دعوى الدين الإبراهيمي الجديد
بقلم: نادية بلغازي
تتضافر الدعوات من هنا وهناك للدعوة لتوحيد الأديان تحت مسمى الدين الإبراهيمي، مع ما يفرض ذلك من بناء دور عبادة الرسالات السماوية الثلاث متجاورة قرب المطارات والساحات العامة والأماكن الآهلة وما إلى ذلك، وطباعة التوراة والإنجيل والقرآن بين دفتي كتاب واحد…
لا يخفى ما يثيره هذا التوجه الذي بدأ تنزيله للأسف من توجسات حقيقية، ومطالب ملحة، واستفهامات مشروعة عند كل من يعرف من الدين ما يعلم منه بالضرورة، ومن الوضع العالمي العام أبجدياته الأولى، كما لا يخفى ما ينبغي أن يبذل من الجهود للتصدي لهذه الهجمات الشنيعة على الدين.
لا يكتمل إيمان المؤمن أصلا إلا إذا صدق بكل الرسالات السماوية وبرسلها الذين ابتعثهم الله تعالى لهداية البشر، لكن تدبير الله الذي لا يسأل عما يفعل اقتضى أن تتنزل الكتب من مشكاة واحدة وتختم بالقرآن الكريم الذي هيمن على سابقه من الكتب بل ونسخها، فضلا عن ما طالها من التحريف والتزوير الذي لا يخفى على ذي لب. فأصبحت إجمالا لا تمثل حقيقة الوحي الإلهي.
فكيف بعد هذا نتصور طباعة كتاب الله تعالى الخاتم مع التوراة والإنجيل وكأنا ندعو نحن معاشر المسلمين إلى اعتناق ما نؤمن بارتفاع حكمه، أو كأنا نجمع الناس على ما ينبغي تصحيحه من الأفكار والتمثلات والمعتقدات. قال تعالى في سورة النساء “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السبت”. (النساء، الآية 46).
ثم إن بناء مجمع البيوت المقدسة أليس تدليسا على الناس وإيهاما لهم بإمكانية الاختيار بين الرسالات دون حرج، عوض تبليغ خطاب الله تعالى واضحا بينا للناس، ولهم بعد ذلك أن يختاروا ما اطمأنت له قلوبهم واقتنعت به عقولهم عن بينة وتبصر.
هي عولمة التدين ولا شك، وضربة قاصمة موجهة للإسلام بعد فشل محاولات تنحيته، الغاية منها تمييع أصوله وخلطها خلطا مستهجنا مع معتقدات لا تتلاءم في عمومها مع أصالته وعمقه وشموليته وخصائصه المميزة التي جعلت منه دينا عصيا على التحريف والتبديل. هي صورة لصد الناس عنه بعد أن صاروا يدخلون في رحابه أفواجا من كل بقاع الأرض.
هي دعوة ماكرة لاجتثاث أصالته حري بمن في قلبه ذرة من إيمان أن يتحرك بكل ما أوتي من جهد وعلم وفهم لصد هذا العدوان المبيت، والتحسيس والتوعية بخبث المخطط حماية للدين حتى لا يؤتى من
قبل المتطوعين والممالئين وبعض المتأسلمين، حادينا جميعا قول الحق سبحانه: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ، وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ”. (آل عمران، الآية 19).
يقول الإمام ابن كثير مفسرا للآية الكريمة: “وقوله: (إن الدين عند الله الإسلام) إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته، فليس بمتقبل”.