مختصر فقه الجنائز
إعداد عبد الصادق الرقيبي
تقديم
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين قضى بالموت على الخلق أجمعين، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”[1]، والصلاة والسلام على سيد الاولين والاخرين وإمام المتقين سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن ملاقاة الموت وذوقانه حتم لازم بنص القرآن، وقد اعترف بذلك حتى من كان قبل القرآن؛ قال كعب بن زهير
كلُّ ابنِ أنثَى وإنْ طالتْ سلامتهُ.. يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ
لذا رغب الشارع أولا في الإكثار من ذكره، ورتب ثانيا على الجسم الآدمي دون غيره من المخلوقات أحكاما تتعلق بهذه المصيبة إذا نزلت به تماشيا مع التكريم الإلهي الذي خص به بني آدم، هذه الأحكام عرفت بأحكام الجنائز أو فقه الجنائز، وهي مبثوثة في بطون كتب الفقه إما مفردة بعنوان “كتاب الجنائز” كما هو الشأن في المصنفات الحديثية والفقهية الضخمة، أو مندرجة تحت كتاب الصلاة في مؤلفات فقه العبادات المختصرة أو العامة.
ولا يخفى أن الجنائز وأحكامها كثيرة جدا، وقسم كبير منها مما اختلفت فيه أقوال العلماء، وتضاربت حوله الآراء، فمنهم من يحرم شيئا، والآخر يبيحه، ومنهم من يوجب شيئا، والآخر لا يجيزه، ومنهم من يراه سنة، وآخر يراه بدعة، وهكذا…
لكن الذي سنتطرق له في هذه الصفحات هو ذكر هذه الأحكام بإيجاز من لحظة الاحتضار إلى الدفن، مع الإشارة إلى زيارة القبور، وهذا مبني على حالة موت الميت بعد احتضار تقدمه مرض أو لم يتقدمه، أما موت الفجأة فلا مرض ولا احتضار، نسأل الله حسن الخاتمة، وهذا أوان الشروع في الموضوع:
أولاـ تعريف الجنائز:
الجنائز جمع مفرده جنازة، من جَنَزَ الشيءَ يَجْنِزُه جَنْزاً بمعنى ستره، والجَنَازَة بالفتح الميت، والجِنازة بالكسر السرير أو النعش الذي يُحْمل عليه الميت[2].
ثانيا ـ الأحكام الأصل العام في أحكام الجنائز هو الحديث الآتي:
“عن أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ آدَمَ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيْ بَنِيَّ إِنِّي أَشْتَهِي مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَذَهَبُوا يَطْلُبُونَ لَهُ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَمَعَهُمْ أَكْفَانُهُ وَحَنُوطُهُ، وَمَعَهُمُ الْفُؤُوسُ وَالْمَسَاحِي وَالْمَكَاتِلُ، فَقَالُوا لَهُمْ: يَا بَنِي آدَمَ، مَا تُرِيدُونَ؟ وَمَا تَطْلُبُونَ؟ – أَوْ مَا تُرِيدُونَ؟ وَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ – قَالُوا: أَبُونَا مَرِيضٌ فَاشْتَهَى مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، قَالُوا لَهُمْ : ارْجِعُوا فَقَدْ قُضِيَ قَضَاءُ أَبِيكُمْ، فَجَاؤُوا، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ حَوَّاءُ عَرَفَتْهُمْ، فَلاَذَتْ بِآدَمَ فَقَالَ: إِلَيْكِ عَنِّي فَإِنِّي إِنَّمَا أُوتِيتُ مِنْ قِبَلِكِ، خَلِّي بَيْنِي وَبَيْنَ مَلاَئِكَةِ رَبِّي – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – فَقَبَضُوهُ، وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَحَنَّطُوهُ، وَحَفَرُوا لَهُ وَأَلْحَدُوا لَهُ، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلُوا قَبْرَهُ فَوَضَعُوهُ فِي قَبْرِهِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنَ الْقَبْرِ ، ثُمَّ حَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ، ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ”[3].
1ـ الاحتضار:
الاِحْتِضَارُ هو: الإْشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ بِظُهُورِ عَلاَمَاتِهِ[4]، والمحتضر بفتح الضاد وكسرها الميت سمي بذلك لأن أجله حضره.
عَلاَمَاتُ الاِحْتِضَارِ:
لِلاِحْتِضَارِ عَلاَمَاتٌ كَثِيرَةٌ يَعْرِفُهَا الْمُخْتَصُّونَ منها: إشخاص البصر، واسْتِرْخَاءَ الْقَدَمَيْنِ، وَاعْوِجَاجَ الأْنْفِ، وَانْخِسَافَ الصُّدْغَيْنِ، وَامْتِدَادَ جِلْدَةِ الْوَجْهِ، لذا يستحب أَنْ يَلِيَ المحتضر مِنْ أَقَارِبِهِ أَحْسَنُهُمْ َخُلُقًا وَدِينًا، وَأَرْفَقُهُمْ بِهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِسِيَاسَتِهِ، وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ، قَالَتِ الْمَالِكِيَّةُ : يُنْدَبُ تَجَنُّبُ حَائِضٍ وَجُنُبٍ وَتِمْثَالٍ وَآلَةِ لَهْو[5]، وَنُدِبَ أَنْ يُحْضِرُوا عِنْدَهُ طِيبًا، وليحرص الحاضرون عنده على أمور أهمها:
أ – استقبال القبلة بالمحتَضَر حين يُغلب عليه ويوقَن بموته، ولا يستقبل به قبل شخوص بصره كما يفعله العوام، والمستحب في صفة الاستقبال أن يجعل على جنبه الأيمن وصدره إلى القبلة[6]، فان لم يمكن لضيق المكان أو غيره فعلى جنبه الأيسر إلى القبلة، فان لم يمكن فعلى قفاه وباطن قدميه إلى القبلة ويرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة.
ب ـ تلقينه الشهادة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” لقنوا موتا كم لا إله إلا الله”،[7] وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّلْقِينِ، لكن الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، قال النفراوي المالكي: “يقول الجالس عنده بحيث يسمع: “لا إله إلا الله” محمد رسول الله ولو لم يقل أشهد، ولا بد من جمع محمد رسول الله مع لا إله إلا الله إذ العبد لا يكون مسلما إلا بهما”[8].
وَيَكُونُ التَّلْقِينُ قَبْل الْغَرْغَرَةِ جَهْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ ؛ لأِنَّ الْغَرْغَرَةَ تَكُونُ قُرْبَ كَوْنِ الرُّوحِ فِي الْحُلْقُومِ ، وَحِينَئِذٍ لاَ يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهَا، وَالتَّلْقِينُ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ حَضَرَ عَقْلُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْكَلاَمِ، فَإِنَّ شَارِدَ اللُّبِّ لاَ يُمْكِنُ تَلْقِينُهُ، وَالْعَاجِزُ عَنِ الْكَلاَمِ يُرَدِّدُ الشَّهَادَةَ فِي نَفْسِهِ”[9]، وفي كيفية التلقين قال النووي: ” وينبغي أن لا يلح عليه في ذلك وألا يقول له: قل لا اله إلا الله خشية أن يضجر فيقول لا أقول أو يتكلم بغير هذا من الكلام القبيح، ولكن يقولها بحيث يسمعه معرِّضا له ليفطن فيقولها”[10]، وقال أبو الحسن المالكي في الكفاية:” ولا يقال له قل لأنه قد يقول لا للشيطان عند قوله له مت على دين كذا فيساء به الظن”[11]، ثم قال النووي:” وإذا أتى بالشهادة مرة لا يعاوَد ما لم يتكلم بعدها بكلام آخر، هكذا قال الجمهور لا يزاد علي مرة”[12]، وقال النفراوي:” ولا يضجر الملقن من عدم قبول المحتضر لما يلقنه، لأنه يشاهد من عظائم الموت في ذلك الوقت ما لا نطلع عليه، ومن خرس لسانه أو ذهب عقله فلم ينطق بالشهادتين حتى مات ولم يخطر الإيمان بقلبه مات مؤمنا ولا يضره ذلك.[13]
ت ـ يستحب أن يقرأ عند المحتضر سورة يس، لما أَسْنَدَهُ الديلمي[14] إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ قَالاَ: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيقْرَأُ عِنْدَهُ يس إِلاَّ هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ”[15]، وفي مسند الإمام أحمد ما نصه:” حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ(وهو صحابي جليل) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ فَقَالَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس؟ قَالَ فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ، قَالَ فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا”[16]، وَبِهِ قَال متأخروا المالكية[17] والشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
ث ـ يُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يَتَعَاهَدُوا بَلَّ حَلْقِ الْمُحْتَضَرِ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَأَنْ يَتَعَاهَدُوا تَنْدِيَةَ شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ لأِنَّهُ رُبَّمَا يَنْشَفُ حَلْقُهُ مِنْ شِدَّةِ مَا نَزَل بِهِ فَيَعْجِزُ عَنِ الْكَلاَمِ، وَتَعَاهُدُهُ بِذَلِكَ يُخفف مَا نَزَل بِهِ مِنَ الشِّدَّةِ، وَيُسَهِّل عَلَيْهِ النُّطْقَ بِالشَّهَادَةِ.
ج ـ إِذَا رَأَى الْحَاضِرُونَ مِنَ الْمُحْتَضَرِ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَسِّنُوا ظَنَّهُ بِرَبِّهِ وَأَنْ يُطَمِّعُوهُ فِي رَحْمَتِهِ، لحديث حسن الظن بالله السالف الذكر، إِذْ قَدْ يُفَارِقُ الحياة عَلَى ذَلِكَ فَيَهْلِكُ. نعوذ بالله.
2ـ خروج الروح
إذا قضى الْمُحْتَضَرُ وأسلم الروح لبارئها وَتَيَقَّنَ الْحَاضِرُونَ مَوْتَه بانْقِطَاعِ نَفَسِهِ وَانْفِرَاجِ شَفَتَيْهِ توجبت عليهم أحكام منها:
أن يُغْمضوا عينيه ويقبِّلوه في جبهته أو بين عينيه ويدعوا له بالخير ويَسُجوه بإزار، لحديث أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ[18] فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ”[19]، و لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَل عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيل عَلَى وَجْنَتَيْهِ[20]، وَيَقُول مُغْمِضُهُ: ” بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَسَهِّل عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِكَ، وَاجْعَل مَا خَرَجَ إِلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ”، وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ وَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ إِلَى عَضُدَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا ، وَيَرُدُّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ إِلَى كَفَّيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهَا، وَيَرُدُّ فَخِذَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ، وَسَاقَيْهِ إِلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا، ويترك على شيء مرتفع من لوح أو سرير، لئلاّ تصيبه نداوة الأرض فيتغيّر ريحه، ويجعل على بطنه حديد، أو طين يابس، لئلاّ ينتفخ، وهذا متّفق عليه في الجملة، وكل هذا تمهيدا لتغسيله..
3ـ التجهيز:
ويقصد به تغسيل الميت وتكفينه استعدادا للصلاة عليه ودفنه، وهذا يقتضي ذكر ما يتعلق بالتغسيل والتكفين.
أـ التغسيل:
تَعْمِيمُ بَدَنِ الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ بِطَرِيقَةٍ مَسْنُونَةٍ، ومذَهَب جُمْهُور الْفُقَهَاءِ أَنَّ تَغْسِيل الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَاجِبُ كِفَايَةٍ، والمقصود من الغسل التعبد، بدليل أنه لو مات عقب اغتساله هو وجب تغسيله، ولو عجزنا عن طهارته بالماء وجب تيميمه مع أنه لا نظافة فيه، وتَغْسِيل الْمَيِّتِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى يكون كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ.
تجدر الإشارة إلى أن الغاسل ينبغي أن يكون ثقة أمينا، عالما بأحكام تجهيز الميت، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لِيُغَسِّل مَوْتَاكُمُ الْمَأْمُونُونَ”[21]، والتغسيل يتقدمه إعداد لوازمه من موضع وماء وخرقة، فأورد هنا ما يتعلق بهذه:
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْمَل الْمَيِّتُ إِلَى مَكَانٍ خَالٍ مَسْتُورٍ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الْغَاسِل وَمَنْ لاَ بُدَّ مِنْ مَعُونَتِهِ عِنْدَ الْغُسْل، ويَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْتِعْمَال الْبخُورِ عِنْدَ تَغْسِيل الْمَيِّتِ مُسْتَحَبٌّ، لِئَلاَّ تُشَمَّ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَيُزَادُ فِي الْبُخُورِ عِنْدَ عَصْرِ بَطْنِهِ، وَأَمَّا تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمُ الأْظْفَارِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَنَتْفُ الإْبِطِ فَلاَ يُفْعَل شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا، لأِنَّ ذَلِكَ يُفْعَل لِحَقِّ الزِّينَةِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَل الزِّينَةِ فَلاَ يُزَال عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ.
ثم يبدأ في التغسيل بعد تجريده وذلك بأن “يجلسه برفق مائلا قليلا إلى ورائه ويضع يمينه تحت قفاه لئلا يميل رأسه ويُمِرَّ يده اليسرى على بطنه بتحامل يسير مع التكرار ليخرج ما في بطنه من فضلات، ثم يضجعه على قفاه ويلُف على يده اليسرى خرقة أو يلبس قفازا ثم يغسل له فرجه ويغسل سوأتيه، ثم يلقيها، ويلف خرقة أخرى على يده بعد غسلها بماء وصابون وينظف بها أسنانه ومنخريه ثم يوضئه كالحي مع النية، ثم يغسل رأسه فلِحْيَيْه بنحو صابون، ثم يبدأ بميامنه لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في غسل ابنته:( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) [22] فيغسل شقه الأيمن ثم الأيسر، ثم يحرفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن من جهة الوراء، ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك مستعينا في ذلك بمنظف ثم يفيض عليه الماء من فوق رأسه إلى قدميه، وهذا كله يعتبر غسلة واحدة، ويسن الغسل ثانية وثالثة أو أكثر إن احتيج لذلك على أن يوتر لحديث أم عطية السابق وفيه:(اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا).
وَإِذَا فَرَغَ الْغَاسِل مِنْ تَغْسِيل الْمَيِّتِ نَشَّفَهُ بِثَوْبٍ، لِئَلاَّ تَبْتَل أَكْفَانُهُ.
ب ـ التكفين
الْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤْخَذَ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا فَتُبْسَطُ أَوَّلاً لِيَكُونَ الظَّاهِرُ لِلنَّاسِ حُسْنُهَا، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ”[23] وَيُجْعَل عَلَيْهَا حنُوطٌ، ثُمَّ تُبْسَطُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْحُسْنِ وَالسَّعَةِ عَلَيْهَا، وَيُجْعَل فَوْقَهَا حنُوطٌ وَكَافُورٌ ثُمَّ تُبْسَطُ فَوْقَهُمَا الثَّالِثَةُ وَيُجْعَل فَوْقَهَا حنُوطٌ وَكَافُورٌ، وَلاَ يُجْعَل عَلَى وَجْهِ الْعُلْيَا وَلاَ عَلَى النَّعْشِ شَيْءٌ مِنَ الْحنُوطِ، لأِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: لاَ تَجْعَلُوا عَلَى أَكْفَانِي حنُوطًا، ثُمَّ يُحْمَل الْمَيِّتُ مَسْتُورًا بِثَوْبٍ وَيُتْرَكُ عَلَى الْكَفَنِ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ بَعْدَ مَا يُجَفَّفُ، وَيُؤْخَذُ قُطْنٌ فَيُجْعَل فِيهِ الْحَنُوطُ وَالْكَافُورُ وَيُجْعَل بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ وَيُشَدُّ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤْخَذَ الْقُطْنُ وَيُجْعَل عَلَيْهِ الْحَنُوطُ وَالْكَافُورُ وَيُتْرَكُ عَلَى الْفَمِ وَالْمنْخرَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالأْذُنَيْنِ وَعَلَى جِرَاحٍ نَافِذَةٍ إِنْ وُجِدَتْ عَلَيْهِ لِيَخْفَى مَا يَظْهَرُ مِنْ رَائِحَتِهِ ، وَيُجْعَل الْحَنُوطُ وَالْكَافُورُ عَلَى قُطْنٍ وَيُتْرَكُ عَلَى مَوَاضِعِ السُّجُودِ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: تُتْبَعُ مَسَاجِدُهُ بِالطِّيبِ، لأِنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ شُرِّفَتْ بِالسُّجُودِ فَخُصَّتْ بِالطِّيبِ، ثُمَّ يُلَفُّ الْكَفَنُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُثْنَى مِنَ الثَّوْبِ الَّذِي يَلِي الْمَيِّتَ طَرَفُهُ الَّذِي يَلِي شِقَّهُ الأْيْسَرَ عَلَى شِقِّهِ الأْيْمَنِ، وَاَلَّذِي يَلِي الأْيْمَنَ عَلَى الأْيْسَرِ، ثُمَّ يُلَفُّ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مثل ذَلِكَ، وَإِذَا لُفَّ الْكَفَنُ عَلَيْهِ جُمِعَ الْفَاضِل عِنْدَ رَأْسِهِ جَمْعَ الْعِمَامَةِ، وَمَا فَضَل عِنْدَ رِجْلَيْهِ يُجْعَل عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ ، ثُمَّ تُشَدُّ الأْكْفَانُ عَلَيْهِ بِشِدَادٍ خِيفَةَ انْتِشَارِهَا عِنْدَ الْحَمْل، فَإِذَا وُضِعَ فِي الْقَبْرِ حُل الشِّدَادُ، هَذَا هو مذهب الجمهور.
ويتفرع على تجهيز الميت الذي مات في فراشه، تجهيز ذوي الحالات الخاصة مثل المحترق والمجروح والمنتحر والخنثى والسقط، فنذكر بإيجاز ما يتعلق بهم:
المحترق:
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنِ احْتَرَقَ بِالنَّارِ يُغَسَّل كَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوْتَى إِنْ أَمْكَنَ تَغْسِيلُهُ، لأِنَّ الَّذِي لاَ يُغَسَّل إِنَّمَا هُوَ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ وَلَوْ كَانَ مُحْتَرِقًا بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهَا.
أَمَّا الْمُحْتَرِقُ خَارِجَ الْمَعْرَكَةِ فَهُوَ مِنْ شُهَدَاءِ الآخِرَةِ وَلاَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ، فَإِنْ خِيفَ تَقَطُّعُهُ بِالْغُسْل يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ صَبًّا وَلاَ يُمَسُّ، فَإِنْ خِيفَ تَقَطُّعُهُ بِصَبِّ الْمَاءِ لَمْ يُغَسَّل وَيُيَمَّمُ إِنْ أَمْكَنَ كَالْحَيِّ الَّذِي يُؤْذِيهِ الْمَاءُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ غُسْل بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ غُسِّل مَا أَمْكَنَ غُسْلُهُ وَيُيَمَّمُ الْبَاقِي كَالْحَيِّ سَوَاءً بسواء.
الْجَرِيح:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ الْمَجْرُوحَ وَذَا الْقُرُوحِ وَمَنْ تَهَشَّمَ تَحْتَ الْهَدْمِ وَشِبْهَهُمْ إِنْ أَمْكَنَ تَغْسِيلُهُ غُسِّل، وَإِلاَّ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ. فَإِنْ زَادَ أَمْرُهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ خُشِيَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ تَزَلُّعُهُ (أي تشققه) أَوْ تَقَطُّعُهُ فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْتَقَل إِلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْغُسْل لِخَوْفِ تَهَرِّيهِ، لأِنَّ التَّطْهِيرَ لاَ يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ فَوَجَبَ الاِنْتِقَال فِيهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْمَاءِ إِلَى التَّيَمُّمِ كَغُسْل الْجَنَابَةِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَخِيفَ مِنْ غَسْلِهِ إِسْرَاعُ الْبِلَى إِلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَجَبَ غَسْلُهُ لأِنَّ الْجَمِيعَ صَائِرُونَ إِلَى الْبِلَى.
المنتحر:
الْمُنْتَحِرُ عَمْدًا لاَ يَخْرُجُ عَنِ الإْسْلاَمِ بِسَبَبِ قَتْلِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِوُجُوبِ غَسْلِهِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
السِّقْطِ:
السِّقْطُ هُوَ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى يَسْقُطُ قَبْل تَمَامِهِ وَهُوَ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السِّقْطَ إِذَا اسْتَهَل ثَبَتَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْحَيِّ وَحُقُوقُهُ وَمِنْهَا وُجُوبُ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: “إِذَا اسْتَهَل الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ”[24]. وَاخْتَلَفُوا فِي السِّقْطِ إِنْ لَمْ يَسْتَهِل، وأحق المذاهب بالاتباع في هذه المسألة المذهب الحنبلي:
قَال الْحَنَابِلَةُ: السِّقْطُ إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَقَال أَحْمَدُ: إِذَا أَتَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غُسِّل وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:”…وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ”[25]، وَلأِنَّهُ نَسَمَةٌ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلاَ يُغَسَّل وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْحَيَاةِ.
الخنثى:
إِذَا كَانَ الْخُنْثَى الْمُشْكِل صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ، يَجُوزُ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ تَغْسِيلُهُ، كَمَا يَجُوزُ مَسُّهُ وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ كَبِيرًا أَوْ مُرَاهِقًا فَلاَ يُغَسِّلُهُ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ، بَل يُيَمَّمُ، وَالأْصْل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِل – إِنْ كَانَ لَهُ مَحْرَمٌ مِنَ الرِّجَال أَوِ النِّسَاءِ – غَسَّلَهُ بِالاِتِّفَاقِ.
وما قيل في تغسيل هؤلاء ينطبق على تكفينهم
ومما يتفرع أيضا على التجهيز: الاغتسال والأجرة على التغسيل:
فالأول: جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ – مَا عَدَا ابْنَ الْقَاسِمِ – أَنَّهُ لاَ غُسْل عَلَى غَاسِل الْمَيِّتِ، لأِنَّ تَغْسِيل الْمَيِّتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ.
والثانية: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَخْذَ الأْجْرَةِ عَلَى تَغْسِيل الْمَيِّتِ جَائِزٌ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الأْفْضَل أَنْ يُغَسَّل الْمَيِّتُ مَجَّانًا.
4ـ صَلاَة الْجِنَازَةِ وأحكامها
الصَّلاَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
مقام الإمام من الجنازة
يَقُومُ عِنْدَ صَدْرِ الرَجُل، وَقِيل عِنْدَ رَأْسِهِ، وَوَسَطِ المْرَأَة، وَبَيْنَ الصَّدْرِ وَالْوَسَطِ مِنَ الْخُنْثَى، لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَنَسًا صَلَّى عَلَى رَجُلٍ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَعَلَى امْرَأَةٍ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَقَال لَهُ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذَا كَانَتْ صَلاَةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا وَعَلَى الرَّجُل عِنْدَ رَأْسِهِ؟ قَال: نَعَمْ “[26]، فَإِنْ وَقَفَ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ أجزأ وَخَالَفَ السُّنَّةَ.
وَتَرْتِيبُ الجنائز فِي الْوَضْعِ عِنْدَ الكثرة واخْتِلاَفِ النَّوْعِ لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَيُوضَعُ الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإْمَامَ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخُنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ الْمُرَاهِقَاتُ، فإن كَانَ الْكُل رِجَالاً يُوضَعُ أَفْضَلُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ مِمَّا يَلِي الإْمَامَ.
هَذَا إِنْ جِيءَ بِهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ جِيءَ بِهِمْ مُتَعَاقِبِينَ وَكَانُوا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ يُقَدَّمُ الأْسْبَقُ.
وصلاة الجنازة أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ باتفاق الْفُقَهَاءِ.
فَإِذَا كَبَّرَ الأْولَى مَعَ رَفْعِ يَدَيْهِ تَعَوَّذَ وَبسَمل وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ عند الشافعية والحنابلة[27]، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ قِرَاءَةٌ.
وَإِذَا كَبَّرَ الثَّانِيَةَ يَأْتِي بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الصَّلاَةُ الإبْرَاهِيمِيَّةُ، وَإِذَا كَبَّرَ الثَّالِثَةَ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَيَسْتَغْفِرُ لَه، ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَدْعُو بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَيْضًا – ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ.
وَلاَ يَجْهَرُ بِمَا يَقْرَأُ عَقِبَ كُل تَكْبِيرَةٍ سَوَاءٌ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَيْلاً كَانَتِ الصَّلاَةُ أَوْ نَهَارًا.
ومن الأدعية المسنونة للميت ما يلي:
عن عَوْفِ بن مالك قال: صلى رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على جنَازَةٍ فَحَفِظْتُ منْ دعائهِ “اللهمَّ اغفِرْ لهُ، وارْحَمْهُ، وعَافِهِ واعْفُ عنْهُ، وأَكرم نُزُلَهُ، ووسع مُدْخلهُ، واغْسِلْهُ بالماءِ والثّلْج والبْرَدِ، ونقّه من الْخطايا كما يُنَقَى الثّوب الأبْيضُ من الدنس، وأَبْدلهُ داراً خَيْراً من دارهِ، وأَهْلاً خيراً من أَهْله، وأَدْخلْهُ الجنّةَ، وقِهِ فتْنة القبر وعذابَ النّار”[28]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة يقول: “اللهم اغفر لحيّنا وميِّتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا، اللهُمَّ من أحْييْته منّا فأَحيْه على الإسلام، ومن توفيْتَهُ منّا فتوفّهُ على الإيمان، اللهم لا تحرمنْا أجْرَهُ ولا تُضِلْنا بَعْدهُ”[29]، ودُعَاء أَبِي هُرَيْرَةَ المشهور عند المالكية أَنْ يَقُول بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ” وإن كانت الجنازة أنثى عقد هذا الدعاء بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ، وإن كان الميت طفلا اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا سَلَفًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا وذخرا، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ أتى بِأَيِّ دُعَاءٍ شَاءَ.
مَا يَفْعَل الْمَسْبُوقُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ:
قال ابن قدامة الحنبلي: وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ مُتَتَابِعًا، فَإِنْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقْضِ فَلَا بَأْسَ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ بِتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ فِي الْجِنَازَةِ يُسَنُّ لَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْهَا، وَمِمَّنْ قَالَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ: َمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا بَأْسَ “[30].
مكان وزمان الصلاة على الجنازة
تُنْدَبُ الصَّلاَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ، لما ثبت أِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ عَلَى سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ بَيْضَاءَ”[31]، قَال الشَّافِعِيَّةُ: فَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ فيه لِذَلِكَ، أي لصلاة رسول الله فيه على الجنائز، وَلأِنَّ الْمَسْجِدَ أَشْرَفُ، وأما المالكية والأحناف فالمذهب عندهم الكراهة، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تُبَاحُ الصَّلاَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ لَمْ يَجُزْ.
الصَّلاَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ:
– فِيهَا لِلْفُقَهَاءِ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ بَأْسَ بِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ والمالكية وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَقَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: ذَكَرَ نَافِعٌ أَنَّهُ صُلِّيَ عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَسْطَ قُبُورِ الْبَقِيعِ، صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحَضَرَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَفَعَل ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وحجتهم حديث “جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا”.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يُكْرَهُ ذَلِكَ، وهو مروي عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَالأْرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ”[32]، وَلأِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعٍ لِلصَّلاَةِ غَيْرَ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ فَكُرِهَتْ فِيها صَلاَةُ الْجِنَازَةِ كَالْحَمَّامِ.
هذا الذي ذكر يتعلق بالمكان، أما من حيث الزمان فَالراجح كراهة الصَّلاَة عَلَى الْجِنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَعِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ لحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: “ثَلاَثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا وَأَنْ نُقْبِرَ فِيهَا مَوْتَانَا”[33] وَالْمُرَادُ بِقَبْرِ الْمَوْتَى الصَّلاَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ دُونَ الدَّفْنِ، وَهذا قَوْل ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْل أبي حنيفة ومَالِكٍ وأَحْمَدَ ، لكن بعض متأخري الأحناف جوزها، إذ ورد فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ الأْفْضَل أَنْ يُصَلِّيَ (أي الإمام) عَلَى كل جِنَازَةٍ حَضَرَتْ فِي تِلْكَ الأْوْقَاتِ وَلاَ يُؤَخِّرَهَا، بَل قَال الزَّيْلَعِيُّ : إِنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلاَثٌ لاَ تُؤَخِّرْهَا، الصَّلاَةُ إِذَا آنَتْ، وَالْجِنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأْيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا”[34]
وما قيل في الصلاة على من مات في فراشه ينطبق على من مات في غير فراشه ممن ذيلنا بهم فقرة التجهيز غير المنتحر فمختلف فيه: قال مالك: يُصَلَّى عَلَى قَاتِل نَفْسِهِ وَيُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَإِثْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وقال الحنابلة: لاَ يُسَنُّ لِلإْمَامِ الأْعْظَمِ وَإِمَامِ كُل قَرْيَةٍ وَهُوَ ـ وَالِيهَا فِي الْقَضَاءِ ـ الصَّلاَةُ عَلَى غَالٍّ وَقَاتِل نَفْسِهِ عَمْدًا، وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِمَا فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
أما الشهيد فلا تغسيل ولا تكفين ولا صلاة، وإنما الدفن ليس إلا.
حمل الجنازة والإسراع بها واتباعها:
بعد الفراغ من الصلاة عليها تحمل إلى قبرها، وقد أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَمْل الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وورد الأمر بالإسراع في ذلك، وبين درجته ابن قدامة بأن الأمر بالإسراع للندب بلا خلاف بين العلماء، وعند الجمهور المراد بالإسراع فوق سجية المشي المعتاد، ويكره الإسراع الشديد[35]، وَيُقَدَّمُ رَأْسُ الْمَيِّتِ فِي حَال الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ، قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَفْضَل لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ[36]، وَأَمَّا النِّسَاءُ فقال الْقُرْطُبِيِّ: إِذَا أُمِنَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالتَّبَرُّجِ وَمَا يَنْشَأُ مِنَ الصِّيَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلاَ مَانِعَ مِنَ الإْذْنِ لَهُنَّ، قَال الشَّوْكَانِيُّ: هَذَا الْكَلاَمُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ.
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ أَنْ يَكُونَ مَشْغُولاً بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوِ التَّفَكُّرِ فِيمَا يَلْقَاهُ الْمَيِّتُ، وَأَنَّ هَذَا عَاقِبَةُ أَهْل الدُّنْيَا، وَلْيَحْذَرْ عَمَّا لاَ فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْكَلاَمِ، فَإِنَّ هَذَا وَقْتُ ذِكْرٍ وَمَوْعِظَةٍ فَتَقْبُحُ فِيهِ الْغَفْلَةُ.
5 الدفن:
شرع الدفن من أجل الستر واتقاء النَّتَنِ، لقول الله عز وجل في الحديث القدسي “… ألقيت النتن على الجسد ولولا ذلك لم يدفن حميم حميمه”[37]، وحفر القبر من مستلزمات الدفن، لذا تكلم الفقهاء عن القبر بشقيه اللحد والشق، فذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ أَقَل مَا يُجْزِئُ فِي الْقَبْرِ حُفْرَةٌ تَكْتُمُ رَائِحَةَ الْمَيِّتِ وَتَحْرُسُهُ عَنِ السِّبَاعِ، وَاتَّفَقَوا عَلَى أَنَّ صِفَةَ اللَّحْدِ هِيَ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَل حَائِطِ الْقَبْرِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ، وأما صِفَةُ الشَّقِّ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ يُحْفَرُ فِي وَسْطِ الْقَبْرِ حَفِيرَةٌ يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهَا وَيُبْنَى جَانِبَاهَا بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُسْقَفُ عَلَيْهَا، إلا أن الفقهاء اتفقوا عَلَى أَنَّ اللَّحْدَ أَفْضَل مِنَ الشَّقِّ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا”[38].
كَيْفِيَّةُ الدَّفْنِ:
قَال الْمَالِكِيَّةُ : إِنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يُدْخَل الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ كَانَ وَالْقِبْلَةُ أَوْلَى، وقَال الإمام أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : كُلٌّ لاَ بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ يُلحِدُه عَلَى شِقِّهِ الأْيْمَنِ مُتَوَجِّهًا به إِلَى الْقِبْلَةِ لقوله صلى الله عليه وسلم: «البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتًا»[39] ، وَيَقُول وَاضِعُهُ : بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “كَانَ إِذَا أَدْخَل الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ ، قَال مَرَّةً : بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ . وَقَال مَرَّةً: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” [40]، وَمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاكَ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ سَلَّمْنَاكَ.
فروع الدفن: يتفرع عن الدفن أمور منها:
الدَّفْنُ فِي التَّابُوتِ
– يُكْرَهُ دَفْنُ الْمَيِّتِ فِي تَابُوتٍ بِالإْجْمَاعِ لأِنَّهُ بِدْعَةٌ وَلاَ تُنَفَّذُ وَصِيَّة الهالك بِذَلِكَ، وَلاَ يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَمِنْهَا الْمَيِّتُ الْمُحْتَرِقُ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فَقَالُوا: لاَ بَأْسَ بِاتِّخَاذِ التَّابُوتِ لَهَا مُطْلَقًا؛ لأِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى السِّتْرِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ مَسِّهَا عِنْدَ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ.
دَفْنُ أَكْثَرَ مِنْ مَيِّتٍ فِي الْقَبْرِ:
– الأْصْل أَنَّهُ لاَ يُدْفَنُ أَكْثَرُ مِنْ مَيِّتٍ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْفِنُ كُل مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ، وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ فِعْل الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلاَّ لِلضَّرُورَةِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهداء يَوْم أُحُدٍ “ادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ”[41]، وَيُجْعَل بَيْنَ مَيِّتٍ وَآخَرَ حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ.
تَعْلِيمُ الْقَبْرِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ:
يُنْدَبُ تَعْلِيمُ الْقَبْرِ بِأَنْ يُوضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ وَنَحْوُهُمَا، وَكَذَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، ولاَ بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إنِ احْتِيجَ إلَيْهَا حَتَّى لاَ يَذْهَبَ الأْثَرُ وَلاَ يُمْتَهَنَ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لأِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا وَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وُجِدَ الإْجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ بِهَا، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ ثُمَّ قَال: هَذِهِ الأْسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهَا فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَيُتَقَوَّى بِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “حَمَل حَجَرًا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَال: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي”[42]، والْكِتَابَةَ طَرِيقٌ إلَى تَعَرُّفِ الْقَبْرِ بِهَا.
الْجُلُوسُ بَعْدَ الدَّفْنِ:
– صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ الْمُشَيِّعُونَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ لِدُعَاءٍ وَقِرَاءَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَال: “اسْتَغْفِرُوا لأِخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَل”[43] ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّل سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا[44]، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَال: اجْلِسُوا عِنْدَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ، فَإِنِّي أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ.
التلقين بعد الدفن
الْمَالِكِيَّةُ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ وَحَالِهِ مَكْرُوهٌ، واسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: وَالتَّلْقِينُ هُنَا أَنْ يَقُول الْمُلَقِّنُ مُخَاطِبًا لِلْمَيِّتِ: يَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنَةَ إِنْ كَانَ يَعْرِفُ اسْمَ أُمِّهِ وَإِلاَّ نَسَبَهُ إِلَى حَوَّاءَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، اذْكُرِ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا، شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإْسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إِخْوَانًا”[45].
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ:
– اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ بَل تُسْتَحَبُّ، لِمَا روى عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال: قال لي أبي: يا بني إذا مت فالْحَد لي لحدا فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سَنِّ التراب علي سنّا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ذلك”[46]، وأما حديث أَنَس مَرْفُوعًا قَال: “مَنْ دَخَل الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ فِيهَا “يس” خفّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِهِمْ حَسَنَاتٌ”[47]، وحديث “مَنْ مر بالمقابر فقَرَأَ قل هو الله أحد إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً وَأَهْدَى ثَوَابَهَا إلَى الْجَبَّانَةِ (المقبرة) غُفِرَ لَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِ الْمَوْتَى فِيهَا، وقال سيدنا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعْطَى لَهُ مِنَ الأْجْرِ بِعَدَدِ الأْمْوَاتِ”[48]، فتخريجهما يبعدهما عن دائرة الاحتجاج، ويبقى الحديث الذي قبلهما هو الأصل والعمدة في المسألة.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ، لأِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَل السَّلَفِ، لكن الشيخ سيدي أحمد الدَّرْدِيرُ المصري أحد متأخري المالكية قال: الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَجَعْل ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُل لَهُ الأْجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
6ـ التعزية
عن سيدنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عَزَّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَل الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”[49]
فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لابن عابدين: لاَ بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُبَاحُ الْجُلُوسُ لِقَبُول التَّعْزِيَةِ، وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَفْتِنَّ.
صُنْعُ الطَّعَامِ لأِهْل الْمَيِّتِ
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ الْمَيِّتِ وَالأْبَاعِدِ مِنْ قَرَابَتِهِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لأِهْل الْمَيِّتِ، وَيُسَنُّ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ثَلاَثًا لأِهْل الْمَيِّتِ لاَ لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُمْ، إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا ضُيُوفًا، وهذا أيضا محل نزاع في عصرنا، وربما تخريج جوازه يؤخذ من كلام ابن قدامة أسفله وكلام ابن القيم المحال عليه بعده.
وُصُول ثَوَابِ الأْعْمَال لِلْغَيْرِ:
– قال العلامة الكاساني الحنفي: مَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَل ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الأْمْوَاتِ وَالأْحْيَاءِ جَازَ، وَيَصِل ثَوَابُهَا إِلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، قَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْقِرَاءَةَ تَصِل لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهَا عِنْدَ الْقَبْرِ أَحْسَنُ مَزِيَّة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصدقة على الميت، وأمر أن يصام عنه الصوم، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم، وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء إنه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي، فإذا أهدي لميت ثواب صيام أو صلاة أو قراءة جاز ذلك، وهو ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم سواء كان من أقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليه ودعائهم له عند قبره. [50]، وقال ابن قُدَامَةَ الحنبلي: وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا الحي وَجَعَل ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.[51]
7 زِيَارَةُ الْقُبُورِ وآدابها
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة”[52]، وفي رواية الطبراني عن ثوبان “إنى كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها واجعلوا زيارتكم لها صلاة عليهم واستغفارا لهم”.
قَال الْقُرْطُبِيُّ: زِيَارَةُ الْقُبُورِ مِنْ أَعْظَمِ الدَّوَاءِ لِلْقَلْبِ الْقَاسِي؛ لأِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ وَالآْخِرَةَ وَذَلِكَ يَحْمِل عَلَى قِصَرِ الأْمَل وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَتَرْكِ الرَّغْبَةِ فِيهَا[53]، فلاَ خِلاَفَ إذن بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ تُنْدَبُ لِلرِّجَال زِيَارَةُ الْقُبُورِ وذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ – فِي الأْصَحِّ – إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ كَمَا يُنْدَبُ لِلرِّجَال لعموم الحديث.
يَقُول الزائر مستقبلا وجوههم في السلام والدعاء: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْل الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ نَسْأَل اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ، أو يقول: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَأَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَدْعُو لَهُمْ.
الأربعينية
من العادات المشهورة في بلدنا وفي مصر وغيرهما إعادة دعوة الناس بعد مضي أربعين يوما على وفاة المتوفى لمجمع يكون فيه قراءة القرآن وربما ختمه، ورثاء للفقيد(ة)، وشيء من السماع، وإطعام، والختم بدعاء جامع ترحما على الفقيد، وبعد الاطلاع على أقوال أهل العلم فيها تبين شبه إجماعهم على رد هذا العمل وذمه وإنكاره، منهم مفتي الأزهر الأسبق الشيخ محمد حسنين مخلوف الذي أفرد المسألة بكتاب ملخصه أن إقامة مأتم الأربعين بدعة مذمومة، لا سند لشيء من ذلك في الشريعة الغراء، بل لم يكن معروفا عندنا إلى عهد غير بعيد، وإنما هو أمر استحدث أخيرا ابتداعا لا اتباعا وفيه من المضار ما يوجب النهى عنه، ظاهره أنه قربة وبر، حتى استقر في أذهان العامة أنه من المشروع في الدين، وفيه إضاعة الأموال في غير وجهها المشروع، في حين أن الميت كثيرا ما يكون عليه ديون أو حقوق الله تعالى أو للعباد لا تتسع موارده للوفاء بها، وقد يكون الورثة في أشد الحاجة إلى هذه الأموال، ومع هذا يقيمون مأتم الأربعين استحياء من الناس ودفعا للنقد، وكثيرا ما يكون في الورثة قصر يلحقهم الضرر بتبديد أموالهم في هذه البدعة، وفيه مع ذلك تكرير العزاء وهو غير مشروع.
ثم ختم بالقول: هذه العادة الذميمة لا ينال الميت منها رحمة أو مثوبة، بل لا ينال الحي منها سوى المضرة[54].
خاتمة
بعد كل هذه الأحكام الفقهية يحضر السؤال الهام: ماذا أعددت ليوم تحل فيه منيتي لتطبق فيَّ هذه الأحكام وتتبع في هذه الخطوات؟
الجواب:
يا خالق الأكوان باللطف عاملني مالي عمل يرضي أنت الغني عني
رباه ما أعددت كثير صلاة ولا صيام غير أني:
أحب الصالحين ولست منهم لعلّي أن أنال بهم شفاعة
فاللهم اختم لنا بالحسنى وزيادة. آمين والحمد لله رب العال
[1] آخر آية من سورة النمل
[2] لسان العرب لابن منظور مادة جنز، ج5 ص324
[3] رواه عَبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على مسند أبيه، والْبَيْهَقِيُّ فِي سننه الْكُبْرَى، وأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بإسناد ضعيف كما قال الألباني.
[4] يراجع لسان العرب مادة حضر
[5] الشرح الكبير على مختصر خليل لسيدي احمد الدردير المالكي المصري(توفي عام 1102هـ) ج1 ص414.
[6] كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني لأبي الحسن علي بن محمد المنوفي الشاذلي المالكي المتوفى سنة 939.
[7] أخرجه مسلم وغيره في كتاب الجنائز باب تلقين الموتى لا إله إلا الله، زاد البزار وابن حبان بسند صحيح على شرط مسلم: “فإنه من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه”، من دخول النار بذنوب لا تخلده فيها.
[8] الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني لأحمد بن غنيم النفراوي ج2 ص664
[9] الموسوعة الفقهية الكويتية، ج2 ص78
[10] المجموع ج5 ص110
[11] كفاية الطالب ج1ص515.
[12] المجموع نفس الصفحة
[13] الفواكه الدواني نفس الصفحة
[14] صاحب مسند الفردوس
[15] قال ابن أبي بكر البوصيري المحدث في مصنفه “إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة” رَوَاهُ الْحَارِثُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ؛ لِضَعْفِ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْجَزَرِيِّ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَار رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنَ – أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَةَ ـ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ونصه:” عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ”. هذا لفظ أبي داود في سننه كتاب الجنائز باب القراءة عند الميت.
[16] المسند ج 28ص171، قال محققه الشيخ شعيب الأرنؤوط: أثر إسناده حسن وإبهام المشيخة لا يضر.
[17] قال النفراوي في الفواكه :”ولم يكن ذلك” أي المذكور من القراءة عند المحتضر “عند مالك أمرا معمولا به” بل تكره عنده قراءة يس أو غيرها عند موته أو بعده أو على قبره، ثم قال بعد هذا الشرح: قال ابن عرفة وغيره من العلماء: ومحل الكراهة عند مالك في تلك الحالة إذا فعلت على وجه السنية، وأما لو فعلت على وجه التبرك بها ورجاء حصول بركة القرآن للميت فلا، وأقول: هذا هو الذي يقصده الناس بالقراءة فلا ينبغي كراهة ذلك في هذا الزمان وتصح الإجارة عليها، ثم نقل عن القرافي قوله: والذي يظهر حصول بركة القرآن للأموات كحصولها بمجاورة الرجل الصالح، وبالجملة فلا ينبغي إهمال أمر الموتى من القراءة ولا من التهليل الذي يفعل عند الدفن، والاعتماد في ذلك كله على الله تعالى وسعة رحمته، ثم نقل عن ابن الحاج الشافعي صاحب المدخل قوله: أن من أراد حصول بركة قراءته وثوابها للميت بلا خلاف فليجعل ذلك دعاء فيقول: اللهم أوصل ثواب ما أقرؤه لفلان أو ما قرأته، وحينئذ يحصل للميت ثواب القراءة وللقارئ ثواب الدعاء. الفواكه، ج2 ص665.
[18] بفتح الشين ورفع بصره، وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه، قاله النووي.
[19] خرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الجنائز باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر.
[20] خرجه الترمذي في سننه عن أمنا عائشة وقال حديث صحيح.
[21] خرجه ابن ماجة في كتاب الجنائز من سننه عن سيدنا ابن عمر.
[22] خرجه الجماعة كلهم في كتاب الحنائز.
[23] خرجه الإمام مسلم في كتاب الجنائز من صحيحه عن سيدنا جابر بن عبد الله .
[24] أخرجه الترمذي في الجنائز: باب ما جاء في ترك الصلاة على الجنين حتى يستهل،” رقم الحديث1032، وابن ماجة ” في الجنائز: باب ما جاء في الصلاة على الطفل رقم الحديث 1508، وقال الترمذي: هذا حديث قد اضطرب الناس فيه فرواه بعضهم عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا، وروى عن جابر موقوفا، وكأن هذا أصح من الحديث المرفوع.
[25] رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح.
[26] خرجه أبو داود في كتاب الجنائز بَاب أَيْنَ يَقُومُ الْإِمَامُ مِنْ الْمَيِّتِ إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ رقم الحديث 2779.
[27] حجتهم عنْ طلحةَ بن عبد الله بنِ عَوْفٍ قالَ: “صلْيتُ خلفَ ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما على جنازةٍ فَقَرَأَ بفاتحة الْكتابِ، قال: لِتَعْلَمُوا أَنّها سُنّةٌ” رواهُ البُخاري.
[28] رواه مُسلمٌ في كتاب الجنائز
[29]رواه مسلم وأصحاب السنن.
[30]المغني في شرح الخرقي في الفقه ج4/ص443.
[31] رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن أمنا عائشة
[32] خرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن عن سيدنا أبي سعد الخدري وصححه الشيخ أحمد شاكر. لكن الحافظ ابن عبد البر قال: وفي إسناد هذا الخبر من الضعف ما يمنع الاحتجاج به فلو صح لكان معناه أن يكون متقدما لقوله: “جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا”، ويكون هذا القول متأخرا عنه فيكون زيادة فيما فضله الله به صلى الله عليه وسلم. التمهيد ج5/ص220
[33] خرجه مسلم في صحيحه.
[34] خرجه الترمذي في الجنائز عن سيدنا علي رقم الحديث 1075، وقال هذا حديث غريب وما أرى إسناده بمتصل، وحسنه الشيخ الألباني في تحقيقه مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي.
[35] سبل السلام شرح بلوغ المرام ج2 ص102.
[36] خرجه الإمام أحمد والترمذي وعيرهما عن سيدنا عبد الله بن عمر وصححه الشيخ شاكر في تحقيقه للمسند.
[37] أخرجه الديلمي عن سيدنا زيد بن أرقم.
[38] خرجه الترمذي من حديث ابن عباس، وقال: حديث حسن صحيح.
[39] خرجه أبو داود في كتاب الوصايا والبيهقي في سننه باب ما جاء في استقبال القبلة بالموتى والحاكم وصححه وحسنه الألباني.
[40] رواه الخمسة إلا النسائي
[41] أخرجه الترمذي عن هشام بن عامر وقال: حديث حسن صحيح
[42] خرجه أبو داود في سننه عن الصحابي المطلب وحسنه الألباني.
[43] أخرجه أبو داود والحاكم من حديث عثمان بن عفان وقال الحاكم: إسناده صحيح ووافقه الذهبي.
[44] خرجه البيهقي في سننه وأبو داود بنحوه في سننه نقلا عن مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح وما وقفت عليه في سننهما.
[45]هذا الحديث ضعيف الإسناد، لكن ابن الصلاح وغيره قالوا: اعتضد بعمل أهل الشام قديما.
[46] قال ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.
[47] قال الحافظ السخاوي في ” الفتاوى الحديثية رواه أبو بكر عبد العزيز صاحب الخلال بإسناده عن أنس مرفوعا وأظنه لايصح، قال الألباني موضوع.
[48]حديث من مر بالمقابر فقرأ (قل هو الله أحد) إحدى عشر مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات) هو حديث باطل موضوع، رواه أبو محمد الحلال في (القراءة على القبور) والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي الرضا عن آبائه، وهي نسخة موضوعة باطلة لا تنفك عن وضع عبد الله هذا أو وضع أبيه، كما قال الذهبي في (الميزان) وتبعه الحافظ ابن حجر في (اللسان) ثم السيوطي في (ذيل الاحاديث الموضوعة) هذه الإحالة بنصها من أحكام الجنائز للألباني، ص 193، وفي ص453 من ج3 من سلسلة الأحاديث الضعيفة له، الحديث رقم 1290 تفصيل مسهب في تخريجه.
[49] أخرجه ابن ماجة والبيهقي وهو حسن بشواهده كما قال الألباني في إرواء الغليل.
[50] مجموع الفتاوى، ج
[51]المغني ج5 ص79، وَلِلْعَلاَّمَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ كَلاَمٌ مُشْبِعٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُرَاجَعْ في المسالة السادسة عشرة من كِتَابه “الرُّوحِ”.
[52] أخرجه الإمام مسلم وغيره واللفظ لابن ماجة عن ابن مسعود.
[53] الجامع لأحكام القرآن ج20
[54] هذا ملخص فتوى شيخ الأزهر المذكور بتاريخ 1947م منشورة بموقع موسوعة الفتاوى fatawa.com