لعثمان وعلي رضي الله عنهما أن ثمة إجماع على ولايتهما.[20]
ويأتي بعد المحكمة فرقة الأزارقة والعمرية وهم أقل شرا فهم لا يبيحون دم المسلمين ولا سبي ذراريهم ولا سلب أموالهم، لكنهم يشتركون مع المحكمة في تكفير أصحاب المعاصي والتبرء من عثمان وعلي رضي الله عنهما.
أما الفرقة الثالثة فهم أتباع شبيب الخارجي الذي خرج على بني مروان، وقد كان شبيب هذا يكفر السلف ويتبرأ من عثمان وعلي، وكان آخر أمره أن جنح به فرسه فرمى به في دجلة فغرق…وقد تفرق أصحابه بعد هلاكه.
أما الفرقة الرابعة فهي النجدية أصحاب نجدة الحروري، كان يعامل أهل القبلة كما يعامل الكافر، وكان يقول بالاستطاعة مع الفعل، وهذه المسألة وقع انقسام حولها، والأصوب هو أن الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل، ومن أراد الاستزادة فعليه بمجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله.
أما الفرقة الخامسة فهم الإباضية أتباع إباض بن عمرو وهم أيضا مثل النجدية في شدتهم على أهل الإيمان، كذلك الشأن بالنسبة للحرورية وهي الفرقة السابعة وهم شديدين حتى على أنفسهم في باب الطهارة.
والفرقة السادسة هم الصفرية أصحاب المهلب بن أبي صفرة خرجوا على الحجاج بن يوسف الثقفي لكنهم لم يؤذوا المسلمين، فخروجهم كان فقط على الحاكم، ومن ثم فهم أهون شرا من غيرهم.
أما الفرقة الثامنة فهم الحمزية يقولون بقول الحرورية باستثناء الأموال، فهم لا يستحلون أخذ مال غيرهم إلا بعد قتله.
أما الفرقة التاسعة فمذهبهم هو نفسه مذهب الحرورية والحمزية، لكنهم يختلفون عن الحمزية في كونهم يستحلون مال المخالف على كل الأحوال.
أما الفرقة العاشرة فهم الشراة، وهم يشتركون مع غيرهم في تكفير أصحاب المعاصي، لكن تكفيرهم إياهم هو تكفير نعمة لا تكفير شرك، ويتبرؤون من علي وعثمان رضي الله عنهما،[21]
ولا يستحلون دم أو عرض أو مال المخالف، وهم أهون جرما ممن سبقهم، وقد مدحهم الملطي بأن فيهم علماء وأهل مروءة ودنيا واسعة، وأشار أيضا أن منهم من انتحل مذهب الاعتزال[22]
- بَاب ذكر متشابه الْقُرْآن:
سرد أبو الحسين الملطي في هذا الباب كل الآيات التي يدعي أهل الزيغ أنها متناقضة فيما بينها، من ذلك أن هناك آيات يمنع النطق بها، وأخرى يسمح لأهل الحشر بالنطق بها، حيث رفع هذا التناقض المدعى، بأن المواطن التي يسمح لهم بالنطق فيها هي عندما يحشر الجمع بعد البعث مباشرة، ثم يبدأ الحساب فيأذن لهم بالنطق لأجل المحاكمة والاختصام من بعضهم البعض، وبعد الحساب يمنع هذا النطق لأنه تم الحساب وأعلن الحكم إما الجنة وإما النار كما جاء في سورة قاف، وهذا شبيه بقول ابن النغريلة اليهودي الذي ادعى أن القرآن ينقض بعضه بعضا، وقد تولى ابن حزم الرد على هذه الدعوى، يقول: قد قال بعض العلماء المتقدمين: إن المنع من النطق المذكور في الآية إنما هو في بعض مواقف يوم القيامة، وإنما الجدال المذكور في الآية الأخرى هو موقف آخر مما يتلو ذلك اليوم نفسه، وهذا قول صحيح يبينه قول الله تعالى قبل الآية المذكورة، إذ يقول عز وجل:(انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالات صفر ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) [المرسلات29-36] واستمر في رد ترهاتهم من خلال تبيين أن ليس ثمة تناقض بين الآيات الحكيمة لأنها منزلة من لدن عليم حكيم.[23]
بَاب فِي تَفْسِير اخْتِلَاف الْمَوَاضِع:
ذكر المؤلف في هذا الباب كل الآيات التي تبدو عند من يجهل التفسير ينْقض بعضها بَعْضًا وَلَيْسَ بمنتقض، ولكنها فِي تَفْسِير الْخَواص فِي المواطن الْمُخْتَلفَة. من ذلك قَوْله جلّ ذكره لأهل النَّار (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) [الغاشية،6] وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى (وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) [الحاقة،36] وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ) [الدخان،43،44] فَكَانَ هَذَا عِنْد من يجهل التَّفْسِير ينْقض بعضه بَعْضًا وَلَيْسَ بمنتقض وَلَكِن تفسيرهن عِنْد الْخَواص فِي الْمَوَاضِع الْمُخْتَلفَة.[24]
- باب تفسير متشابه صلات الكلام:
استعرض المؤلف في هذا الباب مجموعة من الآيات التي قد يشتبه على الجهال تناقضها، وأفاض في رفع هذا التناقض المدعى من خلال تفسير كل آية على حدة، كشأن خلق الإنسان، فقد مر بأطوار من تراب ثم من طين ثم من حمأ مسنون ثم من طين لازب فلما صوره حتى جف صار له قعقعة فصار له صوت كالفخار فذلك قوله (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) [الرحمن،14] وهكذا دواليك بالنسبة لآيات أخر.[25]
- باب تفسير اشتباه التقديم في الكلام:
حيث أتى ببعض الآيات التي يشكل على الجهال فهم مراد الله تعالى منها، ونكتفي بمثال واحد قد يوضح الصورة ليقاس عليه، فإخبار الله عز وجل أنه خلق الأرض في يومين ثم استوى إلى السماء وهي دخان، فيه تقديم للكلام، أي أن الله تعالى بعد أن استوى إلى السماء، خلق الأرض. ودليله قوله تعالى:( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) [الأنبياء،30] كلاهما كانتا ماء ففتقهما، فأبان بعضهما من بعض وخرج البخار من الماء كشبه الدخان فخلق سبع سموات منه في يومين قبل خلق الأرض.[26]
- باب ذكر القدرية ونعتهم ومذاهبهم واعتقادهم:
ذكر المؤلف أن القدرية ينقسمون إلى سبع فرق وهم أصناف:
صنف ضمن قاعدة التحسين والتقبيح، يزعمون أن الحسنات والخيرات من الله، والشر والسيئات من أنفسهم، من باب تنزيه الله تعالى، والحق يفند مزاعمهم، أي أن الحسن أو القبح لا يقع إلا بإذن الله تعالى، وكل مكلف مسؤول عما اختاره، يقول تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس 7-8-9-10] وقوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) [الإسراء، 4] (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما يعملون بصير) [التغابن، 2] [27]
وقد حاج غيلان في قوله بالقدر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله، بقوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [الإنسان، 1-3 ]
فرد عمر: كيف لم تستحضر قصة خلق آدم ومجادلة الملائكة لله تعالى، يقول سبحانه: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة، 30] ورغم أنه تظاهر بالاقتناع إلا أنه عاد إلى القول بالقدر بعد وفاة عمر رحمه الله، وقد نبه الملطي أن من الناس من يغلط فينحو منحى القدرية عندما يتلفظ بالقول: لولا كذا لفعلت كذا.. وهو غير جائز. وأورد آثارا فيها من التحذير من أهل القدر، فقد وصفهم عليه الصلاة والسلام بأنهم مجوس الأمة، ذلك لأن المجوس يؤمنون بأن هناك إلهين، إله النور وإله الظلمة، والقدرية يقولون بأن الله خالق الخير، وأن إبليس هو خالق الشر، والله تعالى خالقهما معا، وخلق لنا عقلا، وبعث لنا رسلا، وأنزل لنا الكتب لنميز الخبيث من الطيب، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لهذا نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نخوض في القدر.
ومن القدرية صنف يقال لهم المفوضة زعموا أنهم موكلون إلى أنفسهم وأنهم يقدرون على الخير كله بالتفويض الذي يذكرون دون توفيق الله وهداه، ويرد عليهم أن أي خير لا يتم إلا بتوفيق من الله تعالى ومشيئته سبحانه.
ومنهم صنف آخر يقولون إن الله جعل لهم الاستطاعة كاملة فلا يزدادوا منها، ومسألة الاستطاعة قد اختلف فيها على أربعة أقوال، أرجحها أن الله جعل للمكلف الاستطاعة قبل الفعل وعند الفعل.
قال الطحاوي رحمه الله: والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به تكون مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع، والتمكين وسلامة الآلات فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب وهو كما قال تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة، 286][28]
وقد استدل الملطي في رد دعواهم أيضا، بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله وعمله، وشقي أو سعيد، فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.[29]
وصنف آخر من باب التحسين والتقبيح أيضا أنكروا أن يكون ولد الزنا من خلق الله، وقد رد الملطي مقالتهم بما أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن كل ما يحدث هو بقدر الله تعالى، وختم هذا الباب بذكر بعض الآثار التي تذم مجالسة أو الصلاة وراء المبتدعة من القدرية وغيرهم، كما ذكر بعض الآيات التي تدل على أن ما من شيء يحدث إلا وسبق في علم الله تعالى. يقول الله تعالى: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) [الإسراء، 58][30]
- باب الحرورية:
الحرورية: طائفة من الخوارج نزلوا حروراء -قرية قريبة من الكوفة- وتنافروا فيها، وكان أول اجتماعهم بها، وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه.[31]
قسم أبو الحسين الملطي الحرورية إلى خمس وعشرين فرقة كلهم مجمعون على اتباع أهوائهم، وتغيير الأحكام وسفك دماء مخالفيهم وتحليل المحرمات في بعض فرقهم، ومن أضل ممن اتبع هواه من غير هدى من الله، لهذا أثر عن الصحابة وأتباع الصحابة أنهم لم يشاركوا الخوارج خروجهم على مخالفيهم، قال الزهري لما خرجت الحرورية، قيل لصبيغ: قد خرج قوم يقولون كذا وكذا، فقال: هيهات، قد نفعني الله بموعظة الرجل الصالح، يقصد عمر رضي الله عنه.[32]
والنبي صلى الله عليه وسلم حذر منهم من خلال أحاديث كثيرة منها: قول علي رضي الله: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فو الله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة”[33]
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في وصفهم: الخوارج ظهروا في الفتنة، وكفروا عثمان وعليا ومن والاهما، وباينوا المسلمين في الدار، وسموا دارهم دار الهجرة، وكانوا كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، وكانوا أعظم الناس صلاة وصياما وقراءة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.
ومعنى مروقهم من الدين: خروجهم باستحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، فإنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه،[34] وهم بسطوا في المسلمين أيديهم وألسنتهم فخرجوا منه.[35]
- الباب التاسع: بَاب ذكر الْجَمَاعَة والنصيحة فِي الدّين
ذكر المؤلف في هذا الباب كل الأحاديث النبوية التي تدعو إلى لزوم الجماعة والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، والبعد عن التبدع في الدين لما في ذلك من ضلال وانحراف عن المنهج الصحيح للإسلام، وبين أهمية التناصح في الدين الذي هو منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح مع صبرهم على الأذى.[36]
المحور الثالث: منهج المؤلف في كتابه
ذكر أبو الحسين الملطي منهجه في مقدمة كتابه، حيث اعتمد الاختصار خشية التطويل، وفي أحايين كثيرة لجأ إلى التكرار لأجل البيان، وغايته من هذا الجمع بيان معتقدات تلك الفرق في موضع، والاكتفاء بالإشارة إليها في مواضع أخرى، لأجل الاختصار وتفادي التطويل.
واتسمت منهجية الإمام الملطي رحمه الله في كتابه بتحديد المرجعية في الحكم على مقالات الفرق؛ وهي القرآن الكريم والسنة النبوية؛ باعتبارهما المصدر الأصيل في تحديد المعتقد الإسلامي؛ وجعله ميزانا ثابتا في الحكم والتجريح.
وفي الرد على الشبهات سار الملطي على نهج سابقيه في الرد على الشبهات بطريقة تشبه المحاورة بأسلوب: فإن قالوا..يقال لهم..مثال على ذلك:
وَيُقَال لَهُم: أخبرونا عَن الْقُرْآن، أهوَ كَلَام الله عز وَجل أم كَلَام الْبشر. فَإِن قَالُوا: كَلَام الله مَا فِيهِ كَلَام الْبشر قَالُوا بِالْحَقِّ وَتركُوا الطعْن على الْقُرْآن.
وَيُقَال لَهُم أَيْضا: الْإِجْمَاع أَن هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أنزل على مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُغير وَلم يُبدل وَلم ينْسَخ مِنْهُ شَيْء فَمن أَيْن خالفتم الْإِجْمَاع وقلتم إِن الْقُرْآن غير وَبدل وَنسخ، وَمن خَالف الْإِجْمَاع ضل لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أمتِي لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة وَإِجْمَاع الْأمة أصل من أصُول الدّين، وطعنكم على جمَاعَة الْأمة وقولكم إِنَّهُم ضلوا وَارْتَدوا بِلَا حجَّة وَلَا بَيِّنَة لَا يقبل مِنْكُم، وَلَا يجوز قبُوله فِي عقل وَلَا سمع. وَأَيْضًا فَإِن الْقُرْآن فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام وَالدّين والشريعة وَهُوَ حجَّة الله فِي الأَرْض إِلَى أَن تقوم السَّاعَة وَالْإِسْلَام ظَاهر على كل الْأَدْيَان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لقَوْله عز وَجل {لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ}[التوبة،33].[37]
كما أن المؤلف يكتب بأسلوب مألوف عند قدماء المؤلفين، يعتمد محاورة مخاطب حقيقي أو افتراضي بعبارات مثل فاعلم ..ومن بعض ما أدلك عليه..فاحذر يا أخي ..إن تتدبر ذلك ينفعك إن شاء الله.
مثال على ذلك:( وَاعْلَم أَن الْمُعْتَزلَة الَّتِي تحب أَن تعرف مَا هِيَ عَلَيْهِ كَمَا سَأَلتنِي أَن أشرح لَك ذَلِك لتعلمه، فَاعْلَم أَنَّهَا بنيت على الْأُصُول الْخَمْسَة الَّتِي ذكرتها لك، فالمعتزلة كلهَا متمسكون بالْقَوْل بذلك ويجادلون عَلَيْهِ، وَقد وضعُوا فِي ذَلِك الْكتب الْكَثِيرَة على من خالفهم ويتبرؤون مِمَّن خالفهم فِيهَا وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو إخْوَانهمْ أَو عشيرتهم وَقَالُوا إِن فَاعل الْكَبَائِر بعد إيمَانه الْمُقِيم على إيمَانه فَاسق لَا مُؤمن وَلَا كَافِر، وَلَا مُؤمن وَلَا مُسلم وَلَا مُنَافِق كَمَا سَمَّاهُ الله فَقَط، وسموه الْمنزلَة بَين المنزلتين أَي منزلَة بَين الْكفْر وَالْإِيمَان)[38]
كما يظهر في منهج المؤلف تنوع في أبواب الكتاب، إذ لا يقتصر على ذكر الفرق والتعريف بها بل يقحم أبوابا أخرى ليست من صميم موضوع المؤلف مثل باب باب تفسير اشتباه التقديم في الكلام. وباب في تفسير اختلاف المواضع.
كما أن المؤلف ناقش شبه الفرق ورد عليها من مختلف العلوم كالتفسير وعلوم اللغة والأصول.
فمن التفسير قال: وَزَعَمُوا أَن هَذَا يُسمى الكور فَيكون معذبا أَو مُقَيّدا فِي جَسَد هرم أَو ممرض أَو مسقم، أَو يكون منعما فِي جَسَد شَاب حسن متلذذ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بقول الله {أفعيينا بالخلق الأول بل هم فِي لبس من خلق جَدِيد} وَهَؤُلَاء قد غلطوا فِي تَأْوِيل هَذِه الْآيَة وَإِنَّمَا تَأْوِيلهَا أَن قُريْشًا ومشركي الْعَرَب كَانُوا يَشكونَ فِي النشأة الْآخِرَة ويوقنون بالنشأة الأولى وَلَا يجيزون قدرَة الله عز وَجل على إحْيَاء الْمَوْتَى.[39]
كما حرص على التحلي بالأمانة العلمية وحرص على ذكر المصادر التي ينقل منها مثل قوله: وهذه جملة جاءت بها الرواية وأخذناها عن الثقات عن مقاتل بن سليمان إِن تدبرت ذَلِك نفعك إِن شَاءَ الله.
خاتمة:
يتبين من خلال قراءة كتاب التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لأبي الحسين الملطي أن أكثر شيء تتشابه فيه كل الفرق الكلامية هو الخروج على الحاكم والجماعة، وهو أول ما يكشف حقيقة ظهور أي فرقة من هذه الفرق.
ثم إن أبا الحسين الملطي لم يكتف بذكر هذه الفرق وإحصائها بل ناقش معتقداتها بالأدلة النقلية والعقلية وبأسلوب المحاورة، حتى يكشف زيف وضلال ما ذهبوا إليه من معتقدات.
الأمة الإسلامية لم يهزمها عدو من خارجها، ولكن الانشقاقات التي عرفتها وساهم فيها الانحراف السياسي هي أكثر ما أضعف المسلمين.
لائحة المصادر والمراجع
ابن الأثير. (1426 هـ – 2005 م). الشَّافِي فيْ شَرْح مُسْنَد الشَّافِعي لابْنِ الأثِيرْج5ص195. (المجلدات الأولي، 1426 هـ – 2005 م). مَكتَبةَ الرُّشْدِ، الرياض – المملكة العربية السعودية.
ابن تيمية. (1420هـ/2000م). النبوات، ج1ص571. (المجلد الطبعة: الأولى، 1420هـ/2000م). أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية.
ابن عساكر. (1415 هـ – 1995 م). تاريخ دمشق. (عمرو بن غرامة العمروي، المحرر) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
ابن عساكر. (1415 هـ – 1995 م). تاريخ دمشق ج51ص71. (عمرو بن غرامة العمروي، المحرر) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
ابن ماجة. (بلا تاريخ). سنن ابن ماجه (المجلدات الطبعة: الأولى، 1430 هـ – 2009 م). دار الرسالة العالمية.
أبو الحسين المَلَطي. (بلا تاريخ). التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع،ج1ص178. (محمد زاهد بن الحسن الكوثري، المحرر) المكتبة الأزهرية للتراث – مصر.
البخاري. (1422ه). صحيح البخاري، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم 10 (المجلد الأولى، 1422هـ). دار طوق النجاة.
البخاري. (1422هـ). صحيح البخاري،باب في القدر،رقم 6594 (المجلد الأولى). دار طوق النجاة.
البخاري. (بلا تاريخ). صحيح البخاري، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة، رقم الحديث 6930 (المجلد الأولى، ). دار طوق النجاة.
القرآن الكريم برواية حفص. (بلا تاريخ).
شرح العقيدة الطحاوية للراجحي، ص682. (بلا تاريخ). الرياض: دار التوحيد.
شمس الدين أبو الخير ابن الجزري. (1351هـ). غاية النهاية في طبقات القراء،ج2ص67. مكتبة ابن تيمية.
شمس الدين الذهبي. (1417 هـ- 1997م). معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار،ج1ص192 (المجلد الأولى ). دار الكتب العلمية.
[1] ابن عساكر، تاريخ دمشق، دار الفكر والنشر، ج51ص71.
[2] ابن جزري، غاية النهاية في طبقات القراء، طبعة ابن تيمية،ج2ص67 .
[3] الذهبي، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار،دار الكتب العلمية،ج1ص192:
[4] ابن جزري، غاية النهاية في طبقات القراء، طبعة ابن تيمية،ج2ص67 .
[5] المرجع السابق، ج2ص67.
[6] الذهبي، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار،دار الكتب العلمية،ج1ص192:
[7] ابن جزري، غاية النهاية في طبقات القراء، طبعة ابن تيمية،ج2ص67 .
[8] الذهبي، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار،دار الكتب العلمية،ج1ص192:
[9] ابن عساكر، تاريخ دمشق، دار الفكر والطباعة، ج51ص71.
[10] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر، ج1ص11.
[11] الملطي، ٍ التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص11
[12] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص14و15.
[13] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص15
[14] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص18
[15] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر، ج1ص18.
[16] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر، ج1ص146.
[17] المرجع السابق ج1ص146.
[18] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر، ج1ص147.
[19] المرجع السابق،ج1ص47.
[20] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص47.
[21] المرجع السابق، ج1ص54.
[22] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص54
[23] المرجع السابق،ج1ص54و55.
[25] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر، ج1ص67.
[26] المرجع السابق، ج1ص69.
[27] المرجع السابق، ج1ص165.
[28] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر، ج1ص166.
[29] صحيح البخاري،باب في القدر،رقم.6594.
[30] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص176.
[31] ابن الأثيرالشَّافِي فيْ شَرْح مُسْنَد الشَّافِعي لابْنِ الأثِيرْ،مَكتَبةَ الرُّشْدِ، الرياض – المملكة العربية السعودية،ج5ص195.
[32] لملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص178.
[33] صحيح البخاري، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة، رقم الحديث 6930
صحيح البخاري، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم 10 [34]
[35] لملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر،ج1ص83.
[36] ابن تيمية، النبوات، أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، ج1ص571.
[37] الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر، ج1ص28.
[38]، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، المكتبة الأزهرية للتراث – مصر، ج1ص37.
[39] المرجع السابق، ج1ص23و24