منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

التجمّل (2) فقه اللباس 

التجمّل (2) فقه اللباس / الدكتور رشيد سمغولي

0

التجمّل (2) فقه اللباس 

بقلم: الدكتور رشيد سمغولي

اللباس كرامة وستر (1)  فقه اللّباس /الدكتور رشيد سمغولي

      الجمال صفة من صفات الخالق جل وعلا، فهو سبحانه جميل وخلق الجمال ويحبّ الجمال. وبرأ الخلائق والأكوان، وأودع فيها من الجمال ما هو ظاهر للأبصار. وللإنسان منه حظه الأوفر ونصيبه الأكبر. فقد خلقه تعالى في أحسن تقويم، فصوّره، وأحسن صوره، وشق سمعه وبصره، وجمّله باللباس وستره به وزيّنه. تبارك الله أحسن الخالقين.

         قال الله تعالى، مذكرا عباده بنعمته عليهم الخاصة بما أكرمهم به من أنواع اللباس، ﴿يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاس التَّقْوَى. ذَلِكَ خَيْرٌ. ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ[1].ذكر بعض أهل التفسير أن الزينة هي المقصود بالريش في الآية[2].وقد أطلق اسم الزينة على اللباس الذي طلب منا ارتدائه للصلاة في قوله تعالى: ﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ[3]، وفي قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ. قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ[4].

         وقد روي في الحديث كذلك ما يدل على أن التّزين باللباس، في غير مخيلة ولا سرف، سنة ينبغي الحرص عليها، والعناية بها. روى الحاكم من حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، عندما لبس ثيابا له: “الحمدُ للهِ الذي كَسَانِي ما أُوَارِي بهِ عَورَتي، وأتجمّلُ بهِ في حَياتِي”[5].

         ويكره شرعا أن يظهر المرء في هيئة سيئة، وثياب وسخة. روى ابن حبان من حديث أبي الأحوص عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم أشعثَ أغبرَ في هيئة أعرابيّ فقال: “مَا لكَ منَ المالِ؟ ” قال: مِن كُلّ المالِ قد آتاني الله. قال:” إنّ اللهَ إذا أَنعمَ على العبدِ نِعمةً أحبّ أن تُرَى بهِ[6]. وروى أبو داود من حديث جابر بن عبد الله قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال: ” أما كان هذا يَجدُ ما ‌يُسَكِّنُ ‌به شَعْرَهُ؟ ” ورأى رجلا آخر عليه ثياب وسخة فقال: ” أَما كان هذا يجدُ ما يَغسِلُ به ثوبَهُ؟ “[7].

         ولذلك فقد أخطأ قوم من الناس حسِبوا أن الزّهد المطلوب يقتضي ترك الحسن من الثياب، والاقتصار على الأخشن منه، واعتقدوا أن في ذلك قربة ومثوبة. وفي هذا المعنى نقل القرطبي عن الطبري قوله: ” لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس… فإذا كان كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتّان إذا قدر على لباس ذلك من حلّه “[8].

         ويُخشى على من اتخذ الدّون من اللّباس شعارا لتزّهده أن يدخل في المحظور من لباس الشهرة المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: “من لبِس ثوبَ شُهْرةٍ فىَ الدّنيا أَلبسَهُ اللهُ ثوبَ مَذّلةٍ يومَ القيامة [9]. قال ابن تيمية رحمه الله: “وتكره الشّهرة من الثياب، وهو المترفّع الخارج عن العادة، والمتخفّض الخارج عن العادة. فإن السّلف كانوا يكرهون الشهرتين المترفّع والمتخفّض. وفي الحديث “من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة”. وخيار الأمور أوساطها “[10]. ثم فصّل رحمه الله في اختلاف نيات العباد في اللباس، وما يترتب عنها من الأجر أو الوزر فقال: “فمن ترك جميل الثياب بخلا بالمال لم يكن له أجر، ومن تركه متعبّدا بتحريم المباحات كان آثما، ومن لبِس جميل الثياب إظهارا لنعمة الله واستعانة على طاعة الله كان مأجورا، ومن لبسه فخرا وخيلاء كان آثما “[11].

         ويتلخّص مما ذكر أن التواضع المحمود لا يستلزم الرثّ من الثياب، كما أن الحسن والرفيع من الثياب ليس بالضرورة علامة على التكبّرالمذموم. روى مسلم من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ‌وَغَمْطُ النَّاسِ[12].

         نعم إذا أعجب المرء بلباسه وتبختر، ودخله الغرور وتكبّر، فقد كفر نعمة ربّه، وعرّض نفسه لنقمته. روى مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ ‌يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ[13].

         ولذلك فنحن بحاجة إلى لباسين اثنين لكي نحقق السّتر الكامل. أحدهما لباس مادي، والآخر لباس معنوي. أما المادي فهو لباس الثوب، وأما المعنوي فهو لباس التّقوى. ولا غرو أن قرن القرآن الكريم بينهما في قول الله عز وجل: ﴿يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاس التَّقْوَى. ذَلِكَ خَيْرٌ. ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ[14]. قال الشاعر:

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التّقى   تقلّب عريانا وإن كان كاسيا

وخير لباس المرء طاعة ربّه   ولا خير فيمن كان لله عاصيا


[1]سورة الأعراف، الآية 26.

[2]الدر المنثور، السيوطي، 3/434.

[3]سورة الأعراف، الآية 31.

[4]سورة الأعراف، الآية 32.

[5]المستدرك على الصحيحين، الحاكم، 4/214.

[6]صحيح ابن حبان، 12/235.

[7]سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب في غسل الثوب، ح 4062.

[8]الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 6/262.

[9]مسند الإمام أحمد، 5/170.

[10]مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 22/138.

[11]مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 22/139.

[12]صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم 147.

[13]صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه، رقم 2088.

[14]سورة الأعراف، الآية 26.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.