عماد فسطاط الاجتهاد وأساسه(1)
عماد فسطاط الاجتهاد وأساسه(1)/ يونس مرحوم
عماد فسطاط الاجتهاد وأساسه(1)
بقلم: يونس مرحوم
أولا: تعاريف وتقاسيم
ترد في كتب أصول الفقه بعض المصطلحات الأصولية فينبغي معرفة حدودها قبل الدخول في مسائل علم الأصول.
اصطلاحا: أطلق لفظ الأصل على عدة معان أهمها ما يلي: (2)
- الدليل
- .القاعدة المستمرة
- .الراجح
- .مخرج المسألة الفرضية
- .المقيس عليه
وأقرب هذه المعاني لإطلاق “الأصل” هنا هو المعنى الأول ثم الثاني.
ولهذا العلم تعريفان، أحدهما: باعتبار كونه مركبا إضافيا، وثانيهما: باعتبار كونه لقبا. فعلى الأول يقال:
– أصول، جمع أصل، وهو لغة ما ينبني عليه غيره.
– الفقه: لغة، الفهم. واصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبط من أدلتها التفصيلية.
وعلى الثاني يقال: هو القواعد التي يتوصل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من الأدلة التفصيلية توصلا قريبا(3)
– القواعد: تشمل الشرعية واللغوية معا.
– المجتهد: هو الباذل جهده في استنباط أحكام الشرع.
– الأحكام، أي: التكليفية والوضعية معا.
– الشرعية، أي: المأخوذة من الشرع بخلاف العقلية والحسية والفطرية.
– الفرعية، أي: العملية، بخلاف الأحكام الأخلاقية والعقدية.
– الأدلة التفصيلية، أي: النصية. الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
ثانيا: تاريخ علم الأصول وفوائده
أ.اجتهاد الصحابة في فهم الكتاب والسنة(4)
نزل القرآن الكريم بالعربية الفصحى وبينته السنة الغراء بهذه اللغة وكانوا يفهمون أساليبها جد الفهم، وقد صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم فعرفوا منه الأسباب التي من أجلها شرعت الأحكام، والمصالح التي لوحظت عند التشريع، وقد كان في هذا غناء أيما غناء في استنباط الأحكام من أدلتها، فقد كانوا إذا نزلت نازلة فزعوا إلى كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا لجأوا إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوا اجتهدوا وقاسوا الأشباه مراعين المصالح.
لم يعرف الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين علم أصول الفقه بصورته التي دونت في كتب الأصول.
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك اجتهاد من بعض الصحابة في مسائل وفهمهم للأدلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يقر أو لا يقر، فكان اجتهاد الصحابة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بمثابة الباب المفتوح لإبداء الرأي ويكون التصويب من صاحب الشريعة. ففي حديث عمر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق وبعضهم ترك الصلاة حتى يأتيها لما لم يصل إليها، فلم يعنف واحدا منهم وأقر اجتهاد الجميع..(رواه البخاري)
ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة أهل اجتهاد، وقد وقع اختلاف بينهم في كثير من المسائل، وكان الصحابة لا يأخذون إلا بالقرآن وما سمعوه من كلام رسول الله وبما فهموه من عربيتهم التي نزل القرآن بها. وكما قال ابن القيم رحمه الله: فلا ريب أنهم أبر قلوبا وأعمق علما وأقل تكلفا وأقرب إلى أن يوفقوا فيها لما لم نوفق له نحن، لما خصهم الله تعالى به من توقد الأذهان وفصاحة اللسان، وسعة العلم و سهولة الأخذ وحسن الإدراك وسرعته، وقلة المعارض أو عدمه وحسن القصد وتقوى الرب تعالى. فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، و المعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم ولا حاجة لهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين، بل قد غنوا عن ذلك كله، فليس في حقهم ألا أمران: أحدهما: قال الله تعالى، قال رسوله كذا. والثاني: معناه كذا وكذا. وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين وأحظى الأمة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما. وقد كانوا يأخذون بما أجمع عليه كل الصحابة، فظهر الإجماع في عصرهم وكان عمر رضي الله عنه يأمر ولاة البلاد وقضاتها إلى الاجتهاد والقياس ومعرفة الأشباه والأمثال(5)
ب. اجتهاد الأئمة بعد هذا العصر:
ثم جاء عصر التابعين، وقد دخل الأعاجم في الإسلام واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، واحتج التابعون بأقوال الصحابة، كما قال الإمام أبو حنيفة النعمان ما جاءنا عن الصحابة اتبعناهم، وما جاءنا عن التابعين زاحمناهم. قال ذلك عن التابعين لأنه من جملتهم وهكذا في كل مصر كانوا ينقلون علم الصحابة ويجتهدون فيما يجد من فتاوى وأقضية وأحكام.
وظهرت مدرسة الرأي في العراق ومدرسة الحديث في المدينة وكان الإمام مالك (93ه-179ه) بعد ذلك إمامها وتلقى العلم على يديه الإمام الشافعي رحمه الله (150ه-204ه) ثم ذهب إلى العراق وتلقى فقه أبي حنيفة من تلميذه الإمام محمد ابن الحسن الشيباني. (131ه-189ه) فجمع رحمه بين مدرسة الحديث ومدرسة الرأي مع سعة علمه بالعربية.
أول من دون هذه القواعد وواضعه(6):
أول من تنبه إلى وضع هذه القواعد الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي المتوفى بمصر سنة(204ه) فقد أملى في ذلك “رسالته” التي جعلها مقدمة لكتابه المشهور في الفقه المسمى “الأم”، والتي تعتبر نواة للتأليف في هذا العلم. وكان منهجه هو التأصيل والتقعيد لعلم أصول الفقه، ثم توالت التآليف وكثرت المؤلفات في أصول الفقه ما بين شارح ومختصر وناظم.
خاتمة:
- إنشاء وإتمام (7)
إلى الذين لا ينقطعون في خطابهم وشعاراتهم ودعواهم العريضة إلى الاجتهاد لتأسيس علم أصول متجدد أو متحرر من أي ضابط متفق عليه، وكأنها معركة محتدمة بين التراث والتجديد.
ندعوهم إلى استقصاء سير وتراجم فقهائنا الأفذاذ المجتهدين بما أثلوه من اجتهاد نافع ومن قواعد علمية راسخة رصينة، والذين برعوا في أكثر من ميدان وحقل علمي متين فأسسوا قواعد لعلم الأصول، هذا العلم الراسخ الرصين (عماد فسطاط العلم) كما قال الشوكاني فاتفقوا على أن المجتهد لابد أن يكون عالما بنصوص الكتاب والسنة، وأن يكون عارفا بمسائل الإجماع، وأن يكون عالما بلسان العرب، وأن يكون عالما بعلم أصول الفقه “عماد فسطاط الاجتهاد واساسه” وأن يكون عارفا بالناسخ و المنسوخ…
ومنهم الإمام الشاطبي المجتهد الذي كان واسع الأفق وبعيد مرمى النظر صاحب نظرية المقاصد الشرعية عندما دعى إلى استقراء الشريعة والنظر في أدلتها الكلية و الجزئية وصولا إلى أدلة أخرى مختلفة الأغراض تنضاف إلى أخواتها السوابق عليها بحيث تنتظم من مجموعها أمرا واحدا نجمع عليه كل الأدلة وهو نوع من الجمع الذي نطلبه وصولا إلى وحدة الأمة والمصير والموقف اجتهادا لمستقبل الإسلام بانجماع علمائنا المجتهدين جماعيا وشوريا جيلا بعد جيل وزمانا بعد زمان.
الهامش
(1) نظرات في الفقه والتاريخ الأستاذ عبد السلام ياسين
(2) تلخيص كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله. فهاذ زعل الحاسمي
(3) الوجيز في أصول الفقه .أحمد بن مصطفي المراغي بك
(4) الوجيز في أصول الفقه .احمد بن مصطفي المراغي بك
(5) إعلام الموقعين لابن القيم الجوزية.
(6) الوجيز في أصول الفقه .أحمد بن مصطفي المراغي بك.
(7) نظرات في الفقه والتاريخ الأستاذ عبد السلام ياسين. بتصرف