منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

أيها الشبابُ لا تُجَرِّبُوا

أيها الشبابُ لا تُجَرِّبُوا/ الدكتور وائل الزرد من فلسطين

0

أيها الشبابُ لا تُجَرِّبُوا

بقلم: الدكتور وائل الزرد من فلسطين

 

أعلمُ جيدًا أن كثيرًا من القراء سيصدم من عنوان المقال، ذلك لأن كثيرًا من خبراء التنمية البشرية -كما يُسمَّون- ينصحون الشباب بالتجربة ولو فشلت، ويأزونهم على المحاولة ولو خابت، ويضربون لذلك أمثلة بفلان أو علان، ممن فشلوا في المرة الأولى والثانية والثالثة، ولكنهم نجحوا في النهاية، أمام الإصرار والمثابرة وتكرار التجربة والمحاولة!

فكيف أنصح الشباب بعدم التجربة، وأتجرأ فأقول: أيها الشبابُ لا تُجربوا

رويدَكم علينا يا كرام، فليس كل كتابٍ يُقرأ من العنوان، ولا كل حُبٍّ يكون من النظرة الأولى، ولا قناعة تتكون من اللقاء الأول، فكم من عنوان ونظرة ولقاء، كان من ورائِهم ما وراءَهم!!!

أنا لستُ ضد التجربة، فبها يتميز لنا الغثُّ من السمين، والخبيثُ من الطيب، ولكني هنا أتقدم بنصيحةٍ للشباب بعد أن وصلتُ الخمسين عامًا، فأقولُ لهم -والله من كل قلبي- لا تُجَرِّبُوا ما تمَّ تجريبُه، ولا تُحاوِلوا نفسَ المُحاولة، ولا تَسلُكوا نفسَ الطريقة، إن باءَ كلُّ ما سبقَ من تجربةٍ، ومحاولةٍ، وطريقةٍ بالفشل، وإنما -إن أردتم التجربة، وهذا لا بدَّ منه- فلا تسلكوا ذات السبيل والطريقة والتجربة، بل استفيدوا من كل أخطاء من سبقكم، واسمعوا لكل ما قاله أسلافكُم، وأنصتوا لكل أصحاب التجارب الماضية، كي تتجنبوا ذات الأخطاء، وتوفروا على أنفسكم عناء التجربة ذات النتيجة الحتمية الفاشلة، وكذلك توفرون مزيدًا من وقتٍ لتجارب جديدة.

صعبٌ جدًّا والله على نفس الحُر، أن يرى كثيرًا من الشباب يأبَون إلا أن يجربوا بأنفسهم، ما جاء على خاطرِهم، دون سماعٍ لنصيحة ناصح، ولا استجابة لنداء مشفِق، ويرى هذا الفريقُ من الشباب -هداهمُ الله- أن هذه النصائح ما هي إلا نوعٌ من التسلط القهري، من قِبل المُتقدمين في السن، أو هي تقييد لتصرفاتهم بغير حق، فهم يرون من حقهم أن يجربوا كما جرَّب من سبقهم، ومن حقهم أن يخطأوا كما أخطا من سبقهم، وهذا بالجملة صحيح، ولستُ شخصيًّا معترضًا على هذا -أقصد حقهم في التجربة- ولكن …

هذا الحق الذي للشباب في أن يمارسوا حريتهم في التجربة والمحاولة، لماذا لا يكون مبنيًّا على نتائج تجارب الآخرين؟ لماذا لا يكون متوائمًا مع خلاصات السابقين؟ لماذا لا يكون متممًا لكل محاولات وتجارب الآباء الصادقين، والأمهات الرائعين؟

لماذا يظن هذا الفريق من الشباب على أن كلامنا هذا تدخلٌ في خصوصيتهم، وإقحام منَّا في لأنفسنا في حياتهم، وكأننا فريقٌ وهم فريقٌ آخر، وكأننا نتنافس على قيادة البشرية وأستاذية العالَم، لماذا لا يُفهم كلامُنا على أنه تبادل خبرات، ونصائح مقدمة على بساط المحبة؟ لماذا لا
إن الناظر في القرآن الكريم يجد عشرات الآيات التي تأمر بالنظر في حال السابقين، لا للتسلية ولقتل الفراغ، وإنما لأخذ العبرة والعظة، ولئلا يُسلك نفس مسلكُهم، وتُجَرَّب نفسُ تجربتِهم، أما الذين يصرون على المضي فيما يريدون ويحلو لهم، دون نظر فيما فُعل فيمن سبقهم ولا نظر في مآل تجربتهم، فهؤلاء لم يُصب نظرُهم بالعمى بل قلوبهم -والعياذ بالله- {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ}.

أيها الشبابُ، يَا أحبابَ القَلب، ويَا أملَ المُستَقبل …

إني والله لكم ناصحٌ أمين، ومُوصٍ مُشفق، فالعمر محدود، وليس معنا وقت طويل لنكثر التجارب، ولنعيد المحاولات، ونبوء بالفشل، فالعمر أقصر مما تتخيلون، واقتناص الموت لنا بالفجأة أكثر مما تظنون، فاغتنموا نصائح الناجحين، واستفيدوا من خبرات السابقين المبدعين، فأنا لا أدعوكم للكسل، ولا للخمول، ولا لليأس، وإنما أدعوكم للجد، والمحاولة، والتجربة، ولكن مع: الإبداع، والتجديد، والتميز.

قَد هَيّؤوكَ لِأمرٍ لَو فَطِنتَ لَهُ … فَارْبَأ بِنَفْسِكَ أنْ تَرعَى مَعَ الهَمَلِ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.