وفاة مفخرة المغرب والمشرق الشيخ عبد الرحمن الكتاني رحمه الله تعالى
منار الإسلام
وفاة مفخرة المغرب والمشرق الشيخ عبد الرحمن الكتاني رحمه الله تعالى
منار الإسلام
بعد مسيرة مباركة في محاريب العلم الشرعي تحصيلا وتأصيلا وتوصيلا، ذكرا ومذاكرة وتذكيرا، توفي ظهر يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى عام 1444هـ، الموافق للسادس من دجنبر 2022 ميلادية عن نحو ستة ومائة عام إمام العصر، ومفخرة الوقت، والعلامة المحدث مسند المغرب والمشرق الشيخ عبد الرحمن بن عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني رحمه الله تعالى رحمة واسعة بعد معاناة طويلة مع أمراض تتابعت عليه سنين عديدة، كل واحدة منها كفيل بقتل القوي الأشم، غير أنه كان يقابلها بالصبر الكبير، وعدم الشكوى ولا الضجر، فرحمه الله تعالى رحمة الأبرار، وعوض الأمة الإسلامية عن فقده خير عوض.
والفقيد رحمه الله تعالى ينتسب لأسرة علمية عريقة، شريفة النسب حسيبة فهو ابن العلامة المحدث أبي الإسعاد، وأبي الإقبال محمد عبد الحي بن عبد الكبير بن محمد بن عبد الواحد الكَتَّاني، الإدريسي الحَسَني، الفاسي.
ولد فى أواخر صفر لعام 1338 هجرية بفاس مدينة العلم والعلماء.
تلقى العلم عن والده الذي لم يكد يترك مجلسا من مجالسه في فاس، وفيما رافقه من غيرها، وكلف به والده من يشرف على تهذيبه وتعليمه، وخصص له من يأخذ عنهم من أعلام جامع القرويين؛ فكان منهم: أبو الشتاء الصنهاجي، وعبد الله العلوي الفضيلي، والحسين العراقي، وأحمد بن محمد العمراني، وعبد الرحمن ابن القرشي الإمامي، وأضرابهم من الأئمة. فلازم مجالس العلم النظامية والحرة.
وتتلمذ على يد كبار الشيوخ والعلماء وأجيز منهم بإجازات علمية في أكثر من مجال وديوان من دواوين السنةالنبوية.
وكان في مقدمتهم والده العلاَّمة المحدِّث المسنِد المؤرِّخ عبد الحي الكَتَّاني صاحب فهرس الفهارس، وهو عمدة الفقيد رحمه الله تعالى فى سماع الحديث فقد لازمه وخدمه أكثر حياته وكان الأب يسميه *بصاحب الوقت*1، ومنهم ابن خال والده الشيخ محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني، وكذلك محمد إدريس بن محمد المهدي بن محمد بن علي السنوسي ملك ليبيا السابق، أما عن شيوخه الذين أجازوه فهم بالعشرات و من جل الأقطار الإسلامية يستعصي حصرهم وحسبنا هنا التمثيل، فقد أجازه كل من الجزائري محمد الديسي البوسعادي الهاملي المتوفي سنة 1339هـ، والهندي أحمد رضا علي خان البريولي المتوفي سنة 1340هـ، و المصري محمد بسيوني القرنشاوي المتوفي سنة 1342هـ، والسوري محمد عابدين الدمشقي المتوفي سنة 1343هـ، وشيخ الأزهر حسونة بن عبد الله النواوي، وقاضي تونس ومفتيها محمد الطيب النيفر، المتوفي سنة 1345هـ، وشيخ جامع الزيتونة محمد الطاهر بن عاشور المتوفي سنة 1393ه، وغيرهم كثير مما لا يتسع المقام لذكرهم رحم الله الجميع وأجزل لهم الأجر والثواب.
كان رحمه الله تعالى العالم المشارك، والمبارَك المبارِك بشهادة معاصريه ومريديه، إمام الرواية والإسناد في عصرنا فعد بين علماء عصره واسطة العقد، ومسك الختام، كانت مجالسه تتعطر بأريج ما يقرأ فيها من دواوين السنة، وما تتشرب فيها قلوب الطلاب من محاسن الآداب.
فقد كان عليه مدار الرواية في عصرنا، بل لم يتهيأ لأحد في القرون المتأخرة ما تهيأ له من كثرة الآخذين، فمجالسه كان يحضرها الآلاف، فقد أطال الله مدته ففات أقرانه في وسع الرواية، وضبطها، وطول مدى الآخذ عنهم، بحيث بينه وبين بعض شيوخه في السماع الموثق المحقق وبخطوط أصحابها أكثر من مائة عام، وهذا ما لم يتم إلا لأفراد قلائل في الأمة المحمدية فلله الحمد والمنة.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه إلى جانب ما حباه الله من علم وقوة ذاكرة عرف الفقيد رحمه الله تعالى بمكارم أخلاقه فقد كان من أهل الاستقامة، والزهد بلا تكلف أو تزمت، لا يغتاب أحدا، ولا يتحدث لغوا، جل كلامه بالكلام المقطع، والإيماء، يصبر في مجالس السماع، بحيث قد يقضي كل يومه في مجلس لا ينقطع إلا وسط النهار، ويستمر إلى منتصف الليل محتسبا بشوشا، مكرما لضيفانه.
كانت مجالسه رحمه الله تعالى مجالس علم وأنس وروحانية، وعلم وفائدة وسماع.
استفرغ حياته لخدمة والده، وبالرغم من ذلك فقد تصدر للتدريس بالزاوية الكتانية بفاس، فدرّس كتب الفقه؛ بالرسالة، وخليل، وغير ذلك من العلوم، التي تلقاها عنه الآخذون عنه.
وسيرا على منوال سلفنا الصالح من العلماء العاملين، ناله حظه من الابتلاء الواقع على الدعاة الفعلة على يد المتكالبين على مقدرات الأمة المحاربين لمنافسيهم أسوأ محاربة، فصبر واحتسب، وأقبل على شأنه، واختلى بربه ، حتى أظهر الله شمسه وأعلن مقداره بين الناس وفضله؛ فتزاحم الناس على مجالسه واكتظت مجالسه بمحبيه، وقذف الله له القبول في قلوب الناس وغشى منتدياتهم حتى صار مفخرة للمغرب بل لأهل العصر.
مكانة علمية سامية تبوأها الفقيد بمشيئة الله تعالى وثمرة بره وجهاده حسن خلقه وغزارة علمه.
فأما البر فقد كان رحمه الله تعالى خادما لوالده ، شديد البرور به، برور العبد مع سيده، كان يخرج معه للدعوة إلى الله تعالى الأشهر الطويلة و في مختلف المدن والبوادي والقرى والبلاد، ويحضر مجالسه الخاصة والعامة، ويحافظ على أسراره وأخباره في حياته وبعد مماته، قال للدكتور محمد بن حمزة الكتاني: *عشت مع والدي خمسين عاما، وبعده خمسين عاما!*
وأما الجهاد فيعتبر الفقيد رحمه الله تعالى من رجال الدعوة إلى الله تعالى، الذين أمضوا عمرا في هداية الناس، وإرشادهم إلى دينهم، وتعليمهم أمور شريعتهم، يحسب له ذلك، خاصة في شبابه وكهولته.
فإذا يممنا وجهنا ولساننا للحديث عن حاله ومكارم أخلاقه فحدث ولا حرج فقد كان من أولياء الله الصالحين، المتخلقين بأخلاق الإسلام، المواظبين على أذكارهم وأورادهم وعباداتهم، لا يذكر أحدا بسوء، ولا يغتاب أحدا، ولا يؤذيه، زاهدا في الدنيا وما إليها، عف اللسان، كريم النفس، قليل الكلام، جل كلامه إيماء، دائم البشر والابتسامة والتواضع، لا يرى لنفسه مزية وهو مجمع المزايا.
خدم الإسلام والمسلمين، وصبر أغوار السنة رواية ودراية، وساهم في نشرها، فقد أنقذ الله أسانيد وطرقا بوجوده ومثابرته وكان في هذا المجال فريدا متميزا فرادة وتميز المغاربة الذين خصهم الله بهذه المزية مزية خدمة السنة والنبوغ فيها قديما وحديثا والشواهد على ذلك عديدة فانتعشت بهم سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد خمول وركود.
ممن دون أخباره، وجمعوا أثباته نجد الشيخ محمد زياد التكلة؛ جمع له ثبتا بعنوان: *نيل الأماني، بفهرسة ميند العصر عبد الرحمن بن عبد الحي الكتاني، والدكتور محمد ححود التمسماني؛ جمع له عدة أثبات؛ منها: *أوائل مسند العصرالشيخ عبد الرحمن الكتاني*، و *أجود المسلسلات**و غيرهما كثير.
والحاصل؛ فعزاؤنا واحد في إمام العصر، ومفخرة الوقت الشيح عبد الرحمن الكتاني وحق لمثله أنن يؤبن في بلاد الإسلام، وينعى على رؤوس الأشهاد، فاللهم ارزق أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
- نقلا عن ترجمة الدكتور محمد حمزة الكتاني