منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

 المنظومات ودورها في نشر العلوم وتثبيتها”المنظومة الجزرية نموذجا”

الأستاذة حسنية الهلالي

0

 المنظومات ودورها في نشر العلوم وتثبيتها

“المنظومة الجزرية نموذجا”

بقلم: الأستاذة حسنية الهلالي

تعريف المنظومة:

  • تعريف لغوي:

جاء في مقاييس اللغة أن المادة نظم -ن-ظ-م – أصل يدل على تأليف الشيء، ونظمت الشعر وغيره. والنظام: الخيط يجمع الخرز.

أما الزمخشري (ت 538 هـ) فحدده قائلا:” نظمت الدر ونظمته” در منظوم ومنظم، وقد انتظم وتنظم وتناظم، وله نظم ونظام ونظم.

  • تعريف اصطلاحي:

فقد حدد الجرجاني (ت 450 هـ) قائلا:” هو تأليف الكلمات والجمل مرتبة المعاني متناسبة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل” والمنظوم كلام موزون مقفى خلاف المنثور وهو أيضا: الكلام ينظمه الشاعر ويضمنه معلومات بقصد حفظها وإدراك المعاني فيها، والدافع في النظم هو أن الشعر أسهل حفظا من النثر ولا سيما أن الشعر عرف قبل التدوين.

وهو نوع من الشعر لا يمت إلى العاطفة بصلة، وقد برز في عهد النهضة الإسلامية منظومات في مختلف العلوم، فهناك منظومات تتعلق بعلوم القرآن، وبالفقه وأصوله والنحو والمواريث والطب وغيرها.

فهناك المنظومة الشاطبية في علم القراءات: حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع للإمام القاسم بن فيرة بن خلف الشاطبي ولقبت بالشاطبية، بلغ عدد أبيات المنظومة ألفا ومائة وثلاث وسبعين بيتا شعريا وموضوعها القراءات السبع المتواترة عن الأئمة: نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة والكسائي.

ومنظومة جوهرة التوحيد لإبراهيم اللقاني المالكي (ت 1041 هـ) وهي عبارة عن منظومة شعرية تتألف من مائة وأربعة وأربعين بيتا.

ومنظومة سلم الوصول في علم الأصول في توحيد الله واتباع الرسول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي (توفي 1388 هـ)

ومنظومة القواعد الفقهية للعلامة ابن السعدي.

 نشأة التأليف النظمي:

لم يكن التأليف العلمي بطريقة النظم موجودا عند بداية التأليف في علوم القرآن فأول من نظم في علوم القرآن هو أبو مزاحم موسى عبيد الله الخاقاني (توفي 325 هـ) في منظومة الرائية في تجويد القرآن وحسن أدائه.

الأسباب التي أدت إلى التأليف النظمي:

  • الحرص على نشر العلوم وتثبيتها وتسهيل حفظها.
  • كثرة التشعب في العلوم ومسائلها وضعف الهمم في اكتسابها مما أدى ببعض العلماء لاختصار تلك العلوم في منظومات تحتوي على الأهم فالمهم. ومن أراد الاستزادة فله التوسع في ذلك.
  • النظم نوع جديد من أنواع التأليف العلمي وهو سبيل إلى المنافسة والتحصيل العلمي.

المنظومات في علم القراءات:

 أول من نظم في علم القراءات السبع: الحسين بن عثمان بن ثابت البغدادي الضرير (ت 378هـ)

أول المنظومات في علم رسم القرآن: منظومة أبي الحسن علي بن محمد المرادي (ت 455 هـ)

وأكثر المنظومات في علم القرآن هي في علم القراءات.

المنظومة الجزرية نموذجا:

المنظومة الجزرية لصاحبها محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف المعروف بابن الجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر التي تقع على نهر دجلة في تركيا وكني بأبي الخير شمس الدين الدمشقي، ولد بدمشق سنة 751 هجرية وتوفي بشيراز سنة 833 هجرية، الشافعي المذهب.

كان رضي الله عنه ورعا صالحا زاهدا في الدنيا لا يدع قيام الليل في حضر ولا سفر ولا يترك صيام الاثنين والخميس والثلاثة من كل شهر.

حفظ القرآن وعمره ثلاث عشرة سنة، أفرد القراءات على عدد من الشيوخ وعمره خمس عشرة سنة.

جمع القراءات وعمره سبع عشرة سنة على الشيخ محمد بن أحمد اللبان (ت 776 هـ) رحل إلى بلاد كثيرة لتعلم القراءات وألف بالمدينة:

  • طيبة النشر في القراءات العشر

تلقى علم الحديث من خيرة علماء زمانه وهو الإمام المحدث الأبرقوهي فكان ابن الجزري من المحدثين إلا أنه اشتهر بين الناس بالقرآن وعلومه فكان عند أهل القرآن كالبخاري عند أهل الحديث.

درس البلاغة وأصول الفقه وأصول المعاني والبيان وألف فيها المؤلفات

مؤلفاته:

  • منظومة المقدمة في التجويد (الجزرية)
  • التمهيد في التجويد _ ألفه وعمره سبع عشرة سنة_
  • تحبير التيسير في القراءات العشر لأبي عمر الداني
  • منجد المقرئين، بين فيه القراءات الثلاث فوق السبع، التي لا تقل قيمة عن القراءات السبع.
  • منظومة الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية
  • الجوهرة في النحو

هذا والمنظومة الجزرية هي فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه، تتكون من مائة وسبع أبيات من بحر الرجز.

شرحها الكثير من العلماء وقيل تجاوز عدد شروحها خمسين شرحا ومن بينهم:

  • ابن الناظم أبو بكر أحمد بن محمد الجزري في كتاب الحواشي المفهمة في شرح المقدمة (ت 859هـ)
  • الحواشي الأزهرية للشيخ خالد الأزهري (ت 905 هـ)
  • وزكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري المتوفي 926 هـ في كتاب الدقائق المحكمة في شرح المقدمة
  • ملا بن علي بن سلطان محمد بن القاري (ت 1014 هـ) في كتاب المنح الفكرية في شرح المقدمة الجزرية

وقد لاقت المنظومة الجزرية قبولا واسعا واستحسانا كبيرا لدى العلماء على مر العصور وكثرة شروح المنظومة تدل على تداولها وقبولها واعتمادها منذ عصر ابن الجزري إلى عصرنا هذا.

مواضيع المنظومة الجزرية:

تتألف المنظومة الجزرية من أبواب كثيرة منها مقدمة المقدمة، ومخارج الحروف والصفات وباب التجويد. وباب معرفة الوقوف والابتداء والمقطوع والموصول ولا زالت المنظومة الجزرية تدرس حتى الآن.

ويقول ابن الجزري في مطلع المنظومة:

يقول راجي عفو رب سامع ***** محمد بن الجزري الشــــــــافعي

الحمد لله وصلى الله *****  على نبـــيه ومصــــطفــاه 

محمد وآله وصحبه***** ومقرئ القرآن مع محبه

وبعد إن هذه مقدمة ***** فيما على قارئه أن يعلمه

إذ واجب عليهم محتم ***** قبل الشروع أولا أن يعلموا

مخارج الحروف والصفات ***** ليلفظوا بأفصـــــــــــح اللغــــات

ولقد كتب الله القبول للمنظومة ولمؤلفها عبر الأزمان، فيصعب جدا أن نجد بحثا في علم التجويد لا يرجع صاحبه إلى المنظومة ولا يستشهد بكلام ابن الجزري، كما يتعذر أن تجد مكتبة أو معهدا للتعليم العتيق أو مدرسة قرآنية لا توجد بها نسخ من المنظومة. وكلام ابن الجزري ولا شك من العلم الذي انتفعت به الأمة.

والحمد لله رب العالمين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.