المونديال وتدافع القيم
المونديال وتدافع القيم/ حمزة الحداد
المونديال وتدافع القيم
بقلم: حمزة الحداد
إن الكرة لما خرجت عن سياق كونها رياضة ولعبة، إلى كونها موسم لقاء عالمي، واكتسبت هذه الحفاوة الإعلامية البالغة.. وصار يومها يوما معلوما ومشهودا ومجموعا له الناس، وصارت ملاعبها محجا ومزارا تقصده البشرية جمعاء بمختلف أطيافها وأعراقها ومللها ونحلها، ومن لم يحج إليها حجت إليه عبر وسائل الإعلام والاتصال.. وعمت بها البلوى، وصارت قناة تمرر عبرها ثقافات الشعوب وأفكارهم وتوجهاتهم، وكان المغلوب مولعا بتقليد الغالب، وكان هذا الغرب الغالب المحترف منحرفا أخلاقيا وثقافيا، يحاول وسعه أن يبرز من خلال بروزه، ويمرر من خلال مروره، ويشهر من خلال شهرته، وينصر من خلال انتصاره قيمه وأفكاره ومعتقداته، وكانت تلك القيم والأفكار والمعتقدات تتجه بالبشرية نحو الانحلال الأخلاقي الذي يدمر المجتمع من خلال تدمير الأسرة، شاء الله وقدر أن يبرز من بين هذه المنتخبات من يمثل قيما مناقضة لتلك القيم الفاسدة، ويعلي شأن البررة، المتمسكين بأسرهم، المتوكلين على خالقهم، الساجدين له حمدا وشكرا وطاعة..
بل شاء لها وقدر أن تنظم في بلد عربي مسلم من أكثر الدول الإسلامية محافظة، وفي ملاعب صممت على صورة خيمة لما لها من رمزية للبيت والأسرة..
وهذه سنة الله في خلقه، فلما أراد أن ينصر موسى عليه السلام على سحرة فرعون وما ينشرونه من قيم وأعمال فاسدة، جعل المنافسة والمباراة بين موسى وسحرة فرعون تقع في يوم يحتشد الناس له ويتزينون فيه ويحتفون به، فقال “موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى” فلم يكن يوم الزينة مرادا لذاته، فلا شك وهو يوم للفراعنة وأتباعهم أن يكون مليئا بالأفكار والممارسات الخاطئة، ولكنه اتخذ وسيلة لحشد الناس حتى تمرر من خلاله المبادئ والقيم الفاضلة وتنتصر فيه الرسالة الإلهية على رؤوس الأشهاد.
ونحن حين نرى هذا الحارس المغربي يصد كل تلك الضربات دون أن تنفذ منها واحدة، يجب أن نستشعر ما وراء ذلك من معنى المحافظة وصد القيم السالبة أن تتسرب إلى ميداننا، وعندما ينطق الله هذا المدرب الوطني بعبارة “ديروا النية” ويمنحها القبول والشهرة حتى تلهج بها كل الألسن، يجب أن لا نعتبرها مجرد كلمة عابرة، وإنما أراد الله لها أن تكون رمزا لما نتمسك به من بعد إيماني غيبي في مواجهة مادية الغرب الذي اتخذ من المادة صنما ووثنا يعكف عليه.
وعندما نرى هذا السجود الجماعي، وهاته الأمهات بزيهن التقليدي الذي يجسد ربة الأسرة المغربية التقليدية، يجب أن لا نمر على ذلك مرورا عفويا.. فلولا هاته الأم “الحادگة” التي تحلحل الكسكس وتجمع شمل العائلة على مائدة واحدة، لتفككت الأسرة وتحلل المجتمع وضاعت القيم والأمم..
نعم إنها مجرد كرة، لكنها لما صارت سردية إعلامية وقناة تمرر عبرها القيم الفاسدة، كان لابد أن نتكلم بها ونمرر من خلالها قيمنا العالية.
وقد لا يتكرر هذا الأمر بنفس الصورة في الأعوام القادمة، فموسى عليه السلام لم يجتمع مع سحرة فرعون إلا في عام واحد، بينما يوم الزينة كان يقع كل موسم.. فليس المهم إحياء يوم الزينة، ولكن المهم تبليغ الرسالة.
ولا شك أن الغرب قد فهم الرسالة وسوف يقف وقفة طويلة مع ثقافتنا وأعرافنا من جديد.
سواء فيما يتعلق بما قدمته قطر من تنظيم منقطع النظير، وحسن ضيافتها وتعاملها مع الوافدين… أو من حيث المنتخب المغربي الذي يمثل العرب والمسلمين داخل الملعب.