أنواع الإجماع
الدكتور عماد ستار عمر
يمكنكم الاطلاع على الكتاب أو تحميله من الرابط التالي:
كتاب: “رؤية جديدة للإجماع عند الدكتور عبد الله النقشبندي الهرشمي الأربيلي”
- الإجماع بحسب طريقة تكوينه يتنوع إلى نوعين:
النوع الأول: الإجماع الصريح:
وهو أن يتفق جميع آراء المجتهدين في عصر من العصور على حكم شرعي لواقعة معينة، سواء كان ذلك الاتفاق قولاً أو فعلاً من الأفعال، كأن يجتمع العلماء في مجلس ويبدي كل منهم رأيه صراحة في مسألة ما قيد البحث، وتتفق الآراء على حكم واحد فهذا هو الإجماع الصريح القولي، أو تتفق آراء المجتهدين على عمل يعمله كل واحد منهم في عصر من الاعصار، أو يتفقوا على ترك شيء فيدل ذلك على عدم وجوبه، وهذا يسمى بالإجماع الصريح الفعلي[1] فهذا النوع من الإجماع حجة قطعية عند الجمهور.
النوع الثاني: الإجماع السكوتي:
عرّف الإمام الشوكاني[2] هذا النوع من الإجماع بقوله: هو أن يقول بعض أهل العلم الاجتهاد بقول وينشر ذلك في المجتهدين من أهل ذلك العصرفيسكتون ولا يظهر منهم اعتراف ولا إنكار[3].
وهذا التعريف للإجماع السكوتي يكاد علماء الأصول متفقون على مضمونه وإن اختلفت عباراتهم في الدلالة عليه[4].
- اختلف العلماء في حجية هذا النوع من الإجماع على أقول:
القول الأول: لا يكون إجماعاً ولا حجة وبه قال الشافعي والمالكية وبعض الحنفية وأهل الظاهر[5] ودليلهم (لا ينسب لساكت قول) وأن السكوت ليس علامة الرضا في كل الأحوال[6]. وأن السكوت يحتمل وجوها أخرى سوى الرضا:
أحدها: أنه سكت للتقية.
ثانيها: أنه حضر هناك من هو أولى بإظهار الإنكار.
ثالثها: لعله اعتقد أن غيره أظهر ذلك الإنكار؛ فسقط ذلك التكليف عنه؛ لأن إظهار الإنكار على الباطل فرض على الكفاية؛ فإذا أتى به واحد، سقط الفرض عن الباقين.
رابعها: أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب؛ فيجوز لذلك الرجل أن يفتي بما يؤدي إليه اجتهاده، وإن كان يعتقد أن المصيب واحد، لكنه يعتقد أن الخطأ فيه من باب الصغائر، فيعفى عنه.
خامسها: أنه ربما كان الرجل في مهلة النظر، فلم يعرف كونه حقا أو باطلا؛ فلا جرم: كان فرضه السكوت.
فعلم أن السكوت يحتمل وجوها أخرى سوى الموافقة، وهذا معنى قول الشافعي:( لا ينسب إلى ساكت قول).[7]
القول الثاني: أنه يعتبر إجماعاً قطعياً، لكنه في مرتبة الثانية بعد الإجماع الصريح، فلا يكفر جاحده، وهو مذهب أحمد بن حنبل.
واستدلوا على ذلك بأن سكوتهم يدل على الرضا بما قاله المجتهد، والدليل على ذلك أن النازلة إذا نزلت فزع أهل العلم إلى الاجتهاد وطلب الحكم والإظهار ما عندهم فيها، فلما لم يظهر خلاف ذلك مع طول الزمان وارتفاع الموانع فقد دل ذلك على أنهم راضون بما صدر من اجتهاد صريح، فصار ذلك بمنزلة ما لو أظهروا الرضا بالقول والفعل[8].
القول الثالث: إنه ليس بإجماع، لكنه حجة ظنية، وبه قال بعض الحنفية وبعض الشافعية، ودليلهم أن حقيقة الإجماع الاتفاق من الجميع حقيقة لا حدساً، وهذا لم يتحقق في الإجماع السكوتي؛ لأن السكوت مهما قيل في دلالته على الموافقة فلن يكون الإجماع الصريح في دلالته على الموافقة، ولا يعتبر إجماعاً ولكن لرجحان دلالته على الموافقة إذا زالت الموانع من التصريح يعتبر حجة ظنية[9].
والراجح من هذه الأقوال أن الإجماع السكوتي حجة ظنية؛ لأن المتتبع لأقوال الفقهاء في كل عصر يجد أنهم احتجوا بالقول الذي ينتشر بين الصحابة إذا لم يظهر له مخالف وذلك أمارة كونه حجة غير مقطوع بها[10].
- الإجماع باعتبار نوع دلالته على الحكم يتنوع إلى نوعين:
النوع الأول: قطعي الدلالة، أي لا مجال لاجتهاد فيه، والذي يفيد هذا النوع من الدلالة إنما هو الإجماع الصريح.
النوع الثاني: ظني الدلالة، أي أنه يفيد الحكم على جهة الظن، والذي يفيد هذا النوع من الدلالة هو الإجماع السكوتي، وتكون المسألة المجمع على حكمها لا زالت خاضعة لاجتهاد؛ لأن ما تم فيها لا يعد أن يكون رأياً لبعض المجتهدين وهذا لا يمنع من وجود رأي مخالف له[11]
وهناك أنواع أخرى من الإجماع مثل إجماع أهل المدينة وإجماع أهل البيت وتركنا ذكرههما لأن الأول قال به المالكية والثاني بعض فرق الشيعية وموضوعنا يتعلق بمفهوم الإجماع بغض النظر عن ما ذهب إليه المذاهب الإسلامية من الخلاف حول جزئياته
[1] – ينظر: دراسات حول الإجماع والقياس، الدكتور شعبان محمد إسماعيل، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1431هـ ـ 2010م (ص96) وكتاب أصول الفقه، الدكتور عبد السلام محمود أبو ناجي، دار المدار الإسلامي، بيروت، ط1، 2001 (ص256)
[2] – هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، من أهل صنعاء، ولد بهجرة شوكان (من بلاد خولان باليمن) سنة (1173هـ)، ونشأ بصنعاء، وولي قضاءها سنة (1229هـ)، ومات حاكما بها سنة (1250هـ)، وكان يرى تحريم التقليد، له (114) مؤلفات، منها: (نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار) و (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع) و (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) و (فتح القدير) في التفسير، و(إرشاد الفحول) في أصول الفقه. ينظر: الأعلام، للزركلي(6/298).
[3] – إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، للعلامة محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: أحمد عزو عناية، دار الكتاب العربي، ط1، 1419هـ ـ 1999م (1/223).
[4] – الكافي الوافي في أصول الفقه الإسلامي، الدكتور مصطفى سعيد الخن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1421هـ ـ 2000م (ص165).
[5] – ينظر: إمتاع أهل العقول بحقائق علم الأصول، الدكتور نزير حمادو، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1432هـ ـ 2011م (ص335) والتبصرة في أصول الفقه، للإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوشف الشيرازي، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1424هـ ـ 2003م (ص202) والإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعين بن حزم الظاهري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1424هـ ـ 2004م (1/629)
[6] – ينظر: بحوث في علم الأصول الفقه، الدكتور أحمد الحجى الكردي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، 1425هـ ـ 2004م (ص89) وأصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، د ـ ط، 2006م (ص188).
[7] – شرح المعالم في أصول الفقه: ابن التلمساني عبد الله بن محمد علي شرف الدين أبو محمد الفهري المصري، تحقيق، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1419-1999،(2/193)
[8]– ينظر: البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ ـ 2000م (3/493) وأصول الفقه الإسلامي، الدكتور أمير عبد العزيز (1/300).
[9]– إمتاع أهل العقول بحقائق علم الأصول، الدكتور نذير حمادو، (1/337)
[10] – ينظر: أصول الفقه الإسلامي، بدران أبو عينين بدران، مؤسسة شباب الجامعة، القاهرة، د ـ ط ـ س، (ص122)
[11] – ينظر: أصول الفقه، الدكتور عبد السلام محمود أبو ناجي، (ص258)