منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

أنوار المصابيح في بيان أدلة منع المأموم من حمل المصحف في صلاة التراويح

الأستاذ عدنان زهار

0

أنوار المصابيح

في بيان أدلة منع المأموم من حمل المصحف في صلاة التراويح

بقلم: الأستاذ عدنان زهار

انتشر في الآونة الأخيرة بين صفوف المصلين، وخصوصا المؤتمِّين بإمامٍ في الصلوات، وخاصة في صلاة التراويح الرمضانية، ظاهرةُ حملِ المصاحف، متابعين بذلك قراءة الإمام، ولعلَّ كثيرا منهم اغترَّ بما يراه الناس على القنوات الفضائية الناقلة لصلاة التراويح من الحرمين الشريفين، فظنوا أنه حق وسنة متبعة، والحقيقة بخلاف ذلك، فأنا أرى أن هذا الفعل مكروه شرعا، ويتبين ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أنه فعل« لم يثبت قولا ولا فعلا ولا تقريرا، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عن أحد من أصحابه الكرام، بل، ولا عن أحد من السلف رضي الله عنهم أجمعين، لأنهم فهموا أن السنة والحقَّ بخلافه، مع تعذر فعله عليهم، في أزمنتهم، لثقل المصاحف وقتئذ، بخلاف أحوالها وأحجامها اليوم؛ وما كان الأمر فيه مخالفا للصدر الأول كان الغالب عليه المنعَ، خصوصا إن اقترنت به أدلة أخرى تُقويه، ولم يندرج تحت أصل سديد من اصول الشرع أو مقصد سليم من مقاصده.

الوجه الثاني: أنه مخالِفٌ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به»، وفيه: «وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد”. ثم ذكر لفظه بطوله، وذكر زيادة: «وإذا قرأ فأنصتوا»، أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه في “سننهم”، وأصله في “الصحيح”، وزيادة: «وإذا قرأ فأنصتوا» وإن ضعفها بعض الأئمة، فالراجح صحتُها، وهو مذهب الإمام أحمد، ومسلم، وابن حزم؛ وعليه فحامل المصحف في صلاة الجماعة وراء إمام يقرأ جهرا غيرُ منصت، بل هو قارئ، ولا يمكنه أن يجمع بين الإنصات والقراءة لاشتغال المحل الواحد بشغلين مختلفين، وهو متعذر بل محال، فهو بذلك مخالِف للأمر النبوي، خصوصا إن كانت قراءته مما يصنعه البعضُ همسا أو شبهَ الجهر، وهو مخالَفة أخرى، بدليل:

الوجه الثالث: وهو ما رواه مالك في “الموطأ” وأبو داود والترمذي وابن ماجه في “سننهم”، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: «هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟»، فقال رجل: نعم، يا رسول الله، قال: «إني أقول مالي أنازَع القرآن؟»، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه. وهذا واضح جليٌّ في القول بكراهة -بل بتحريم- ما يفعله البعض من حمل المصحف أثناء الصلاة والإمامُ يقرأ جهرا.

الوجه الرابع: أن حمل المصحف موجِب لكثرة الحركة، كما هو مشاهَد من فعل من يصنع ذلك، وكثرةُ الحركة موجبة لبطلان الصلاة، كما هو مشهور مقرَّرٌ في كتب الفقه.

الوجه الخامس: أن حامل المصحف والإمامُ يقرأ جهرا قارئٌ معه، وكثير من فاعلي ذلك، يهمسون بالقراءة، يُسمعون بعضها أو كثيرا منها لمن يلونهم، وفي ذلك تشويش على المصلين وإذهاب لتركيزهم وتدبرهم في القراءة من الإمام.

الوجه السادس: أن حامل المصحف مشغولٌ -هو نفسه- بالقراءة، وذلك يمنعه من التدبر والتأمل، لأن ذهنه اجتمع عليه قراءةُ نفسه وسماع قراءة الإمام، وذلك كافٍ في صرف الذهن والقلب عن قراءة الإمام للقرآن.

الوجه السابع: أن حمل المصحف في الصلاة موجبٌ لإهانته ولو من غير قصد، فإن ركع فاعله جعله قرب ساقيه وعلى الركبتين، وإن سجد وضعه على الأرض، والقرآن يعلو ولا يهان، ولا يوضع أدبا على الأرض، والواجب تعظيمه واحترامه والتأدب معه.

الوجه الثامن: أن حامل المصحف في الصلاة، إن كان ممن يقبض فقد ضيَّع السنة في القبض، وهو وضع باطن اليمنى على ظاهر اليسرى، فتجده واضعا رسغ اليمنى على اليسرى، وفيه تضييع لصفة السنة الثابتة في القبض، وأما إن كان ممن يسدل في صلاته -على المشهور في مذهبنا المالكي- فقد ضيَّع السنة الجارية في السدل بحمل المصحف.

الوجه التاسع: أن حمل المصحف في الصلاة تَضيع به –أيضا- سنةُ بسط الكفين على الركبتين في الركوع، وبسطهما وتمكينهما من الأرض في السجود، كما هو معلوم في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فترى الحامل للمصحف واضعا جنب إحدى كفيه على الركبة والأرض، وهو مخالفة حكم حمل المأموم للمصحف في الصلاة واضحة.

الوجه العاشر: وهو أن كثيرا من حاملي المصاحف في الصلاة وراء إمام يقرأ الجهرية، يتسرعون في الفتح عليه، وبدون موجب أحيانا كثيرة، ولو توقف هذا الإمام فقط لأخذ نفَسه، فيتوهمونه نسي أو ارتج عليه، فتراهم يصرخون من الصفوف الخلفية فتحا عليه، مع أن السنة في ذلك أن يليَ الإمامَ أولوا النُّهى والحفظ والقرآن، وهم الموكلون بالفتح على الإمام دون غيرهم.

فهذه عشرة أدلة أو قرائن، موجبةٌ للقول بكراهية حمل المصحف في الصلاة وراء إمام يقرأ في جهرية، ووددتُ لو أن السادة الفضلاء القيِّمين على نقل صلاة التراويح من الحرمين الشريفين ومن غيرهما راعَوْا هذا الملحظ، وتجنبوا التركيز على حاملي المصاحف في الصلاة وراء إمام الصلاة، حتى لا يظن الناس أنه مسنون محمود مرضي.
هذا، وإن حمل المصحف بحامل مصنوع له لغير المأموم في جماعة، ولمن لا يحفظ القرآن ويريد أن يصلي ركعات بأكثر عدد من السور والآي، لا بأس عليه ولا يدخل فيما ذكرناه آنفا، إن لم يكن في فعله ذلك حركة كثيرة لتدوير الورق، مُخرجةً عن أحوال الاعتدال في الصلاة، كما أفتى به جمهرة من أئمة الدين، والله أعلم…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.