مختصر تفسير قوله تعالى: ﴿وإن عزموا الطلاق….لقوم يعلمون﴾ مجلس التفسير للدكتور عبد العالي المسؤول
كتبه: د. رشيد عموري
مختصر تفسير قوله تعالى: ﴿وإن عزموا الطلاق….لقوم يعلمون﴾
مجلس التفسير للدكتور عبد العالي المسؤول
كتبه: د. رشيد عموري
استهل الدكتور عبد العالي المسؤول أستاذ علوم القرآن والقراءات بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس مجلسه بالحديث عن الطلاق حيث جعله الله مخرجا ورحمة بالزوجين والمجتمع. وأسباب الطلاق متعددة، أسبابٌ للضرر كالعنف اللفظي والجسدي، والخيانة الزوجية، والمخدرات، وفساد الأخلاق، والمرأة قد تطلب الطلاق لعدم الإنفاق، فإذا غاب الانفاق طالبت بالطلاق، والانفاق يكون بالمعروف، أي حسب طاقته.
ومن أسباب طلب المرأة للطلاق أيضا الغَيبة، كأن يغيب أكثر من سنة أو يسجن، ويمكن لها أن تصبر إذا سجن زوجها في دفاعه على الحق. وهناك التطليق للعيوب المانعة من المباشرة، وقد تحدث علماؤنا عن هذه العيوب، وأشير إلى أن عددا كثيرا من هذه العيوب يعالج الآن بسبب تطور الطب، وهناك التطليق للهجر والإيلاء، وسبقت الإشارة إليه. الزوجان قد يختلفان في تدبير شؤون البيت، ويحدث تدخل العائلة، وعلى الزوجين أن يحلا هذه المشاكل بهدوء وبحكمة، وعلاج هذه الأمور ابتداءاً يكون بحسن الاختيار، اي اختيار ذات الدين من النساء واختيار ذي الدين والخلق من الرجال، والعلاج يكون أيضا بالصبر والتصبر، فإن لم يصبر الزوجان غابت الرحمة وغاب التصافي. وإن لم يعالج الزوجان المشاكل بهدوء وإحسان فان هذا البيت عرضه للهدم، ويشرع أن يتدخل عقلاء العائلة لفض النزاع إذا اشتد. وهناك الترغيب أن يمسك الرجل زوجته على كره والعكس صحيح، أي أن تصبر المرأة على زوجها على كره له. قال تعالى: ﴿ فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ﴾، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:” لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر” لا يفرك بمعنى لا يبغض. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ان الله لا يحب الذواقين والذواقات”، وهذا الحديث اختلف فيه فمنهم من حسنه ومنهم من ضعفه. والذواق كثير الزواج سريع الطلاق.
الله تعالى تحدث عن قضايا كثيره تتعلق بالطلاق في هذه السورة: تحدث عن الطلاق الرجعي، وعده المطلقة الرجعية، وتحدث عن تحديد الطلاق، وحسره في مرتين، وتحدث عن الاختلاع، وعن النهي عن ارتجاع المرأة بقصد الضرر، وتحدث عن التعريض بالخطبة للمعتدة، وعن الطلاق على المدخول بها، وما تسترده، وتحدث عن متعة المطلقة بإطلاق، وتحدث عن الفطام، وتحدث عن عدم نسيان الفضل بين المطلقَين. قال تعالى:﴿ ولا تنسوا الفضل بينكم﴾.
وغريب أنه في ثنايا هذه الآيات ذكّرنا الحق سبحانه وتعالى بالمحافظة على الصلاة والصلاة الوسطى. قال تعالى: ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى﴾. الصلاة والصبر يعينان على نجاح هذه الحياه الزوجية، وعلى نجاح أي عمل كان. قال تعالى:﴿ واستعينوا بالصبر والصلاة﴾.
بعد هذه المقدمة العامة شرع الدكتور عبد العالي المسؤول في تفسير آيات المدارسة لهذه الحصة .قال تعالى:﴿ وان عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم﴾ العزم والعزية عقد القلب على إمضاء أمر، والطلاق رفع لقيد النكاح. قال تعالى: ﴿وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم﴾ سميع لأنه سبحانه وتعالى يعلم المولي الذي حلف ان لا يقرب زوجته كما بينا في الحصة السابقة، سميع لكي يحفظ لسانه، عليم بما في قلوب الناس، وفي هذا وعيد للذي يولي زوجته، فهذه الآية لها ارتباط بما قبلها، وهي قوله تعالى: ﴿للذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر﴾، وفيها وعيد لمن يحلف هذا الحلف ويقصد الإضرار بالمرأة.
قال تعالى: ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾ التربص: الانتظار فلا تتزوج، وذكر التربص مرتين في القرآن الكريم، ذكر في هذه الآية وذكر للمتوفى عنها زوجها. قال تعالى:﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا﴾ إشارة إلى أن نفس المطلقة ينبغي أن لا تغلب صاحبتها، وأن تنهي عدتها للعلم ببراءة الرحم، فهناك مقصدان لهذا التربص: العلم ببراءة الرحم، وهو إمكانية المراجعة.
المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. القرء اختلف فيه بين الحيض والطهر، فهو من الأضداد، كمثل الفعل عسعس الذي يفيد أقبل وأدبر، وهذه الآية يخرج منها المطلقات ذوات القرون قبل البناء، فهن مخصوصات من هذه الآية بقوله تعالى:﴿ إذا نكحتم المؤمنات من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها﴾ وهذا الحكم ثلاثة قروء لا يصدق أيضا على الآيسة ولا يصدق على الصغيرة، لأن عده الاثنتين ثلاثة أشهر والصغيرة هي التي لم تحض بعد، ولا يصدق أيضا على الحوامل لان عدتهن أن يضعن حملهن.
اختلف الفقهاء في القرء فمن قال بأن القرء هو الطهر، وهذا رأي مالك والشافعي، ومنهم من قال بأنه الحيضات وهو رأي أبي حنيفة، وروي عن الإمام أحمد قال: كنت أقول الأطهار والآن: الحيضات، فوافق أبا حنيفة. والخلاصة أن المرأة إذا طلقت في الحيض لا تعتد بتلك الحيضة ويجب أن تحسب ثلاث حيضات بعد، وإن طلقت في طهر تحسب طهرين كاملين بعد هذا عند مالك والشافعي، فتكون العدة عند مالك والشافعي أقصر من العدة عند الأحناف وعند الحنابلة، وهذه المدة كافيه ليتراجع كل من الزوجين إلى الصفاء، وهذا اذا كان الطلاق رجعيا، أما إذا انتهت فتره التربص فيحتاج الرجل إلى مهر جديد وعقد جديد ورضا الزوجة. قال تعالى:﴿ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كنا يؤمن بالله واليوم الآخر ﴾ المرأة في الجاهلية كانت تتزوج بعد الطلاق من رجل آخر، ويظهر أنها حبلى فتلحق الولد بالرجل الثاني، وهذا زور وبهتان، فحذر الله من كتم الحمل ليتزوجن أو من الحيض للحصول على أكبر فتره من النفقة قال تعالى:﴿ إن كنا يؤمن بالله واليوم الآخر﴾ ينبغي أن لا تتحايل المرأة في هذه الأمور لان الله تعالى مطلع، وفي هذه الآية وعيد لتحريم الكتمان بالإخبار عما في الرحم من الولد أو الحيض.
قال تعالى:﴿ وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ان أرادوا إصلاحا﴾ بعولتهن: أزواجهن، بمعنى وأزواجهن في حال العدة، فاذا انقضت العدة لا يبقى هذا الحق، لكن بشرط: “إن أرادوا إصلاحا” والإصلاح هنا حسن العشرة لا الإضرار، ولا يباح للرجل أن يرد الزوجة وهو لا ينوي الإصلاح، والمعاشرة بالمعروف.
قال تعالى:﴿ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف﴾ فهنا مماثلة، أن يكون الرجل مطواعا مع المرأة وتكون المرأة مطواعة مع الرجل، ومن المماثلة التزين من الطرفين كما قال ابن عباس: أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي بهذه الآية، وقيل المماثلة في تقوى الله. وقال بعض أهل العلم التماثل في تأدية كل واحد منهما لحق الأخر. فالمرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق والأعمال، متماثلان في الإحساس والعقل والقلب إلا هذه الدرجة التي ذكرها الله تعالى﴿ وللرجال عليهن درجة﴾ قال ابن عاشور: أول إعلام للعدل في الحقوق هي هذه الآية وهي من أول ما نزل في الإسلام، وهذا منتهى التكريم للرجل والمرأة. قال تعالى: “بالمعروف”، المعروف: ما جاء به الشرع نصا أو قياسا أو اقتضته المصالح العامة المقبولة. الباء في كلمة “المعروف” هنا للملابسة.
قال تعالى:﴿ وللرجال عليهن درجة﴾ الرجال مشتق من الرجلة أي القوة. قال بعض أهل العلم وهم علماؤنا السابقون: الدرجة هنا هي زياده وفضل في العقل والخلق، والفضل في الدين، وزياده في الدية، والمواريث، وأحقية القضاء والإمامة، ويمكن أن يتزوج عليها وهو قادر على تطليقها، وعلى مراجعتها، أما المرأة فلا تطلق ولا تراجع، والتعدد، والامرة والطاعة….. قال الدكتور عبد العالي المسؤول: وفي هذا مجافاة لصدر الآية حيث قال تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف﴾ .فالدرجة هي القوامة، ومن مقتضيات القوامة النفقة والرعاية وهي مسؤولية وليس تسلطا، قال تعالى:﴿ والله عزيز حكيم﴾ عزة الله وقهره لمن خالف تشريعاته، حكيم في تشريعاته.
قال تعالى:﴿ الطلاق مرتان﴾ كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام يطلقون الزوجات بغير عدد محدود، وكان الواحد إذا أراد أن يضر امرأته يطلقها فاذا دنا انقضاء عدتها راجعها فأنزل الله هذه الآية: “الطلاق مرتان” فستحق المراجعة في الأولى والثانية أما بعد الطلقة الثالثة فقال تعالى:﴿ حتى تنكح زوجا غيره﴾. الطلاق الرجعي يكون لعدم الإنفاق أو للايلاء أو للهجر، أما الطلاق قبل البناء والطلاق للتمليك وهو أن المرأة تملك الحق بأن تطلق نفسها إذا اشترطت ذلك على زوجها من البداية، والطلاق الاتفاقي، والطلاق المكمل للثلاث فهذا خارج عن الطلاق الرجعي. والعلماء يقولون أن من طلق زوجته في طهر لم يمسها فيه هو على السنة، والطلاق يكون لسبب، أما إن كان في حالة استقامة فهو مكروه عند العلماء، وأبو حنيفة يقول بأنه حرام، والطلاق يجب أن يكون على التفريق لا دفعة واحد.
قال تعالى:﴿ فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾ وذكر إمساك وتسريح بالرفع لإفادة الدوام، فإذا طلقها أدى إليها حقوقها كاملة. فلماذا قُدِّم الإمساك على التسريح إيماءا على أنه المقدم، والمرغب فيه للمحافظة على الأسرة والعائلة والأولاد، قال تعالى:﴿ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله﴾ حرام أن تأخذ شيئا من مهر أو غيره بغير حق. المرأة قد لا تطيق الرجل فتطلب الطلاق بمالها كما اختلعت امرأة ثابت بن قيس وردت عليه حديقة أو حديقتين قدمها لها، أما إن كان النشوز من قبله وإن اعطته شيئا فيجب أن يُرد لها ذلك.
قال تعالى:﴿ إلا أن يخافا﴾ الزوجة تخاف أن تعصي زوجها، والزوج يخاف أن يعتدي عليها في حالة نشوزها. فأخبر تعالى أنه لا حرج في هذا الطلاق. وهنا سؤال يطرح، هل الخلع يكون في حالة النشوز والضرر فقط؟ فتمسك بهذه الآية كثير من العلماء وجمهور من الفقهاء فقالوا حتى ولو لم يكن هناك ضرر مادي. وختم سبحانه هذه التشريعات بقوله: ﴿وتلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون﴾.
قال تعالى: ﴿فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره﴾ فان طلقها الزوج ثلاث مرات فلا تحل له يتزوجها آخر ويطلقها أو يموت، ساعتها يحق لها أن ترجع للأول، والمراد بالنكاح هنا: الوطء، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله﴾، ثم ختم الدكتور عبد العالي المسؤول كلمته بتفسير قوله تعالى:﴿ وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون﴾ أي يتراجعا فيقيما ما أمرهما الله به وينتهيا عما نهاهما الله عنه.
ثم أعطى المسير الكلمة لاحد المتدخلين وهو الأستاذ بوبكر بن موسى الذي تحدث عن اسمي الله “عزيز حكيم” وبين أن هذين الاثنين غالبا ما يأتيان في سياق بيان عظمة الله تعالى، ويكون في الأمر زجر ووعيد. ثم تدخل الدكتور أحمد بوعود فتحدث عن اسمين جليلين هما سميع عليم في الآية الأولى وعزيز حكيم في قوله تعالى: ﴿وللرجال عليهن درجه والله عزيز حكيم﴾ فقال: الله يذكر مجموعة من الأحكام ثم يأتي بصفات الله ثم يذكر أحكاما ثم يذكر صفات الإنسان، فما علاقة صفات الله وصفات الإنسان بما سبق؟ بالنسبة لسميع عليم قالوا: سميع عن ما قاله الرجل وعليم بنيته. قال تحدث عن العزم والطلاق، فقال: العزم اقتناع فالله تعالى كأنه يحذرنا من أن نتجاوز ما هو دنيوي إلى ما هو أخروي. والنية تلعب دورها، والله تعالى يدعونا ان نراجع نياتنا في أفعالنا وأقوالنا. أما الآية الثانية ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم﴾ الله العزيز القوي، حكيم والحكمة أن تضع الأمور في نصابها وموضعها. فما علاقته هذا بما سبق؟ العلاقة أن ما ساقه الله تعالى من تدبير الأسرة، فهذه الأشياء الله تعالى قوي فيها وحكيم.
ثم تدخلت الاستاذة رجاء الرحيوي لتقول بأن الزواج شرعه الله تعالى لقصد المودة والرحمة، وهناك التجربة الماليزية حيث أدنى نسبة الطلاق في العالم. لماذا؟ لانهم يكوِّنون أي شخص مقبل على الزواج، أما نحن فمحاكمنا تعج بكثرة الملفات.
ما قاله الشرع وما في المدونة هناك إشكال حقيقي، فمثلا الطلاق الشفوي القاضي لا يعترف به، وفي هذا حرج. مسألة أخرى أن العدة ليست فقط لبراءة الرحم، فهذا الامر يمكن معرفته بالطب الذي تطور، فأقول ليس فقط براءة الرحم، وانما وقاية من الامراض، ومراعاة للجانب النفسي لهذه المرأة. سؤال أخير الناس يتحدثون الآن عن إصلاح المدونة فكيف نوفق بين إصلاح المدونة وبين إعطاء المرأة حقوقها المالية بعد الطلاق؟ خاصة وأنها ربة بيت، نعم لا مدخول مالي لها لكنها تشتغل داخل البيت. وختم اللقاء بدعاء من الأستاذ بوبكر بنموسى.