لماذا نصلي صلاةَ التراويح في آخرِ يوم من شعبان، ولا نصليها في آخرِ يوم من رمضان؟
لماذا نصلي صلاةَ التراويح في آخرِ يوم من شعبان، ولا نصليها في آخرِ يوم من رمضان؟/ أبوبكر الزايدي
لماذا نصلي صلاةَ التراويح في آخرِ يوم من شعبان،
ولا نصليها في آخرِ يوم من رمضان؟
بقلم: أبوبكر الزايدي
أولاً: تعريف الليل والنهار واليوم
●اللَّيْلُ في (لغة العرب) مَبْدَؤُه من غروب الشمس، كما قال ابن منظور في لسان العرب.
●وَأما الليل في (الاصطلاح الشرعي) فهُوَ زَمَانٌ مُمْتَدٌّ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي أي الفجر الصادق ، وهو موعد أذان صلاة الفجر.
●تعريف النَّهار في( اللغة): فهو ضِياءُ ما بين طلوع الفجر إِلى غروب الشمس، وقيل: من طلوع الشمس إِلى غروبها، وقال الجوهري: النهار ضد الليل، كما نقله ابن منظور في لسان العرب.
●والنهار في (الاصطلاح الشرعي): هُوَ زَمَانٌ مُمْتَدٌّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
●تعريف اليوم : وأما اليوم في (لغة العرب): فيشمل الليل والنهار، ويستعمل أيضاً في النهار، قال ابن منظور في لسان العرب:[ اليَوْمُ معروفٌ مِقدارُه من طلوع الشمس إِلى غروبها، والجمع أَيّامٌ]
●وفي( الاصطلاح الشرعي): استعمل اليوم بما يشمل الليل والنهار،واستعمل في مقابل الليل،أي في النهار، وبه وردت النصوص الشرعية ما لم تدل قرينة على غير ذلك كقوله تعالى:{ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } سورة البقرة الآية 196،فمعلوم أن الصوم لا يكون إلا في النهار.
وكما في قوله تعالى:{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } سورة الحاقة الآية 7.
●قال القرطبى:[لأنها بدأت بطلوع الشمس من أول يوم وانقطعت غروب الشمس من آخر يوم] تفسير القرطبي 8/260.
●وقد يعبر عن الأيام بالليالى كما قال تعالى فى قصة زكريا عليه السلام:{ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} سورة آل عمران الآية 41، وقال تعالى: { قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } سورة مريم الآية 10،والقصة واحدة.
ثانياً: المقرر شرعاً أن الليل سابقُ النهار
كُل لَيْلَةٍ تَتْبَعُ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهَا،لا اليومَ الذي قبلها، فنقول ليلة الأول من رمضان، والتي تدخل بغروب شمس آخر يوم من شعبان، ونقول ليلة عيد الفطر، والتي تدخل بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وبناءً على ذلك نصلي صلاة التَّرَاوِيحَ فِي أَوَّل لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، ولا نصليها في أَوَّل لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ وهي ليلة العيد، وهذا باتفاق أهل العلم فيما أعلم.
■ويدل على ذلك ما ورد عن جابر رضي الله تعالى عنه في حجة الوداع ” قدم النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة رابعة” وهذا دليل على أنه جعل هذا اليوم تابعاً لليلة التي قبله ، فالعلماء متفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في حجة الوداع في اليوم الرابع ، فقال”صبيحة رابعة” فلو كان اليوم قبل الليلة لقال ” صبيحة خامسة” لأن الليلة لم تأت بعد لهذا اليوم ، فقوله صبيحة رابعة ، أي صبيحة الليلة الرابعة، ولا يتأتى هذا إلا إن جعلنا ليلة يوم الدخول سابقة عليه.
ثالثاً: اليوم الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية
1- للصيام وغيره من الأحكام، يبدأ عند الفقهاء بغروب الشمس، ويشمل الليل والنهار التاليين لذلك الغروب، فأول يومٍ من رمضان يبدأ بغروب شمس آخر يوم من شعبان،قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} سورة البقرة الآية 187.
● ويبدأ وقت الصوم بالامتناع عن المفطرات بطلوع الفجر الصادق كما في قوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} سورة البقرة الآية 187،وقال صلى الله عليه وسلم:(إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)رواه البخاري.
ويدل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم 🙁 إذا أدبر النهار من هاهنا، وأقبل الليل من هاهنا، فقد أفطر الصائم )رواه البخاري ومسلم.
2- وكذلك أحكام الصلاة، فمثلاً احتساب نصف الليل الذي ينتهي به الوقت المختار للعشاء كما هو قول جماعة من الفقهاء، فالليل يبدأ بغروب الشمس وينتهي بطلوع الفجر، فإذا كانت الشمس تغرب مثلاً الساعة السابعة مساءً وموعد أذان الفجر الساعة الرابعة صباحاً، فإن منتصف الليل يكون عند الساعة الحادية عشرة والنصف. وكذلك الحال لمعرفة ثلث الليل الأول والأخير.وهكذا في كثير من الأحكام الشرعية المرتبطة بالوقت.
■وهنالك بعض الإستثناءات من ذلك في بعض الأحكام كالمناسك والنذور على تفصيل عند الفقهاء، ففي مناسك الحج اعتبر الشرع أن ليلة النحر،وهي ليلة العاشر من ذي الحجة تابعة في الحكم لا في الحقيقة لليوم السابق وهو يوم عرفة أي التاسع من ذي الحجة [وَاسْتَثْنَوْا مِنْ قَاعِدَةِ: ” كُل لَيْلَةٍ تَتْبَعُ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهَا ” مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّيَالِيَ فِيهَا تَتْبَعُ الأْيَّامَ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْحِكَمِ لاَ فِي الْحَقِيقَةِ لاَ الَّتِي بَعْدَهَا.وَلِهَذَا لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ، فَعَلَيْهِ تَكُونُ لَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةً لِلْيَوْمِ قَبْلَهَا فِي الْحُكْمِ حَتَّى صَحَّ الْوُقُوفُ فِيهَا.
وَلَيْلَةُ النَّحْرِ وَالَّتِي تَلِيهَا وَالَّتِي بَعْدَهَا تَبَعٌ لِيَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى صَحَّ النَّحْرُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي وَجَازَ الرَّمْيُ فِيهَا، وَالْمُرَادُ: أَنَّ الأْفْعَال الَّتِي تُفْعَل فِي النَّهَارِ مِنْ وُقُوفٍ وَنَحْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ صَحَّ فِعْلُهَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ النَّهَارَ رِفْقًا بِالنَّاسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:إِنَّ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَاسِكِ تَتْبَعُ الْيَوْمَ الَّذِي قَبْلَهَا، أَيْ تَتْبَعُ فِي الْحُكْمِ لاَ حَقِيقَةً، فَالأْصْل أَنَّ كُل لَيْلَةٍ تَتْبَعُ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهَا، لِذَلِكَ يُقَال: لَيْلَةُ النَّحْرِ لِلَّيْلَةِ الَّتِي يَلِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا لَصَارَتِ اسْمًا لِلَيْلَةِ عَرَفَةَ، وَلاَ يَسُوغُ ذَلِكَ لاَ لُغَةً وَلاَ شَرْعًا، وَحِينَئِذٍ فَلاَ يَصِحُّ مَا قِيل: إِنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لاَ لَيْلَةَ لَهُ، وَلِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لَيْلَتَانِ، إِلاَّ أنْ يُرَادَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ.] الموسوعة الفقهية الكويتية 45/301.
رابعاً: تحديد بداية اليوم ونهايته يختلف باختلاف الأحكام المعلقة عليه
اليوم شرعاً يطلق ويراد منه الوحدة الزمنية التي هي عبارة عن أربع وعشرين ساعة كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:( إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما). رواه البخاري
وتكون بداية اليوم بهذا الاعتبار من :
1- غروب الشمس إلى غروبها.
2- من الفجر إلى الفجر الثاني، كما في يوم عرفة بالنسبة للوقوف على اختلاف بين أهل العلم.
3- وقد يطلق اليوم ويراد به مقابل الليل وتكون بدايته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً). رواه البخاري.
■والخلاصة أن تحديد اليوم شرعاً ومتى يبدأ أو متى ينتهي يختلف باختلاف الأحكام المعلقة على اليوم والمظروفة فيه.
خامسا: دليل اعتبار مبدأ اليوم من الغروب
الليلة في عرف العرب والشريعة الإسلامية تتبع اليوم الذي بعدها ، وليس اليوم الذي قبلها ، والشواهد على ذلك كثيرة ، لكن أظهرها ما يراه الناس في مواسم العبادات ، فمثلا :
1- رؤية هلال رمضان تعني دخول الشهر الفضيل ، وتلاحظ أن تلك الليلة تعتبر من رمضان ، ويصلي فيها المسلمون صلاة التراويح .
2- رؤية هلال عيد الفطر تعني انتهاء رمضان ودخول شهر شوال ، فيترك المسلمون في تلك الليلة صلاة التراويح .
فإذا جاء في النص الشرعي ذكر ليلة الجمعة ، أو ليلة العيد ، أو غيرها : فالمقصود بها الليلة في العرف الشرعي السابق .
وهكذا الأمر بالنسبة لليلة القدر ، وقد ورد حديث صحيح صريح يدل على أن الصبح تابع لليلة التي قبله ، وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَاعْتَكَفَ عَامًا ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ، وَهِىَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ قَالَ : مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ . فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ ، فَبَصُرَتْ عَيْنَاي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ )رواه البخاري (2027) ومسلم (1167)
فتأمل قوله : ( يخرج من صبيحتها )، وقوله : ( من صبح إحدى وعشرين ) لتستدل على أن الصبح تابع لليلة الفائتة .
يقول الإمام القرطبي رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) الأعراف/142 -:
” دلت الآية أيضا على أن التاريخ يكون بالليالي دون الأيام ، لقوله تعالى : ( ثَلاثِينَ لَيْلَةً )؛ لأن الليالي أوائل الشهور ، وبها كانت الصحابة رضي الله عنهم تخبر عن الأيام ، حتى روي عنها أنها كانت تقول : صمنا خمسا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والعجم تخالف في ذلك فتحسب بالأيام ؛ لأن معولها على الشمس ” انتهى من ” الجامع لأحكام القرآن ” (7/267)
والله تعالى أعلم.